هل تنجح الدعاية الإعلاميّة الصهيونيّة في دول الاتحاد المغاربي؟

فور توقيع المغرب على اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل"، انبرت أصوات تهلّل لها في صفحاتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، تم إنشاؤها بأسماء عربية وأمازيغية، لتخدم الدعاية الصهيونية.. فهل يمكن أن تنجح هذه الدعاية؟

  • شكَّل سلاح الدعاية الإعلامية القوة الضاربة للكيان الصهيوني قبل قيامه وبعده
    شكَّل سلاح الدعاية الإعلامية القوة الضاربة للكيان الصهيوني قبل قيامه وبعده

يقول مالكوم إكس عن دور الإعلام في حياة المجتمعات الإنسانيَّة إنَّ "وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض. لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكّم في عقول الجماهير". مؤدى هذا الكلام أنَّ الإعلام يوجّه الناس إلى حيث يريد أهل السياسة، تحقيقاً لمصلحتهم. 

لذا، شكَّل سلاح الدعاية الإعلامية القوة الضاربة للكيان الصهيوني قبل قيامه وبعده، للترويج لمغالطاته وأكاذيبه والدفاع عن أطروحاته الكاذبة، للتأثير في المتلقي أو المشاهد عبر العالم عموماً، وفي العالمين الإسلامي والعربي خصوصاً. 

لذلك، يخصّص لها ميزانية ضخمة لتحقيق هذا الغرض، فالكذب وتزوير الحقائق وبثّ سموم الإشاعات للسيطرة على العقول من الصّفات الذميمة التي اتصف بها الكيان الصهيوني منذ قيامه لتبرير سياساته القذرة، عملاً بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". ونستحضر في هذا الصّدد المقولة الشهيرة لأوَّل رئيس وزراء صهيوني، ومؤسّس الكيان الإسرائيلي الإرهابي، بن غوريون، عن دور الإعلام: "لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يساعدنا في الحصول على مشروعيتها الدولية".

في الماضي، كان الكيان الصهيوني يلجأ إلى وسائل الإعلام التقليدية لبثِّ مزاعمه وأكاذيبه، لكنها لم تكن تجد صدى لدى الشعوب الاسلاميةِ والعربيةِ، بسبب محدودية انتشار تلك الوسائل آنذاك. ومع التطوّر الهائل الذي عرفه الميدان التكنولوجي في الإعلام والاتصال، كالقنوات الفضائية، وبعدها الإنترنت، وظهور ما يُسمى وسائل التواصل الاجتماعيّ بعد ذلك، من "فيسبوك و"يوتيوب" و"تويتر"، اتجه الكيان الإسرائيلي نحو توظيف هذه الأدوات الحديثة، باعتبارها الطريقة الأسهل والأقرب إلى عقول المواطنين في العالم الإسلامي والعربي وقلوبهم، كما يعتقد. 

وقد أدّت اتفاقيات التطبيع التي وقّعت بين بعض الدول العربية والإسلامية وأصحاب القرار السياسي في "تل أبيب" منذ تسعينيات القرن الماضي وإلى الآن، إلى تبني خطابٍ إعلاميٍ يروم استمالة الجمهور الإسلامي والعربي عموماً، ودول الاتحاد المغاربي خصوصاً، واستقطابهم، لأنَّ القادة الصهاينة يدركون أنَّ شعوب الأخيرة، كما شعوب الأمة الإسلامية والعربية، عصيَّة عليهم، بسبب جرائمهم الوحشية وغير الإنسانية بحق أبناء الشعب الفلسطيني. 

كذلك، أنشأ الكيان الصهيوني العديد من الصّفحات في "فيسبوك" والقنوات في "يوتيوب"، تحت أسماء عربية وأمازيغية، تتغنى بالمنجزات التي حقّقتها "إسرائيل" في العديد من المجالات. ووصل الأمر إلى التهجّم والافتراء في بعض الأحيان على الشعب الفلسطيني، بالادعاء أنَّه مطبع مع العدو الصهيوني، بدليل أن بعض الفلسطينيين يعملون لدى الصهاينة في الكيان الصهيوني.

