مودي في أوكرانيا: توازن مصالح الهند أم وساطة في الحرب؟

رئيس الوزراء الهندي يعمل على إظهار الهند على أنها دولة سلام، وأن يكون لها دور كبير في المسرح العالمي، أسوة بالصين، وتقود دول الجنوب العالمي، بدلاً من بكين، المنافس الاستراتيجي لها.

0:00
  •  زيارة مودي لأوكرانيا هي لتحقيق التوازن في علاقاته بين روسيا والغرب.
    زيارة مودي لأوكرانيا هي لتحقيق التوازن في علاقاته بين روسيا والغرب.

بعد عدة أسابيع من زيارته موسكو، حلّ رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، ضيفاً على كييف في زيارة وُصفت بالتاريخية، وهي الأولى لرئيس وزراء هندي لأوكرانيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق، عام 1991.

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حافظت الهند على علاقات وثيقة بروسيا، فلم تَدِن الهجمات الروسية، ولم ترضخ للضغوطات الغربية بفرض عقوبات على موسكو والتوقف عن استيراد النفط الروسي، بل على العكس ارتفعت واردات الهند من النفط الروسي في شهر تموز/يوليو الماضي لتسجل مستوى قياسياً غير مسبوق، لتصبح بذلك نيودلهي أكثر الدول استيراداً للنفط من موسكو، متجاوزة بكين.

أثارت زيارة مودي لروسيا، الشهر الماضي، والتي تزامنت مع قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، ووعد فيها الحلفاء بزيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، استياء الغرب وأوكرانيا، والتي وصفها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنها "ضربة مدمرة لجهود السلام".

لذلك، وجد مودي أنه من أجل المحافظة على علاقات وثيقة بالغرب، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، التي صرّح سفيرها لدى الهند، إريك غارسيتي بعد زيارة مودي لروسيا بأنه "في زمن النزاعات، لا شيء اسمه استقلالية استراتيجية"، وعدّ الدعم الأميركي للهند أمراً خاطئاً، عليه زيارة أوكرانيا وعناق الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كما فعل مع بوتين عندما زار روسيا.

بدأ مودي زيارته كييف بمرافقة زيلينسكي إلى معرض مخصص للأطفال الذين قُتلوا في الحرب. وربما تعمدت أوكرانيا إجراء هذه الزيارة لسبب جوهري هو أن زيارة مودي لروسيا، تزامنت مع قصف مستشفى للأطفال في كييف، وحمّلت الأخيرة موسكو مسؤولية الهجوم، بينما نفت روسيا ذلك.

دور الوساطة؟

قبيل زيارته أوكرانيا قادماً من بولندا، قال ناريندرا مودي إن الهند تؤمن ايماناً راسخاً بأنه لا يمكن حلّ أي مشكلة في ساحة المعركة. كما ردد مراراً أمام بوتين بأن عصر اليوم ليس عصر الحروب.

تؤمن نيودلهي بأن الحلّ في أوكرانيا يكون عبر الحوار والديبلوماسية، وليس عبر القوة العسكرية. لذلك، حثّ مودي بوتين وزيلينسكي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب.

وفي أثناء لقائه زيلينسكي، قال مودي إنه جاء إلى أوكرانيا حاملاً رسالة "سلام"، وإنه مستعدّ لأداء أي دور كـ"صديق" للمساعدة على تحقيق السلام، لكن لم يحمل مودي معه أي صيغة أو خطة للسلام. فهل تريد الهند فعلاً التوسط بين روسيا وأوكرانيا؟

الحرب الروسية الأوكرانية ليست بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا والغرب، الذي يدعم كييف بالأسلحة. وبالتالي، فإن كلمة الفصل للبدء بمفاوضات وإنهاء الحرب ليست في يد أوكرانيا، بل في يد الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، التي إن ارادت فيمكن أن تسهل الطريق أمام الهند للتوسط في إنهاء الحرب. 

تريد كييف من الهند أن تضغط على بوتين لوقف الحرب، واقترح زيلينسكي على مودي وقف تجارة النفط مع روسيا، إذ قال له: "يمكنك إيقاف فلاديمير بوتين ووقف اقتصاده"، غير أن الهند لن تضغط على روسيا، أو توقف تجارتها النفطية معها، نتيجة عدة أسباب، أهمها أن الهند تستفيد من الحصول على النفط الروسي بأسعار منخفضة أيضاً، روسيا هي سوق أساسية للسلاح، بالنسبة إلى الهند، كما أن مودي يدرك أنه اذ ضغط على بويتن فسيقترب الأخير من بكين، وهو ما لا تريده الهند.

إن عملية المفاوضات في الوقت الحالي صعبة، نوعاً ما، بعد الهجوم الأوكراني على كورسك، وتأكيد الكرملين أنه لن يتفاوض مع أوكرانيا في الوقت الراهن بسبب توغلها داخل كورسك.

ومن ناحية أخرى، رحب زيلينسكي بعقد المؤتمر الثاني للسلام في الهند، لكنه اشترط أن توقع نيودلهي على بيان قمة السلام الأول، والذي عُقد في سويسرا، التي رفضت التوقيع عليه نظراَ إلى عدم حضور روسيا. وهو ما يمكن أن يشكل إحراجاً للهند أمام روسيا، إلا إذا تم الاتفاق بين موسكو ونيودلهي على التوقيع على البيان بهدف تسهيل المفاوضات وعقد مؤتمر السلام الثاني في الهند بعد دعوة موسكو إليه.

تحقيق خرق دبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا يبدو صعباً حالياً بعد الهجوم الأوكراني على كورسك. وحتى خلال الأشهر الأخيرة، أرسلت روسيا وأوكرانيا إشارات بشأن الاستعداد للتفاوض. وزار وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، الصين، التي أعلن وزير خارجيتها، وانغ يي، أن الظروف لم تكتمل، والتوقيت غير موات بعدُ للبدء بالمفاوضات.

تدرك الهند أن مسألة التوسط في الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل الوضع الراهن، مصيرها الفشل، لأنه لم تتوافر بعدُ الظروف الملائمة لذلك، ولإعطاء الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر للهند بشأن التوسط، إلا أن رئيس الوزراء الهندي يعمل على إظهار الهند على أنها دولة سلام، وأن يكون لها دور كبير في المسرح العالمي، أسوة بالصين، وتقود دول الجنوب العالمي، بدلاً من بكين، المنافس الاستراتيجي لها.

وإذا كان من الصعب تحقيق خرق دبلوماسي من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية للهند، فيمكن للأخيرة أن تجعل الطرفين يتفقان على تبادل الأسرى، كما فعلت كل من الإمارات والسعودية، أو ضمان سلامة المنشآت النووية، أو الاتفاق على إجلاء المدنيين من المناطق التي تشهد قصفاً مكثفاً.

بصورة عامة، زيارة مودي لأوكرانيا هي لتحقيق التوازن في علاقاته بين روسيا والغرب، وخصوصاً بعد زيارته الأخيرة لروسيا، والتي انتقدها الغرب. لكن، ربما تكون الهند هي من يؤدي دور الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية، إن سمحت الولايات المتحدة بذلك، في ظل المنافسة الصينية الهندية، أو تكون الصين هي الوسيط في حال حدوث اتفاق صيني أميركي على ذلك.