كل عام والمسيح لم يولد يهوديّاً
يقتلون المسيح الفلسطيني لأن حقيقة كهذه تقتل المسيح الصهيوني، وقتل هذا المسيح الصهيوني الدجّال، إذا ترسَّخَ في العقيدة المسيحية من جديد، سيؤدي إلى زوال "إسرائيل".
إلى الغَيارى على المسيحية. المنافَحةُ عن القضية الفلسطينيَّة ودعم مقاومتها لا يخفِّضان منسوب الإيمان المسيحي. هناك من يتصرّف كأرخميدس لدى اكتشافه القلاووز والروافع وقانون طفو الأجسام داخل المياه. يصرخون في وجوهنا "اوريكا" كمن وجد مرتدّاً كافراً مستحِقّاً للرّجم. نحن مخوّلون بالرّجم ولا نرجم. في المحصّلة. فلسطين والمسيحية وجهان لإنسانية واحدة؛ إنسانيّة الإنسان التي يذبحها هيرودس منذ ألفَي عام.
من تنفرج أساريره لقتل الفلسطينيين أكثر صهيونيّة من هرتزل وبن غوريون. مسيحياً كان أم مسلماً أم يهودياً هو صهيوني حتى العظم. المسيحي على هذه الشاكلة مسيحي متصهين تجمعه صلة رحم بالإسخريوطي، ولو لم يجد حتى الآن تينة يشنق نفسه على جذعها. العقيدة المسيحية لا تقبل التأويل. اليهود أمة ملعونة لأنهم قتلة المسيح.
نقطة في سطر العقيدة. المسيحية المتصهينة خطر عقيدي محدق. مصطلح المسيحية الجديدة أو البروتستانتية المتماهية مع العهد القديم أيضاً. إله العهد القديم يقتل ويسبي وينتقم. إله العهد الجديد يحيي ويحبّ ويغفر. مرة جديدة من يدعو إلى قتل الفلسطينيين ويفرح بمجازر الآلة العسكرية الصهيونية في غزة ليس مسيحياً على الإطلاق.
البروتستانتية قائمة على عقيدة محورية تتلخص كالآتي: المسيح وُلد يهودياً. إنه اجترار بعض المسيحيين لعنوان كتاب مارتن لوثر، عام 1523، "المسيح وُلد يهودياً". أصابت البروتستانتية عصفورين بحجر واحد: عصفوراً بمثابة أداة تحرر أوروبا الديمقراطية من السلطة البابوية، وعصفوراً آخر بمثابة توظيف المسيحية في المشروع الصهيوني.
نتج من ذلك تأكُّل خطير في العقيدة الأصلية للمسيحية الحقة. المطلوب صهيونيّاً ان يعتنق المسيحيون عقيدة هجينة استلزم بناؤها نحو 500 عام في العقل الباطني للمسيحيين، مفادها أن الروح القدس أنزل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود. اليهود، إذاً، هم من وقع الله على اختيارهم للإنزال. هم أبناء الله. نحن، المسيحيين، إمّا نختار أن نكون ملحَقين بشعب الله المختار، وإمّا نكون حيوانات أليفة تُرمى إلينا العظام. المسيح وُلد يهودياً هو ما نقرأه في أدبيات كل من يتماهون مع "إسرائيل"، وبشاعة "إسرائيل".
نسمع هؤلاء يُحاجُّون بأن "إسرائيل وُجدت لتبقى. "إسرائيل" لا تُقاوَم لأنها مشروع الله على الأرض. هؤلاء بروتستانت مارتن لوثر، واستلزمت أدلجتهم 500 عام ليظهروا ممسوخي الإيمان المسيحي الحقيقي. نراهم في أميركا واوروبا مستنِدين إلى لوبي حريص على إبقاء مقولة "المسيح وُلد يهودياً" ماثلةً في الأذهان، ومحرّكة للسياسة الداعمة لـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". من هذا المنظار، فإن دفاع "إسرائيل" عن نفسها هو دفاع عن الله. كل من يخالف ذلك لا يدافع عن الله، والمسيحي الذي لا يدافع عن الله من هذا المنظار ليس مسيحياً.
الصهيونية تحوّلت إلى سمة جينية. أزمة الكنيسة الكاثوليكية من هذا المنظار أيضاً عميقة لأنها ممزَّقة بين عقيدتين، المسيحية الحقيقية والمسيحية المتصهينة. لذلك، تبدو المسيحية المشرقية أخطر عدو لهذه الأخيرة، وتتحد كل لوبيات الصهاينة في العالم لمواجهتها.
برَّأ الفاتيكان عام 1966 اليهود من دم المسيح. المسيحية المشرقية ما زالت تتهمهم بدمه، لذلك تتساهل الأولى مع "إسرائيل"، بينما تتشدد الثانية في اتهامها لهم. جهاد كبير ينتظر المسيحية المشرقية لمواجهة مسيحية لا تشبه المسيح. عندما نقول إن المسيح فلسطيني تقوم قيامة المسيحية المتصهينة. لا حاجة إلى تدخل الصهاينة من أجل دعمهم.
باتوا أكثر حماسة لقتل المسيح من جديد من دون صلب. يقتلون المسيح الفلسطيني لأن حقيقة كهذه تقتل المسيح الصهيوني، وقتل هذا المسيح الصهيوني الدجّال، إذا ترسَّخَ في العقيدة المسيحية من جديد، سيؤدي إلى زوال "إسرائيل".
لا نهرطق عندما نقول إنَّ المسيح كان فلسطينيّاً، ولا نكون مرتدّين إذ نقول إنه كان المقاوم الأول. عندما نقول ذلك نؤمن بالمسيحية ديناً، ونؤمن بعودة فلسطين إلى الفلسطينيين. نحن في قلب معركة ثقافية كبيرة، ولن يكون خوضها سهلاً. كل عام والمسيح لم يُولَد يهوديّاً!