وقد بدا ذلك جلياً فور توقيع المغرب على اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل"، إذ انبرت أصوات تهلّل لهذا الاتفاق في هذه الصفحات والقنوات المذكورة، فضلاً عن المواقع والصحف المغاربية، ما يطرح علامة استفهام حول حقيقة هذه الردود المؤيدة، إذ لا يُعقل أن تجد هذه الاتفاقية كلّ هذا التأييد من الشعب المغربي، وبهذه السرعة المذهلة، وهم يرون صباحاً مساءً ما يصنعه هذه الكيان الإجرامي بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزل، ما يقودنا إلى وجود فرضيتين:

الفرضية الأولى: إنَّ الكيان الإسرائيلي لجأ مسبقاً إلى ابتكار أسلوب جديد لتحقيق هذا الغرض، يتمثل بتوظيف مستوطنين صهاينة متحدرين من دول الاتحاد المغاربي يتقنون الدارجة المغاربية، بحكم وجودهم فيها لسنوات طويلة، بحيث يتقمّصون دور مواطني تلك الدول المسلمين، للتعليق على كلّ الأحداث وكتابة المقالات في المواقع والصحف الإلكترونية المغاربية التي تتحدّث عن "إسرائيل"، تارة بالتهليل لها كقوة عظمى لا تُقهر، وتارة أخرى بالدعوة لها بالنصر والتمكين على أعدائها، وصولاً إلى حد التكبير لها!

الفرضية الثانية: تقودنا إلى ما صرّح به رئيس الموساد الصهيوني السابق عاموس يادلين من أنَّه أرسى شبكة عملاء من تونس والجزائر والمغرب جاهزة للتأثير والتخريب في أية لحظةٍ. 

تبقى كلتا الفرضيتين محتملتين، بالنظر إلى الطرق والأساليب التي يمكن أن يسلكها الصهاينة في سبيل تحقيق أهدافهم. والأخطر أنَّهم وصلوا إلى حد الكذب على الإسلام، والكذب على لسان الرسول (ص)، عندما روّجوا - في محاولة للخلط بين الصهيونية واليهودية – لفكرة مفادها أنَّ النبي (ص) كان يتعامل مع اليهود، وبالتالي التعامل مع الصهاينة أمرٌ أجازه الإسلام، علماً أنَّ هذا الأمر يحمل جانباً من الصحّة في ما يتعلق بالتعامل مع اليهود فحسب، ولا ينطبق على الصهاينة الذين استباحوا أعراض الفلسطينيين ودماءهم، واستعملوا طرقاً احتيالية ودموية لسلبهم أراضيهم وبيوتهم، ومجزرة دير ياسين وغيرها شاهدة على فظاعات الصهاينة.

وعلاوة على جرائمهم، روجوا في دعايتهم لمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، أو كما زعمت الإرهابية غولدا مايير في حديثها إلى صحيفة "صنداي تايمز": "ليس هناك شعب فلسطين... إن المسألة ليست أننا جئنا وألقينا بهم خارج بلادهم بعدما انتزعنا منهم أرضهم. إنهم ليسوا موجودين أصلاً".

أكثر من ذلك، تقمّص ذباب "إسرائيل" الإلكتروني دور المغاربة والجزائريين، ليعلقوا على القضايا المتعلقة بالنزاع بين المغرب والجزائر، من خلال بث سموم التفرقة وزرع العداوة والبغضاء بين الشعبين اللذين تجمعهما روابط الأخوة والدين واللغة والجوار، من خلال الادعاء أنّ "إسرائيل" ستكون خير صديق للمغاربة. 

هذه الألاعيبُ الإعلامية الصهيونية الخبيثة لم تعد تنطلي على أحد، ويُرَادُ منها اختراق وعي الشعوب المغاربية والتأثير في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية التي تُعَدُّ قضيةً مصيريةً تهمّ كلّ المسلمين والعرب. في النهاية، مهما فعلت "إسرائيل"، فلن تفلح في مسعاها، لجعل الشعوب المغاربية تنساق وراء الدّعاية الصهيونيّة المحبوكة بدهاء وخبث شديدين. قد تستطيع استمالة فئة، لكنَّها لن تستطيع استمالة الجميع، فبوصلة شعوبنا المغاربية موجّهة دوماً نحو فلسطين.