دلالات اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر

اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر قد تكون مقدمة لتعاون عسكري وأمني مشترك، وقد تفتح أمام الصومال فرصة بناء قوة بحرية صومالية تحكم سيطرتها على المنافذ المائية الصومالية كافة.

0:00
  • الصومال لم يعد ذلك البلد الواقف على هامش التفاعلات الأفريقية والإقليمية.
    الصومال لم يعد ذلك البلد الواقف على هامش التفاعلات الأفريقية والإقليمية.

وافق مجلس الوزراء الصومالي خلال اجتماع استثنائي في 20تموز/ يوليو الجاري؛ على اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر، والتي جرى توقيعها في كانون الثاني/ يناير الماضي. وأوضح التلفزيون الرسمي الصومالي، أنّه تمّت الموافقة على الاتفاقية خلال اجتماع استثنائي للمجلس، إلى جانب إغلاق قنصليتَي إثيوبيا في كل من هرغيسا بأرض الصومال، وغروي بولاية بونتلاند الإقليمية.

توقيع الصومال اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر تزامن مع جملة متغيّرات تشهدها منطقة القرن الأفريقي عموماً؛ والصومال على وجه الخصوص، ذلك أن الاتفاق مع مصر جاء عقب مساعي إثيوبيا للحصول على موطئ قدم على البحر الأحمر من خلال الاتفاق الذي وقّعه زعيم أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، في الأول من كانون الثاني/ يناير 2024، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

ويلاحظ أن موافقة مجلس الوزراء الصومالي على اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر؛ جاءت بعد مرور 6 شهور على زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود؛ القاهرة في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، في أعقاب إلغائه الاتفاقية المبرمة بين إثيوبيا وإدارة أرض الصومال بشأن المنفذ البحري.

 وناقش مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التحركات العربية والمصرية لمواجهة المخطط الإثيوبي بإنشاء منفذ بحري وقوة عسكرية بحرية على البحر الأحمر. الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول أسباب التأخير في الإعلان عن الاتفاقية؛ وتوقيت إعلانها الآن ودلالات ذلك.

انتقل الصومال من الأطراف إلى المركز منذ مطلع العام الجاري؛ بعدما تُرك عقوداً على هامش التفاعلات الإقليمية والدولية؛ ويبدو أن الجغرافيا السياسية للصومال ستضعه في صدارة المشهد في القرن الأفريقي؛ بعدما تُرك عقوداً تحت نيران الصراعات الداخلية، لا يراد له الآن، عربياً وإقليمياً ودولياً، أن يواجه الأطماع الإثيوبية منفرداً؛ لا لصحوة ضمير بقدر ما هي معادلة الجغرافيا السياسية التي يحظى بها الصومال.

لم يكن توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر هو ما نقل الصومال من الطرف إلى المركز، فهناك اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين الصومال وتركيا، وقُعت في 8 شباط/ فبراير الماضي، عندما زار وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور أنقرة، وفي 21 شباط/ فبراير 2014، أعلن وزير الإعلام الصومالي داود عويس عبر موقع "أكس" أن "الاتفاقية مع تركيا تمت الموافقة عليها بسرعة في الحكومة والبرلمان".

وفي 17 شباط/ فبراير 2024، وقّع الصومال والولايات المتحدة الأميركية، مذكرة تفاهم بشأن بناء خمس قواعد عسكرية للواء "دنب" في الجيش الوطني الصومالي. ويهدف الاتفاق إلى مساهمة واشنطن في بناء جيش صومالي فعال قادر على تولي المسؤوليات الأمنية والقتال ضد حركة "الشباب".

والملاحظ أن الاتفاقيات الثلاث التي وقعها الصومال مؤخراً مع مصر وتركيا والولايات المتحدة، جاءت وارتبطت كلها بتصاعد التوتر في منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما عقب اتفاقية الأول من كانون الثاني/ يناير؛ بين إقليم أرض الصومال الانفصالي وإثيوبيا، وهي اتفاقية بموجبها يحقّ لإثيوبيا استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي أرض الصومال لمدة 50 عاماً. 

وهو ما رفضته مقديشو ومصر، واستدعى اجتماعاً عربياً طارئاً آنذاك دان الاتفاقية، وتضامن مع الموقف الصومالي، وعدّها باطلة وغير مقبولة.

لقد أسهمت المتغيّرات والأحداث الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر؛ في عودة الاهتمام بالجغرافيا السياسية كمحدد لتنامي اهتمام القوى الإقليمية والدولية بالصومال، الذي وقّع في وقت قياسي اتفاقية دفاع مشترك مع مصر واتفاق تعاون دفاعي مع تركيا واتفاقاً عسكرياً لبناء خمس قواعد عسكرية مع واشنطن، الأمر الذي يعني أن الصومال بات ساحة أفريقية مفتوحة وفاعلاً حاضراً ومؤثراً في التفاعلات الإقليمية والدولية ومحط اهتمام أيضاً للدول الخليجية. وبالتالي، انتقل من الهامش إلى المركز. 

