نتنياهو وخريطة المغرب

المغرب والجزائر ومعهما جبهة البوليساريو وموريتانيا في حاجة ملحّة للجلوس إلى طاولة مفاوضات لبحث سبل إيجاد حلّ سلمي لقضية الصحراء الغربية ضمن معادلة رابح-رابح قبل فوات الأوان.

0:00
  •  الرهان على التطبيع لكي تعترف
    الرهان على التطبيع لكي تعترف "إسرائيل" الدويلة المارقة الإرهابية بمغربية الصحراء رهان خاطئ.

لتبرير التطبيع يردّد المطبّعون في المغرب أنه جاء كنتيجة لاعتراف الكيان الصهيوني بمغربية "الصحراء الغربية"، ومقابل قيام اللوبي الصهيوني النافذ في الولايات المتحدة (إيباك) بالتأثير على السياسات الأميركية بما يخدم مصالح المغرب ويعزّز دوره ومكانته في شمال أفريقيا.

لكن نتنياهو سيوجّه صفعتين متتاليين للمطبّعين وسرديّتهم هذه، مرّة حينما استقبل رئيسة وزراء إيطاليا جورجينا ميلوني منذ أشهر وحرص على أن تظهر خريطة المغرب من دون الصحراء الغربية، وحينما طالب المغرب بتوضيحات كان الردّ الإسرائيلي غامضاً تأرجح بين القول بأن الكيان الصهيوني "يحترم القرارات الدولية الخاصة بالصحراء الغربية"، والقول إنّ "ما جرى كان خطأ لم يتمّ الانتباه إليه وأنه سيجري تصحيحه".

ومرة أخرى حينما حمل نتنياهو في لقاء مع قناة TF1 خريطة تظهر المغرب من دون الصحراء الغربية. وهو ما أثار غضب المطبّعين الذين رأوا في تصرّف رئيس وزراء الاحتلال إساءة لهم ولمجهوداتهم لإنجاح التطبيع، وخدمة مجانية قدّمت لمناهضي التطبيع.

تكفّل بتوضيح تصرّف نتنياهو في المرة الثانية حسن كعبية، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي، في تدوينة على صفحته بمنصة "أكس"، اعتبر فيها أن الأمر خطأ غير مقصود اعتذر عنه، وأكد أنّ "إسرائيل" لن تتراجع عن اعترافها بمغربية الصحراء.

كما نشر مكتب رئيس الوزراء تدوينة قال فيها إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو اعترفت بسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها، وتمّ تصحيح جميع الخرائط الرسمية الموجودة في مكتب نتنياهو.

طبعاً لم يصدر عن رئيس وزراء الكيان الصهيوني أيّ تعليق على ما قام به وأثار حتى حفيظة المطبّعين، مما يدفع للتساؤل هل فعلاً يتعلّق الأمر بخطأ تقني أم أنّ هناك رسالة أراد نتنياهو إرسالها للمغرب وللجزائر وباقي الدول العربية؟

في تقديري المسألة أبعد من أن تكون خطأ تقنياً، فالشيء إذا تكرّر تقرّر، كما يقال، والخريطة التي حملها نتنياهو في مقابلة TF1 لم تظهر الصحراء الغربية مفصولة عن خريطة المغرب بخط متقطّع كما جرت العادة عند من لا يعترف بمغربية الصحراء الغربية، بل أظهرتها بلون أبيض في حين كانت خريطة كلّ العالم العربي بالأخضر، وكأنها ليست من هذا العالم.

ولعله أراد أن يقول إن للاستعمار والصهيونية مخططات إزاء هذه المنطقة، تقوم ابتداءً على التفكيك وليس التوحيد. فتمزيق الدول إلى كيانات قزمية تسهل السيطرة عليها هو مخطّط استعماري قديم/جديد، وأقلّ ما قد يرغب فيه الاستعمار والصهيونية اليوم هو قيام كيان في الصحراء الغربية سيكون محتاجاً إلى الاستعمار لتسييره وحمايته.

المغرب والجزائر ومعهما جبهة البوليساريو وموريتانيا في حاجة ملحّة للجلوس إلى طاولة مفاوضات لبحث سبل إيجاد حلّ سلمي لقضية الصحراء الغربية ضمن معادلة رابح-رابح قبل فوات الأوان.

فـ "إسرائيل" تراجعت عن فكرة "تحالف المحيط" التي نظّر لها ديفيد بن غوريون مطلع الخمسينيات من القرن الماضي لفائدة عقيدة نشر الفوضى وإذكاء الحروب والنزاعات في هذا المحيط.

أقول لدعاة التطبيع في المغرب إن الرهان على التطبيع لكي تعترف "إسرائيل" الدويلة المارقة الإرهابية بمغربية الصحراء رهان خاطئ ومسيء للقضية التي يعدّها المغاربة قضيتهم الأولى، وهم لن يجنوا من ورائه سوى السراب.

وأذكّرهم بأنّ تاريخ التطبيع الذي بدأ بـ "كامب ديفيد" وانتهى الآن باتفاقيات "إبراهام" لم يحصد سوى الحروب والدمار الاقتصادي والسياسي وعدم الاستقرار والتفكيك والتقسيم، فمسلسل نشر الفوضى ماضٍ حتى تحقيق إضعاف تلك الدول وتفكيكها. 

أكيد أنّ المغرب سيستفيد من القدرات العسكرية الإسرائيلية ـــــ وهذا ما يطبّل له دعاة التطبيع ـــــ لأنّ "إسرائيل" تريد فعلاً حرباً مغربية جزائرية على شاكلة الحرب العراقية الإيرانية. خاصة وأن المغرب لن يكون لقمة سائغة في حالة اندلاع حرب بين البلدين.

فهذه الحرب إن اندلعت، لا قدّر الله، سيغذّيها الغرب الصهيو - استعماري بكلّ وقود الاحتراق، ولن يسمح بأن يكون فيها منتصر. ستكون حرباً مدمّرة تأتي على الأخضر واليابس في البلدين وقد تؤدي إلى تقسيم المغرب والجزائر إلى كيانات عرقية فاشلة. 

وأكيد أنّ فقدان المغرب للصحراء الغربية لن يجعل دولة الصحراء الغربية (إن قامت)، بشساعة أراضيها وثرواتها الطبيعية مقابل الضعف الكبير لديموغرافيتها، سوى بقرة حلوب في يد الاستعمار وبؤرة توتر في المنطقة.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.