هل سترفع العقوبات عن سوريا أخيراً؟ متى وبأيّ شروط؟

يعمل الأميركيون على تحقيق أهداف محدّدة في الميدان السوري عبر الإدارات الأميركية المتعاقبة، وقد جرى التصريح عن تلك الأهداف بوضوح في نصّ "قانون محاسبة سوريا" لعام 2003.

  • ما الذي تريده الدولة العميقة الأميركية من سوريا؟
    ما الذي تريده الدولة العميقة الأميركية من سوريا؟

لو أمكن وضع جدولٍ يفصّل الأوزان النسبية لكلٍ من العوامل التي أنتجت الانهيار الكبير في سوريا في 8/12/2024، لحقّ القول، برأيي المتواضع، إن الحصار، وخصوصاً قانون قيصر وتداعياته، يتحمّل مسؤولية 50%، على الأقل، مما جرى، ليذهب الباقي إلى كل العوامل الأخرى مجتمعة.

تراكمت طبقات تلو طبقات من العقوبات على سوريا ابتداءً من سنة 1979، لتنتج مصفوفةً توّجها وضع قانون قيصر موضع التنفيذ سنة 2020. وهي مصفوفة كانت ذات أثرٍ تراكمي، أتت أكلها في 8/12/2024، لكنها لم تبدأ مع سنة 2020، بل بدأت قبلها بعقود.

أنتجت تلك المصفوفة حصاراً خانقاً أصبح عاملاً رئيساً، إن لم يكن العامل الرئيس، في التأثير في توجّه السياسة الخارجية السورية منذ عامي 2020-2021، بمقدار ما أصبح ذلك الحصار العامل الرئيس، لا الوحيد، في تجويف قواعد الحكم شعبياً ورسمياً وعسكرياً.

مع مجيء سنة 2020، ذكر "مركز كارتر" للدراسات والأبحاث، في ورقة بعنوان "العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا"، نشرت في موقعه في أيلول/سبتمبر 2020، أن الجمهورية العربية السورية أصبحت ثالث أكثر بلد تعرّضاً للعقوبات عالمياً، ولم تكن مصفوفة العقوبات على سوريا قد استكملت بعد.  

جاءت تلك العقوبات في موجات، أوّلها في السبعينيات، بذريعة "دعم الإرهاب الفلسطيني"، ثم في الثمانينيات، ثم سنة 2003 مع "قانون محاسبة سوريا"، بذريعة الدور السوري في لبنان والعراق، والذي تبعته قرارات رئاسية تنفيذية أميركية بحقّ المصرف المركزي السوري والمصرف التجاري السوري سنة 2005، وصولاً إلى سلسلة عقوبات متتالية منذ سنة 2011، ثم قانون قيصر الذي أقِرّ سنة 2019، ووضع موضع التنفيذ سنة 2020، وكان ذلك القانون الأشدّ وطأةً، وتلته عقوبات الكبتاغون، وعقوبات أخرى متنوّعة طالت أفراداً سوريين وشركات بعينها.  

مع زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات في 18/3/2022، أوّل زيارة لدولة عربية منذ سنة 2011، والتي سبقتها اتصالات غير معلنة بين الطرفين طبعاً، لم يدرك كثيرون أنّ رسالة الزيارة كانت أوّلاً للداخل السوري، بأنّ الرئيس الأسد يبذل قصارى جهده من أجل رفع الحصار.

هناك من قرأ تلك الزيارة من زوايا أخرى، إقليمية أو تطبيعيّة، وخصوصاً إزاء خلفيّة الاتفاقيات المسمّاة "إبراهيمية"، وهي قراءة محقّةٌ طبعاً، إذ إنّ المعادلات الإقليمية والدولية تحكم بالضرورة أيّ خطوة تحرّكها الحسابات المحلية الضيّقة في أيّ دولة عربية، وتقولبها وتصبغها بصبغتها، بموجب قوانين الجغرافيا السياسية.  

