هل يضع إردوغان وديعته من أجل مسار المصالحة مع دمشق؟

سوريا لا تستعجل المصالحة، والملفات المعقّدة المتراكمة بين البلدين على مدى سنوات طويلة، تدفعها للتمسّك بشرطيها اللذين من دون إقرار أنقرة بهما، لن يكون هناك مسار تفاوضي ناجح، ولا مصالحة، كما كرّرت دمشق.

0:00
  • وفق الرؤية السورية لم يتحقّق شيء ممّا طالبت به دمشق، حتى عندما أبدت مرونة عالية.
    وفق الرؤية السورية لم يتحقّق شيء ممّا طالبت به دمشق، حتى عندما أبدت مرونة عالية.

في أروقة الحديث عن مصالحة تركية سورية محتملة، حدث مفصلي في تاريخ سوريا يعود بالذاكرة، إلى مفاوضات السلام مع "إسرائيل"، حين انتزع الرئيس الراحل حافظ الأسد التزاماً من رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحاق رابين بالانسحاب من الجولان مقابل معاهدة السلام.

اصطلح يومها على تسمية الوثيقة بـ "وديعة رابين"، وقد تمّ تسليمها إلى الولايات المتحدة التي توسّطت في تلك المحادثات مع السوريين. اليوم، يبدو أن الرئيس بشار الأسد اشترط وديعةً مماثلة من نظيره التركي رجب طيب إردوغان، وتمّ إبلاغ الوسطاء بأنه لن يخطو في أي طريق تصالحي مع إردوغان من دون وديعة مماثلة جوهرها "إقرار أنقرة بالانسحاب من الأراضي السورية". فهل يذهب إردوغان هذه المرّة نحو دمشق بهذا الثمن السياسي والدولي؟

دمشق تتمسّك بهذا الشرط كمقدّمة لأيّ تفاوض، ووفق ما يقوله مقرّبون من كواليس هذه المصالحة المحتملة فإن كثرة التقلّبات، في مواقف الرئيس التركي تجاه العلاقة مع سوريا، جعلت جواب دمشق قطعيّاً، ولا سيما أنه يأتي في لحظة محمومة طلبت فيها أنقرة وبشكل منفرد من العراق وإيران وقبلهما روسيا التوسّط لدى دمشق، لاعتبارات داخلية تركية وملفات باتت ضاغطة أبرزها ملف اللاجئين وضغوط المعارضة التركية فيه، وقسد، وهي ملفات ترى سوريا أن السبب الأساسي بتعقّدها، العلاقة العدائية معها.

ووفق الرؤية السورية لم يتحقّق شيء ممّا طالبت به دمشق، حتى عندما أبدت مرونة عالية ـــــ عشية الانتخابات الرئاسية التركية ـــــ ووافقت على لقاء رفيع المستوى بحضور وزراء الدفاع في موسكو نهاية العام 2022، وبدفع روسي، ومنذ الجولة الأولى أصرّت دمشق على أمرين أساسيين، الإقرار بالانسحاب من كامل الأراضي السورية، والاتفاق على جدولته خلال مراحل التفاوض، وأيضاً إنهاء المجموعات المسلحة.

ثمن كبير تناور أنقرة لخفض سقفه، وتضخّ إعلامياً عن اجتماعات عقدت في حميميم وغيرها (هو ما نفته مصادر سورية رفيعة للميادين)، ما يعكس استعجالاً تركياً من أجل مصالحة تمنح الرئيس إردوغان، هوامش وأوراقاً بوجه المعارضة التركية داخلياً والاستحقاقات الأمنية خارج الحدود، خاصة في الملف الكردي، سورياً وعراقياً. 

هذا ما تدعمه موسكو بقوة، وتتمهّل دمشق في الاستجابة له، حيث أشركت الوسيطين الإيراني والعراقي في هذا الملف من أجل ضمان مسار إقليمي لهذه المصالحة إن تمّت.

وقد تكون الإشارة الإيجابية الوحيدة التي تلقّتها دمشق في تصريح وزير الدفاع التركي يشار غولر قبل شهر بأن أنقرة ستنظر في أمر سحب قواتها إذا ما أصبحت الحدود آمنة، لكن حتى هذا لم تجده كافياً، وقد يكون هذا الحذر منطقياً، فدمشق لا تستعجل المصالحة، والملفات المعقّدة والشائكة المتراكمة بين البلدين على مدى سنوات طويلة، تدفعها للتمسّك بشرطيها اللذين من دون إقرار أنقرة بهما، لن يكون هناك مسار تفاوضي ناجح، ولا مصالحة، كما كرّرت دمشق.