كذبة الاحتلال وحقيقة ناصِر

ناصر اللحام لم يُمسك بالبندقية، لكنه أخطر من الرصاصة. فتح من نوافذ الميادين مشهد الحقيقة في جدارٍ معتم فكان لا بدّ للكذبة أن ترتعب.

0:00
  • من يعتقد أن الصوت يُسجن لا يعرف شيئًا عن الشعوب.
    من يعتقد أن الصوت يُسجن لا يعرف شيئًا عن الشعوب.

"إسرائيل" تعيش على كذبة.

كذبة صنعتها البنادق وروّجتها الدبابات. كذبة تمددت على جسد فلسطين وسرقت التاريخ، ثم زوّرت الجغرافيا.

في وجه هذه الكذبة، وقف ناصر اللحام، كلمة ناصعة كالسيف، وصوتًا لا يعرف المساومة.

الصراع لم يكن يومًا حدودًا أو خريطة. الصراع، ببساطة، بين كذبةٍ تُدار بآلة احتلال، وحقيقةٍ تنبت من فم صحفي.

ناصر اللحام لم يُمسك بالبندقية، لكنه أخطر من الرصاصة.

فتح من نوافذ الميادين مشهد الحقيقة في جدارٍ معتم فكان لا بدّ للكذبة أن ترتعب.

تعتقل "إسرائيل" صحفيًّا، لأنها تخاف أن ترى نفسها في أعين من يصفها بلا رتوش. لا تخاف "إسرائيل" من قذيفة ياسين 105 فحسب، بل تخاف من كلمة صادقة. لذلك، من الطبيعي أن تختطف ناصر.

فهو لم يهادن. لم يضعف. لم يساير الرواية بل فضحها، سخر منها، وكشف رعبها العميق من الحقيقة.

الاحتلال لا يملك جوابًا للكلمة.

فيلجأ إلى أقصر الطرق:

إما الموت، أو السجن، أو التهديد أو الاعتقال.

اعتقلوا ناصر اللحام بالصمت المصنوع في الزنازين. لكن، هل الكلمة تموت؟ هل المذياع يصمت؟ هل الكفاح يُقيّد؟

من يعتقد أن الصوت يُسجن لا يعرف شيئًا عن الشعوب. لا يفقه شيئًا عن الصحافة، عدو الشاشة هو عدو الحقيقة.

ناصر اللحام ليس مجرد إعلامي وكاتب. هو أرشيف يقاوم النسيان. لذلك، أظهرت الصور وحشية تخريب منزله. العدو يطارد ورقة.. مستنداً.. تسجيلاً.. يخاف من السردية الحقيقية. 

ناصر اللحام ذاكرة حيّة تشهد على كل محكمة صورية، وعلى كل بيت هُدم، وعلى كل شهيد نُسي اسمه في العناوين. هو الصوت الفلسطيني حين تتواطأ اللغة.

"إسرائيل"، منذ نشأتها، اختطفت الصحافة. قتلت الحقيقة في مهدها. منعت المراسل، وراقبت الكاميرا، وقصّت أجنحة القلم.

تاريخها مغمّس بحبرٍ مُراقَب، وكلماتٍ خُدشت تحت وطأة الرقابة.

صادرت الأرشيف، وزوّرت الوثيقة، وزرعت شهود الزور على كل مفترق لكنها، رغم كل ذلك، لم تنتصر.

فالحقيقة لا تُهزم... فقط تُؤجّل.

ناصر اللحام سيعود.

سيعود كما يعود الفجر بعد ليل طويل.

سيعود محمولًا على أكتاف قلوبنا، لا على شاشة الميادين فقط.

سيعود أقوى، لأن من يعرف الظلمة يعرف كيف يصف النور.

سيعود ومعه المذياع، لا ليحكي، بل ليُسمع الكون أن فلسطين ليست رواية الاحتلال.

هي وجع، ونار، وحق.

وكل من ينطق بها يُلاحق، لأن الكلمة الحرة في فلسطين تساوي قنبلة وفي زمن الخوف، تصبح الحقيقة جريمة.

اعتقلوا ناصر اللحام، لكنهم لم يعتقلوا صوته.أغلقوا الأبواب، لكن الريح تعرف طريقها.

قيّدوا الجسد، لكن الذاكرة طليقة.

وهكذا تبقى الكذبة عارية،

وتبقى الحقيقة تمشي، ولو وحدها...

ولكل ناصر يقف، هناك ألف كلمة تنتظر أن تُقال.