لكن حساب رفع الحصار، أو تخفيفه، كان طاغياً، وكان ذلك أساس الاعتقاد أنّ "الحلّ"، أي رفع الحصار، بات قاب قوسين أو أدنى، وإنما المطلوب عدم "حمل السلّم بالعرض" إقليمياً.  وكانت حالة الاختناق التي يعيشها السوريون، دفعت كثيرين، من قاعدة الهرم إلى قمّته، إلى الظنّ أنّ "الحلّ سيأتي أخيراً عبر الإمارات".  

ولو كان قرار الأنظمة العربية بيدها، لرفعت الحصار واستأنفت العلاقات سنة 2018، عندما ظهر ذلك التوجّه لديها، فطاف عليها مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، مهدّداً ومتوعّداً بأنّ ذلك يعدّ عملاً عدائياً ضدّ الولايات المتحدة، فتراجعت.   

فما الذي تغيّر لدى الأنظمة العربية منذ 2018، سوى المزيد من التطبيع، عبر الاتفاقات "الإبراهيمية" والجسر البري، والمزيد من الارتهان للإدارة الأميركية، عبر الانضواء في منظومة "سنتكوم" الإقليمية للدفاع الجوي والصاروخي عن الكيان الصهيوني؟   

بعد 8/12/2024، لم تكن مفاجئة مسارعة الوفود القطرية والتركية، عالية المستوى، إلى دمشق، بالنظر إلى علاقة الطرفين العضوية بـ "هيئة تحرير الشام". أما قوافل الوفود العربية والأميركية والأوروبية، ناهيك من قوافل المساعدات السعودية وغيرها، فكانت حلماً رسمياً سورياً من قبلُ، وحتى بعد نجاح مشروع "تغيير النظام" في دمشق، ظلّ التردّد يجلّل الخطوات السعودية والإماراتية، كما أشار تقرير في "نيويورك تايمز"، في 3/1/2025، بعنوان "السعودية والإمارات تتعاملان بحذر مع حكّام سوريا الجدد".

مشروع "تغيير النظام"، في سوريا وغيرها، كما هو معروف، هو من بنات أفكار المحافظين الجدد منذ تسعينيات القرن الفائت، وهو المشروع الذي تبنّاه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، بالنسبة لسوريا منذ 2003، مباشرةً بعد "تغيير النظام" في العراق، كما أشارت مثلاً، لا حصراً، مقالة رأي للكاتب جون كولي في "نيويورك تايمز"، في 18/11/2003، بعنوان "سوريا: الولايات المتحدة تدفع باتجاه تغيير النظام على مسؤوليتها".

كما أنّ مشروع "تغيير النظام" في سوريا هو مشروع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الأمر الذي تجلّى مثلاً، لا حصراً، في خطة أليوت إبرامز، أحد أعمدة ذلك اللوبي، لإشعال سوريا، كما نُشِرت في موقع "مجلس العلاقات الخارجية" CFR في أيلول/سبتمبر 2011، والتي حملت عنوان "خيارات أميركية في سوريا/ مذكّرة إبداع السياسات رقم 9"، وهي ورقة ترجمتها ووزّعتها في الإنترنت بعد صدورها.

المهم، ليكن واضحاً أنّ الشروع بفكّ العزلة السياسية والدبلوماسية عن دمشق، بعد "تغيير نظامها"، يأتي بضوء أخضر، إن لم نقل، بإيعاز، أميركي-"إسرائيلي"، بدلالة إبقاء أبواب دمشق موصدة في وجه إيران حتى الآن. لكنّ ذلك لا يعني أنّ العقوبات على وشك أن تُرفعَ فوراً كما يتأمّل السوريون، إذ إنّ زوّار دمشق هذه الأيام، ما عدا التركي والقطري، يتحدّثون عن قائمة شروط لا بدّ من تلبيتها أولاً. فما هي تلك الشروط؟ وهل تستند إلى تصريحات أولئك الزوّار المعلنة عن إنشاء حكم "ديمقراطي تعدّدي يراعي حقوق الأقليات إلخ..."؟

إنّ التجربة علّمتنا أن حديث الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية وحكم القانون وما شابه لا يعني شيئاً عندما يتعلّق الأمر بمصالحه الاستراتيجية، أو بالكيان الصهيوني، كما نرى كلّ يوم في غزة، وكما رأينا في لبنان، وفي العراق، وكما نرى من كلّ تاريخه الاستعماري والعدواني.  

