يُبحِرون مِن دون " دين براون"

يخاف الصهاينة للمرة الأولى على وجودهم. خافوا سابقًا في معاركهم ضد مقاومة لبنان. خافوا ولكن لم يكن خوفهم وجوديًا. قالها رئيس حكومة العدو جهاراً: "نخوض حربًا وجودية".

0:00
  • لأول مرة في تاريخ الصراع يخاف الإسرائيليون خوفًا حقيقيًا.
    لأول مرة في تاريخ الصراع يخاف الإسرائيليون خوفًا حقيقيًا.

لم يَخف الصهاينة بالمعنى الشعوري منذ 77 سنة. منذ العام 1948 بنوا كيانهم على أنهم مختارون من الله ومن يختاره الله بحسب ما قيل لهم لا ينفذ الخوف إليه. هو الذي يثير الخوف. 

خلال عقود نجح الصهاينة في إخافة البعض منا. تحول البعض منا إلى أنظمة تخاف. تعززت الفكرة- الوهم بعد النكبة والنكسة. اليد التي لا يستحيل كسرها تُقَبَّل ويُدعى عليها بالكسر. 

ذهبت الأنظمة العربية إلى أسوأ من هذه المعادلة التي جرت مثلًا. تُقَبَّل ولا يُدعى عليها بالكسر. على العكس من ذلك يُدعى لها بالتوفيق في قتل المقاومة التي أبت تقبيل يدها. المقاومة التي تعمل على كسر يدها. محبط جدًا أنه يُفرَض علينا الاعتراف كيف أن بعض أبناء جلدتنا يريدون كسر يدك بدل كسر يد "إسرائيل". 

يخاف الصهاينة للمرة الأولى على وجودهم. خافوا سابقًا في معاركهم ضد مقاومة لبنان. خافوا ولكن لم يكن خوفهم وجوديًا. قالها رئيس حكومة العدو جهاراً: " نخوض حربًا وجودية". أصاب. معركتهم اليوم دخلت حيّز الوجود لا الحدود.

لذلك يطمحون إلى "إسرائيل" الكبرى علّها تؤجل خوفهم على وجودهم. توسعهم يطمئن وجودهم المؤقت ولو أنهم في قرارة وجدانهم المريض يعرفون أن إسرائيلهم الكبرى هروب إلى الاطمئنان الوهمي لوجودهم الأكثر وهمًا.

حربهم على لبنان بالأمس كما حربهم على ايران جزء من هروبهم نحو هذا الاطمئنان. يعرفون أن لا شيء مطمئناً في حروبهم هذه سوى أنها تؤجل مضاعفة أرق الوجود. يتملقون أميركا للمساندة. بقاؤهم منوط بأميركا. لولاها لكانوا انتهوا منذ عقود.

لا عودة في الكيان بعد اليوم إلى " البزنس آز يوجوول". إلى حياة يومية فيها دورة حياة طبيعية. لا عودة إلى بورصة "تل أبيب" ولا إلى الاستثمار العقاري والصناعي ولا حتى إلى بناء مستوطنات بشكل طبيعي. حياة يومية مسوّرة بالخوف.

أسوار أكثر هشاشة من الأسوار التي رفعوها حول غلاف غزة. أكثر هشاشة من الحواجز التي زرعوها في عمق الضفة بين بلدة وبلدة، وبين ما يسمى القدس الشرقية والغربية التي أصبح التنقل منها وإليها أشبه بمتاهة يُذّل فيها الفلسطينيون الذين يريدون التنقل بين بلدة وبلدة تختزن ذكرياتهم كشعب أصيل في فلسطين المحتلة.

لأول مرة في تاريخ الصراع يخاف الإسرائيليون خوفًا حقيقيًا. اليخوت والقوارب شهود على ذلك. مشاهد الحقائب على متن القوارب تشهد. يبحرون إلى قبرص واليونان وأوروبا وتتعطل بهم القوارب في عرض البحر. يذوقون تجربة القوارب واليخوت نفسها التي ركبناها خلال الحرب الأهلية من جونية إلى قبرص. يبحرون من دون دين براون. يبحرون وسط وعود ترامب بحمايتهم.

حتى في هرعهم إلى الملاجئ يخافون. يطالبون بأبواب فولاذية محصنة على مداخل الملاجئ خوفًا من عصف الصواريخ الإيرانية. يفترشون أرض مواقف السيارات واسفلت الأنفاق ويستعملون "الكامبينغ غاز" والشموع ويصلّون حتى لا تصل إليهم أرواح شهداء فلسطين ولبنان الذين قتلوهم بوحشية. هذا ما آلت اليه أحوال شعب الله المختار.

خرج نتنياهو منذ يومين من أمام مستشفى "سوريكو" مشيرًا كيف أن إيران تستبيح المستشفيات حيث يرقد المرضى. لم يجبه أحد من الأنظمة المطبّعة. كيف أنه قصف مستشفيات غزة الواحدة تلو الأخرى. كيف قتل الأطفال والنساء أمام مراكز توزيع المساعدات وكيف أباد شعبًا بأمه وأبيه في غزة بحجة اجتثاث حركة المقاومة هناك. يتشدق بـ 7 تشرين.

لم يذكّره أحد بـ 6  تشرين و5 تشرين و4 تشرين وما قبل ذلك يومًا قبل يوم حتى العام 2005 حين انسحب من غزة وحاصرها واقترف بحقها ألف 7 تشرين يومًا بعد يوم على مدى 15 سنة. على مدى 31 سنة بعد أوسلو. على مدى 77 سنة بعد النكبة. شعب الله المختار دائمًا مظلوم ودائمًا له الحق المقدس والمكرّس في الدفاع عن نفسه.

انتهت المهزلة وسقطت السردية بعد حرب نتنياهو على لبنان بالأمس وقبلها على غزة واليوم على إيران. 

صحيح... نتنياهو يرسم شرقاً أوسط جديداً. صحيح... شرقاً أوسط جديداً من دون نتنياهو.