سجن نفحة تحوّل إلى مسلخ؟

التاريخ يقول إنَّ الحساب لا يُغلق بممارسة الجريمة والقمع. هذا هو حكم التاريخ على كلِّ الجبابرة والطواغيت، فعندما أُضرمت النيران في أصحاب الأخدود وحُرق أهل الحق، لم يغلق الحساب.

  • أبطال سجن نفحة يواجهون أعتى ترسانة أمنية وعسكرية ونووية في المنطقة
    أبطال سجن نفحة يواجهون أعتى ترسانة أمنية وعسكرية ونووية في المنطقة

ما زالت تتسرَّب بعض الأخبار عما جرى في سجن نفحة مؤخراً، إذ تحوّل إلى مسلخ بشري لا يقلّ بشاعة عما شهده التاريخ في أسوأ الحقبات، وانحطّ الاحتلال الإسرائيلي إلى أسفل السلّم البشري توحشاً وعشقاً لعذابات الآخرين. 

أبطال سجن نفحة يواجهون أعتى ترسانة أمنية وعسكرية ونووية في المنطقة. هذه العصابة التي تسمّي نفسها "دولة"، تستجلب قضّها وقضيضها، وتصبّ جام غطرستها على رؤوس أناس التحفوا برد الصّحراء، وافترشوا صقيع سجن بُني لتحقيق أقسى أنواع العذاب، ولم يجدوا سوى بضع ملابس ودفء إيمان يقيهم كلّ هذا العذاب. 

كان وجود هؤلاء الأبطال في سجنٍ من هذا النوع كافياً لينالوا أشدّ العذاب. لا يحتاج الأمر إلى قمع وإطلاق نار، لأن مجرّد وجودهم في هذا السجن هو نهاية الألم والعذاب، إلا أنَّ الحثالة البشرية الصهيونية تأبى إلا أن تثبت أنَّ التاريخ لم يشهد أشدّ منها حقداً وحقارةً وساديّةً، وأنها الثالوث الأسفل في سلّم الانحطاط البشريّ.

هذا الاحتلال هو المجرم الجبان الذي يجيد تمثيل دور الضحيّة، ويستدعي أحقاد الماضي ليصبّها في الحاضر، ويجيد صناعة الموت بكلّ أشكاله السريعة والبطيئة:

- ماذا يعني أن تَستحضِرَ فرقاً مختصّة في التنكيل وقتل الإنسان (متسادا ونحشون وجتر)، وتُطلِق لها العنان بضرب الرصاص المطاطي على أسرى مكبّلين، بعد أن أعياهم الغاز، ومادت الأرض تحت أرجلهم؟

- ماذا حشدتَ في صدور هؤلاء الحاقدين أصلاً حتى يقوموا بهذا الفعل البشع الذي يزداد بشاعة يوماً بعد يوم؟ 

- ماذا يعني أن تحشر جميع الأسرى في ماكينة عذاب واحدة، وتمارس فيها كلّ فنونك، وتفرض عقوبات جماعية بالجملة، لأنك لا ترى في الآخر إلا أناساً يجب أن يتشرّفوا بأنَّك الجلاد وهم الضحية؟ ماذا نقول عمن يُعذّب بالجملة، ويوقع عذاباً جماعياً بالناس، من دون تمييز بين المذنب (ولو في نظرك) وغير المذنب؟ 

- ماذا يعني لك أن تضرب الرؤوس المضرّجة بالدماء والملقاة مستسلمةً بعصا حديدية، وتبالغ في شجّها من جديد، فكلّما هدأ جرح جاءت الزبانية وأشبعت الأسير ضرباً؟ 

- كيف تنظر إلى نفسك يا حامل العصا الحديدية وأنت تضرب رجالاً مستسلمين، رمى بهم أرضاً غازك المميت ورصاصك المطاطي الكثيف؟

- ماذا يعني لك أن تجبر الأسرى على أن يسجدوا للصلاة عدة ساعات في صقيع نفحة، وتمارس العربدة والنمردة وكلّ أشكال الدناءة التي لم يسبقك إليها بشر؟ 

هذه الممارسة وحدها تدلّ دلالة قطعية على أنَّك لست من جنس البشر، أو أنك من سلالة نمرود التي انقرضت في غابر الزمان؛ ذاك الذي أراد أن يقضي على سيدنا إبراهيم (ع) (الذي تدّعي نسبك إليه) بطريقة فريدة، وأن يلقي به في النار، فيما أنت تلقي رجال نفحة في البرد الزمهرير على طريقة السجود في الصلاة.

- ماذا يعني أن تخلط الملح والسكر والزيت والبيض بالملابس والأغطية، وأن تتلذذ بالرائحة النتنة التي تستقرّ في الزنازين عدة أيام، وتتفنّن بما تبدع به نفسك التي ملأها الحقد والخراب؟ 

إنّ الاستفراد بسجن وضرب الأسرى بكلِّ كراهية وحقد هو دليل قاطع على عدة أمور يتمتّع بها الاحتلال بكلّ جدارة: 

- لقد بلغ به الحقد كلّ مبلغ، وفقد كل الأصول الأخلاقية، وهو بهذا يفتقد إنسانيته قطرة قطرة، حتى لم تتبقَّ منها ذرة تتنسّم منها آثاراً إنسانية.

- إنَّ شخصية المجرم والعقل المدبّر لا تسفر عن شخصية إدارة سجن أو إدارة فرقة من فرق الموت هذه، بل هي شخصية هذا الكيان المارق، فالتعليمات تمرّر من أعلى مستوى إلى أدناه، والتهمة لاصقة لا محالة بهذا الكلّ البشري الحاقد المتعفّن. 

- لن يتوقف قمع قوات الاحتلال هذا إلا بردع مكافئ له، وإلا سيستمرون، وسوف يطوف قمعهم كل السجون، وسيضاعفون جرائمهم، ويتفنّنون بأشكال جديدة من التعذيب تتفتّق عن خيالهم الإجرامي الواسع.

- إنَّهم يتمتّعون بكلِّ جدارة بجبن ظاهر للعيان، فمن يظهر قوّته وجبروته على أسرى لا حول لهم ولا قوّة، مكبّلين بالحديد والأصفاد، لا شكّ في أنه خائف رعديد جبان. 

التاريخ يقول إنَّ الحساب لا يُغلق بممارسة الجريمة والقمع. هذا هو حكم التاريخ على كلِّ الجبابرة والطواغيت، فعندما أُضرمت النيران في أصحاب الأخدود وحُرق أهل الحق، لم يغلق الحساب، بل جاء بعدهم من يجعل ممن أحرق وأضرم النار أثراً بعد عين.

المطلوب منا هو أن نوثّق هذه الجرائم، وأن نعرّي هذا النوع من البشر، حتى يصبح شاهداً للعيان، وحتى ينال ما نال غيره من شهرة في عالم الجريمة والانحطاط البشري، كما جرى مثلاً في سجن أبو غريب في العراق، وسجن غوانتنامو الأميركي، لتُضاف إليها السجون الصهيونية الغاشمة.

لننتج أدباً وفنّاً يليق بهذا المستوى من الإجرام، فذلك لا يحتاج منا خيالاً، لأن ما يقومون به أوسع من خيال مخرج أو كاتب.