كما أنّ التاريخ المعاصر علّمنا أن الخطاب الديمقراطي والإنسانوي لطالما استُغِلّ غربياً في زعزعة الدول المستقلة، بالتلازم مع رعاية الانقلابات والاغتيالات والإرهاب التكفيري والحركات الانفصالية والفتن الدموية فيها.      

أضف إلى ذلك أنّ النموذج (الديمقراطي التعدّدي؟) الذي أسّسه أبو محمد الجولاني في إدلب، وسجله الطويل في صفوف التنظيمات التكفيرية، لا يؤهّلانه كي يُعطَى فرصة إنشاء حكم "ديمقراطي تعدّدي يحفظ حقوق الإقليّات"، ناهيك عن انتشار الممارسات الانتقامية والطائفية، والانتهاكات واسعة النطاق التي تُرتكب في المدن والأرياف السورية اليوم، من دون أن تغطيها وسائل الإعلام.

لكنّ الجولاني مثّل رأس حربة في المشروع الأميركي-الصهيوني (والتركي) لـ "تغيير النظام" في دمشق، وبناءً على ذلك كوفئ برفع اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية، كما أبلغه الوفد الأميركي الزائر رسمياً. أما رفع العقوبات عن البلاد، وضخّ رؤوس الأموال لإعادة إعمارها، فمسألة أخرى مختلفة جداً، لأنّ الحصار الاقتصادي، الذي سبق أن أثبت فعّاليّته وجدواه في "تغيير النظام"، يبقى رافعة لممارسة الضغوط على دمشق بانتظار تبلور المشهد، إما في صورة نظام حكم يحقّق للطرف الأميركي-الصهيوني ما يريده من سوريا، أو في صورة نزاع تركي ـــــ إسرائيلي على حقول النفوذ سوريّاً، وإما في صورة تفاهم أميركي ـــــ إسرائيلي مع النظام التركي على تقاسم الكعكة السورية.

وإذا كان إردوغان يراهن على نزعة الرئيس الأميركي المنتخب ترامب على الانسحاب من الميدان السوري، كما أوحت تغريدته الأولى بشأن سوريا بعد 8/12/2024، والتي قال فيها إن الولايات المتحدة لا يجوز أن تتورّط في الميدان السوري، وإنّ تلك "ليست معركتنا"، فإنّ فريق ترامب ذاته، ناهيك بالدولة العميقة في الولايات المتحدة، واللوبي الصهيوني، لن يسمحوا لترامب أن يترك الميدان السوري خالياً، كما يشير تقرير في موقع BBC، في 13/12/2024، بعنوان "ترامب يقول إن سوريا ليست معركتنا، لكن البقاء بعيداً عنها قد لا يكون بتلك السهولة".

وفي 16/12/2024، عقد ترامب مؤتمراً صحافياً امتدح فيه الدور التركي في إطاحة الرئيس بشار الأسد، لكنه رفض الإيضاح إذا كان يزمع سحب القوات الأميركية من سوريا، في حين يجري تعزيز قوات الاحتلال الأميركي في المنطقة الشرقية على قدمٍ وساق. 

فما الذي تريده الدولة العميقة الأميركية من سوريا؟ يعمل الأميركيون على تحقيق أهداف محدّدة في الميدان السوري عبر الإدارات الأميركية المتعاقبة، وقد جرى التصريح عن تلك الأهداف بوضوح في نصّ "قانون محاسبة سوريا" لعام 2003، وهي أهداف سبق إبرازها بصورة أكثر تفصيلاً في مادة "ماذا تريد الإدارة الأميركية من سوريا؟"، في 3/1/2023، لكنها باختصار: 

أ – وقف دعم المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان (تحقّق).

ب – وقف دعم المقاومة العراقية ضدّ الاحتلال الأميركي، وهو ملف أغلق فعليّاً مع سنة 2011.

جـ - سحب القوات السورية من لبنان (تحقّق).

د – نشر الجيش اللبناني في كلّ أرجاء لبنان، و"إخلاء حزب الله من جنوب لبنان"، وهو مطلب لم يتحقّق بعد، لكنه بات منفصلاً عن الملف السوري، وخصوصاً مع عداء حكّام دمشق الجدد لحزب الله، وللجيش اللبناني أيضاً.