يُدرك الصومال قواعد اللعبة السياسية والمحددات الدولية والإقليمية في التطلع إليه من باب الجغرافيا السياسية، ويجيد التقاط ذلك كله من خلال إحداث عملية توازنات في علاقاته؛ لذلك تزامن قرار مجلس الوزراء الصومالي بتمرير الموافقة على اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، مع اقتراح قدّمه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى برلمان بلاده للحصول على إذن لنشر القوات التركية في المياه الإقليمية الصومالية. 

ومع إبداء تركيا استعدادها لإرسال قوات بحرية إلى المياه الصومالية؛ بعد أن اتفق البَلَدان على أن ترسل أنقرة سفينة استكشاف قبالة سواحل الصومال للتنقيب عن النفط والغاز في ثلاث مناطق بحرية بالصومال. 

وما بين هذا وذاك كانت تركيا قد استضافت في الشهر الجاري وزيري خارجية الصومال وإثيوبيا، في محاولة للتوسط وحل الأزمة التي تلت اتفاق إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال. وقد أبدت إثيوبيا تحفظات في ما يتعلق بإلغاء مذكرة التفاهم والتفاوض من جديد مع الحكومة الصومالية بشأن الوصول إلى البحر عبر خليج عدن.

ورغم أنه لم يصدر تعليق رسمي مصري حتى اللحظة بخصوص تفاصيل وحيثيات اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر؛ فإن توقيع الاتفاقية يحمل مجموعة دلالات، أهمها أن الصومال باتت على خطوط ومحددات السياسة الخارجية المصرية، وأن الصومال نجح في توظيف التوتر المصري-الإثيوبي عقب ملء إثيوبيا منفردة سد النهضة، وهو الأمر الذي التقطته مصر ووظّفته هي الأخرى للعودة للعب دور إقليمي من جديد في منطقة القرن الأفريقي من البوابة الصومالية؛ وبالتالي فإن هناك مصلحة مشتركة في الاتفاقية بين كل من مصر والصومال وإثيوبيا.

ومن بين الدلالات أيضاً أن الصومال نجح في توظيف اتفاق إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، في إقامة علاقات وتحالفات عربية وإقليمية ودولية، وقلب تهديد إثيوبيا إلى فرصة. وحتى في علاقة الصومال مع تركيا؛ فإنه ذهب لاستدعاء مصر باتفاقية دفاع مشترك من أجل محددين الأول: احتواء الابتزاز الإثيوبي.

 والثاني: كبح ومنع حدوث استفراد تركي بالصومال وتجنب إغضاب مصر، فالصومال يُدرك التنافس على الدور الإقليمي بين كل من تركيا ومصر، وأهمية البحر الأحمر بالنسبة إلى الأمن القومي المصري.

هناك دلالة أخرى لجهة توقيت اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر، تتعلق بتغيير وزير الخارجية المصري، ذلك أن وزير الخارجية المصري الجديد بدر عبد العاطي كانت أولى رحلاته الخارجية منذ تولي منصبه في تموز/ يوليو الجاري، إلى الصومال وجيبوتي، لافتتاح أول خط طيران مباشر بين الدول الثلاث. 

الأمر الذي يعني أن هناك توجّهاً مصرياً جديداً في السياسة الخارجية صوب أفريقيا عموماً والصومال على وجه الخصوص. وبالتالي، قد توظف مصر مقدراتها وقدراتها من أجل حضور ودور أكثر فعالية في منطقة القرن الأفريقي وتحييد الاستفراد الإثيوبي الحاصل ومحاصرته. 

أخيراً، اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر قد تكون مقدمة لتعاون عسكري وأمني مشترك، وقد تفتح أمام الصومال فرصة بناء قوة بحرية صومالية تحكم سيطرتها على المنافذ المائية الصومالية كافة، وهذا هدف مشترك بين مصر والصومال.

ويعدّ إجهاض الصومال لمذكرة التفاهم التي وقّعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي هذا من جهة، كذلك يعدّ رداً مصرياً على تعنّت إثيوبيا في الذهاب إلى اتفاق مع القاهرة حول ملء سد النهضة.

إن أهم دلالات توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر، ورسائل التحركات الصومالية مع كل من تركيا وواشنطن، تعني أن الصومال لم يعد ذلك البلد الواقف على هامش التفاعلات الأفريقية والإقليمية، بل بات حاضراً وفاعلاً وله علاقته وتفاعلاته وتحالفاته التي يستخدمها من أجل الرد على أي خطوات إثيوبية منفردة تهدد استقلاله وسيادته.