مؤتمر القيادة العسكرية الأميركية الأفريقية.. أي أفق للعلاقات بين الجانبين؟

حاولت أميركا الإيحاء إلى شركائها الأفارقة أنها بصدد مراجعة منهج عملها في أفريقيا بعد المتغيرات السياسية والاجتماعية، وبعد تصاعد المواقف الشعبية والرسمية المناهضة للوجود الأميركي في أفريقيا.

0:00
  • تاريخ العلاقات الأميركية الأفريقية سجّل تدخلاً أميركياً في شؤون أفريقيا.
    تاريخ العلاقات الأميركية الأفريقية سجّل تدخلاً أميركياً في شؤون أفريقيا.

بعد استضافتها النسخة الـ15 لقمة الأعمال الأميركية-الأفريقية منتصف تموز/يوليو 2023، استضافت بوتسوانا مؤتمر القيادة العسكريّة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" بمشاركة وزراء دفاع 30 دولة أفريقية يومي 25 و26 حزيران/يونيو الماضي.

وبحسب المتحدّث باسم "أفريكوم" بوبي ديكسون، فإنّ المؤتمر يهدف إلى معالجة التحديات الأمنية الملحة في القارة الأفريقية وإيجاد طرق للعمل المشترك، ولتكون أفريقيا أكثر سلاماً وأمناً.

وقد جاء هذا المؤتمر في أعقاب التطورات التي تشهدها أفريقيا، والمواقف الأفريقية الجديدة من الوجود الغربي في منطقة الساحل الأفريقي وفي غرب أفريقيا، والتي تمظهرت في إنهاء الوجود العسكري الأميركي في النيجر وتشاد، والوجود العسكري الفرنسي في أكثر من دولة أفريقية، في مقابل التمدد الروسي والصيني في الفضاء الأفريقي بمظاهره الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

جاء توقيت المؤتمر بعد اللقاء الأول لهذه المنصة الأميركية الأفريقية الذي عُقد عام 2017، وبعد مناورة "أسد أفريقيا" التي أُقيمت في المغرب في أواخر أيار/مايو 2024م، وفي سياق مسعى أميركا لتدارك وترميم وضعها في أفريقيا الذي يمكن وصفه بالهشاشة والتضعضع.

ناقش المؤتمر موضوعات: مكافحة الإرهاب، وحفظ السلام، والتهديدات السيبرانية، وإقامة شراكات أمنية، كما ناقش التمدد الروسي الصيني في أفريقيا. وقد استبق الجنرال مايكل لانغلي قائد "أفريكوم" في مقابلة له في مايو/أيار الماضي مناقشة هذه القضايا باتهام روسيا بتأجيج المشاعر المعادية لأميركا في غرب ووسط أفريقيا والساحل.

حاولت أميركا الإيحاء إلى شركائها الأفارقة أنها بصدد مراجعة منهج عملها في أفريقيا بعد المتغيرات السياسية والاجتماعية، وبعد تصاعد المواقف الشعبية والرسمية المناهضة للوجود الأميركي في أفريقيا، وبعد التقدم الذي حققته الصين وروسيا في القارة. 

وفي هذا السياق، استبق مايكل لانغلي المؤتمر بتصريح لوكالة أسوشيتد برس إبان مناورة أسد أفريقيا، قال فيه إن الولايات المتحدة تدعم قرار الدول الأفريقية بشأن طبيعة الحكم من دون فرض أفكارها عليها، وعليها أن تعيد النظر في نهج تعاملها مع الدول الأفريقية، وهو تصريح قد يستبطن مراجعة أميركية لنهجها في التعامل مع الدول الأفريقية بعد نجاح نهج روسيا والصين الذي عزز مكانتهما في أفريقيا، لأن نهجهما يقوم على قاعدتين رئيستين، هما: عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية، وتأسيس العلاقات مع هذه الدول على قاعدة رابح-رابح.

عبّر المؤتمر عن تصاعد حدّة التنافس الدولي على القارة الأفريقية وفيها، وأكد أهميتها الاستراتيجية في معادلات الصراع الدولي، بسبب موقعها الجيواستراتيجي ومواردها وثرواتها الطبيعية، وينظر إلى هذه الأسباب بوصفها عناصر قوة إستراتيجية حاسمة في ميزان التنافس حول المستقبل.

ثمة تحديات كبيرة تطوق المسعى الأميركي الهادف إلى ترميم صورة رسمتها سياسة أميركا في أفريقيا، وكرستها طريقتها القائمة على الاستعلاء والإملاء والتدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة في أدق تفاصيلها من دون مراعاة لاستقلال الدول وسيادتها، ومن دون أدنى اعتبار لخصوصياتها الثقافية والقيمية.

وقد سجل تاريخ العلاقات الأميركية الأفريقية تدخلاً أميركياً في شؤون أفريقيا، وظل قائماً على خدمة المصالح الأميركية وحدها، بل على حساب المصالح الوطنية للدول، وأنه بلغ حد تغيير السمات الهوياتية والثقافية والأنماط الغذائية.

 في المقابل، حفظ تعامل روسيا والصين للدول والشعوب الأفريقية سيادتها واستقلالها، وعرف المصالح المشتركة بينهم، واشتغل عليها. وقد نجح في بناء نموذج مغايير  للنموذج الغربي.

ثمة تحديات تواجه المسعى الأميركي في أفريقيا، أولها صعوبة تخلي أميركا عن سياساتها الكولونيالية، وتخليها عن مشروع العولمة بمضامينه النيوليبرالية الهادفة إلى إلغاء التعدد الحضاري الذي ميز الشعوب، وثانيها زيادة معدلات وعي الشعوب الأفريقية بقضايا السيادة والاستقلال، وحرصها المتزايد على توظيف قدرات بلدانها في مشروعات نهوض وطنية تلبي تطلعاتها وأشواقها المستقبلية، بعدما سرقت أميركا وباقي الدول الغربية ماضيها وحاضرها، وثالث هذه التحديات يتمثل في الطريق الممهد أمام الصين وروسيا في أفريقيا، وحرص الدولتين على تعزيز وجودهما وتمتين نفوذهما، وقدرتهما على مخاطبة النظم الحاكمة والشعوب في آن، وهو أمر يصعب على أمريكا وباقي الدول الغربية مجاراته.