هـ - وقف سوريا تطوير الصواريخ المتوسطة وطويلة المدى ونشرها (تحقّق معظم هذا الهدف بقصفها، بتواطؤ أو بسكوت الحكّام الجدد). ويتضمّن هذا البند نصّاً عن وقف تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية السورية، وتزعم بعض التقارير الغربية أنّ كشف تلك الأسلحة وتفكيكها هو أحد شروط تطبيع العلاقات مع دمشق.

و – ينصّ القانون حرفيّاً على الآتي: "على حكومتي لبنان وسوريا أن تدخلا في مفاوضات ثنائية جدّية غير مشروطة مع حكومة إسرائيل من أجل تحقيق سلام كامل ودائم". وهذا لم يتحقّق بعد. ويوجد في قسم العقوبات في القانون بندٌ يربط رفع العقوبات تدريجياً بمدى تقدّم العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهنا مربط الفرس.

ولم يتضمّن "قانون محاسبة سوريا"، في صفحاته التسع، كلمة واحدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، إذ إنّ المطلوب يتعلّق بالكيان الصهيوني ومصالحه وأمنه أساساً. 

وكان تقرير "مجموعة دراسة سوريا"، الصادر في 24/9/2019، عن لجنة مفوّضة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، أشار إلى أنّ الروافع التي تملكها الإدارة الأميركية في سوريا لتنفيذ أجندتها هي الآتية: قواتها في المنطقة الشرقية بالتلازم مع نفوذها عبر "قسد"، ونظام العقوبات على سوريا وداعميها، وقدرتها على عرقلة إعادة إعمار البلاد، والاستمرار في عزل سوريا سياسياً ودبلوماسياً.

ما جرى تخفيفه بعد 8/12/2024 هو رافعة عزل سوريا سياسياً ودبلوماسياً فقط، في حين يجري تعزيز قوات الاحتلال الأميركي في المنطقة الشرقية، وإرسال رسائل متتابعة إلى حكّام دمشق الجدد بأنه من الممنوع المساس بـ "قسد"، مع تأكيد قائمة طلبات في مقابل رفع العقوبات، تتمثّل في جوهرها في إنشاء نظام طيّع في دمشق، ومع التلويح بإمكانية زجّ السعودية والإمارات في إعادة إعمار البلاد، لكنْ إذا تحقّقت تلك الطلبات.

وتدعو "مجموعة دراسة سورية" في تقريرها إلى تعزيز الدور الأميركي في سوريا من أجل مواجهة "داعش" (وهي فزّاعة يستفيد الأميركيون من إدامتها لتبرير بقائهم)، ومواجهة النفوذ الروسي (جرى تحجيمه في الداخل السوري، وبقيت القواعد الروسية في الساحل)، والنفوذ الإيراني (تحقّق، وينصّ تقرير لاحق من مركز أبحاث الكونغرس CRS في 12/2/2020 على هدف محدّد هو "إخراج إيران من سوريا")، و"رفض الدولة السورية تقديم تنازلات تغيّر من طبيعتها وسياساتها" (تحقّق، بانتظار ما سترسو عليه "سوريا الجديدة")، ومواجهة سعي النظام التركي لشطب "قسد" وتغيير معادلات الساحة السورية لمصلحة مشروعه (وهو هدف كبير لم يتحقّق، وازداد إلحاحاً الآن)، وضبط الأغلبية العربية في المنطقة الشرقية إذا انتفضت على "قسد" نتيجة إساءة تعامل الأخيرة معها (وهو هدف يبقى ملحّاً).

كان لافتاً أنّ مركز أبحاث الكونغرس ذاته نشر تقريراً في 13/12/2024 بعنوان "سوريا: تغيير النظام، التحوّل، والسياسة الأميركية" يدعو إلى مراجعة تفصيلية لمصفوفة العقوبات على سوريا، ومن ذلك إعادة النظر في تصنيف سوريا كدولة "راعية للإرهاب"، وفي وضع "هيئة تحرير الشام" وأبي محمد الجولاني على قائمة الإرهاب، ومن هنا نفهم ذلك "الحافز" الذي قدّمه الوفد الأميركي الذي زار دمشق.

كانت لافتة أيضاً الخريطة التي نشرها ذلك التقرير لمناطق سيطرة الجماعات المختلفة على الجغرافيا السورية، والتي تظهر ضآلة مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" بالنسبة لمساحة سوريا الكلّيّة، والتي تقتصر على مساحة طوليّة تمتدّ من إدلب مروراً بحلب وحماة وحمص وصولاً إلى دمشق، مع بقاء جنوبيّ سوريا وشرقيّها خارج نطاق سيطرة الهيئة، ومع بقاء الداخل السوري عرضة للتنازع بين الجماعات المختلفة، ومن بينها "داعش". وتوحي الخريطة بالتهيئة لمشروع تفكيك فعلياً.

لكنّ ورقة مهمّة نشرت في مجلة "فورين أفيرز"، في 3/1/2025، بعنوان "أفضل طريقة لأميركا لمساعدة سوريا الجديدة"، تقول إنّ معظم أهداف الولايات المتحدة في سوريا جرى تحقيقها، وتدعو إلى الحفاظ على هيكل الدولة السورية، باعتبار أنّ "النتيجة الأفضل بالنسبة لسوريا وجيرانها تتلخّص في إنشاء دولة موحّدة متماسكة قادرة على التفاوض وتنفيذ الاتفاقيات الدبلوماسيّة التي تعزّز الاستقرار الإقليمي في الأمد البعيد".

من الواضح أنّ الحديث هنا يدور عن اتفاقية مع الكيان الصهيوني، إذ لا تحتاج سوريا إلى التفاوض وعقد اتفاقيات دبلوماسية مع العراق أو لبنان أو الأردن مثلاً، وستكون لتركيا مصلحة أيضاً في أن يكون الطرف السوري الذي يقدّم لها تنازلات على الأرض والثروات السورية قادراً على الزعم أنه يمثّل كلّ السوريين، لا جماعة مسلحة ترعرعت في كنفها فعلياً. 

المطلوب أولاً، بحسب التقرير ذاته، أن يلتزم حكّام دمشق الجدد بحماية الكرد وإشراكهم في الحكم، ولو كلّفهم ذلك الابتعاد عن أنقرة، وفي المقابل، يجري رفع العقوبات والسماح بتدفّق الاستثمارات إلى سوريا. 

يريد كتّاب الورقة أيضاً من حكّام دمشق الجدد أن يكونوا قادرين على ضبط الحدود، وخصوصاً فيما يتعلّق بالاستمرار بقطع مسار الخط الممتد بين إيران ولبنان عبر سوريا، في مقابل الانسحاب الأميركي من البلاد، على أن يتضمّن ذلك تسليم الحكومة الجديدة حقول النفط والغاز في المنطقة الشرقية، وتجنيد السعودية والإمارات لزيادة إنتاج النفط السوري، بشرط وصول الحكومة الجديدة إلى تفاهم يرضي الكرد. 

يحذّر كتّاب الورقة من صراع نفوذ تركي ـــــ إسرائيلي في الميدان السوري يمكن أن يتصاعد، ويقترحون تعزيز "سوريا الجديدة" كحاجزٍ بينهما، ضمن فترة تجربة تمتدّ 6 أشهر من دون عقوبات، مع "التفهّم" أنّ قدراً من الانتهاكات لا بدّ من أن يحدث خلال الفترة الانتقالية، لكنهم يرون أنّ الوصول إلى تفاهم أميركي مع حكّام دمشق الجدد ضروريّ لإبعادهم عن تركيا، وعن روسيا وإيران. فإذا لم ينجح الرهان، يمكن أن تعود الولايات المتحدة إلى أداء الدور الذي تقوم به حالياً في سوريا من دون أيّ مشكلة أو تكلفة إضافية.

باختصار، إما الخضوع والتطبيع، وإما استمرار العقوبات ووضع البلاد على سكّة التفكيك، وهو مسار يمكن التفاهم عليه بين الاحتلالات الثلاثة على الأرض السورية، باستثناء الموضوع الكردي.