خارج حسابات واشنطن و"تل أبيب": قوات العشائر تُشعل الشرق السوري
حسابات محور المقاومة، وفي قلبه سوريا، بدت متقدمة جداً على الحسابات الأميركية، ولعل في الهجوم الكبير الذي شنـته قوات العشائر خلال الساعات الـ24 الماضية، ما يُشير إلى جوانب جديدة من الصراع في المرحلة القريبة القادمة.
بعد الزيارة الخاطفة والهامة الأخيرة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو، والتي اهتم لها السوريون كثيراً، وما رشح عن لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وخصوصاً ما يتعلق باحتمال حدوث تصعيدٍ كبير في المنطقة تقع سوريا في قلبه، تابع السوريون الخطابين الأخيرين للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله باهتمامٍ كبير جداً، نظراً إلى حالة الترقب التي يعيشها أبناء المقاومة وخصومها وأعداؤها على السواء، وسط الظروف الاستثنائية التي بلغها الصراع مع العدو الإسرائيلي وقوى الاحتلال في الإقليم خلال الأسابيع والأيام الأخيرة.
وقد جاء لافتاً بالنسبة إلى شريحة كبيرة من هؤلاء المتابعين اعتبار السيد نصر الله أن سوريا قامت وتقوم بكل ما يلزم لدعم المقاومة في المنطقة، وأن جيشها لا يزال يخوض معارك كبيرة على عدة جبهات في وجه المشروع الاستعماري الذي تنفذه قوى الاحتلال، وبالتالي ليس مطلوباً من هذا الجيش في الوقت الحالي أكثر من الجهود الكبيرة التي يقوم بها بالفعل.
لكن أبرز ملاحظة لدى الغالبية العظمى من هؤلاء كانت حول هدوء السيد نصر الله خلال الخطابين وحالة "الارتياح" والثقة التي بدت على قسمات وجهه وبين كلماته، رغم الجراح، الشخصية والإنسانية والوطنية التي يعلم الجميع أنها تعتمل في قلبه، ما جعل من هذه الحالة الفريدة بذاتها بنداً بالغ الأهمية في عملية التحليل ومحاولات استشراف الآتي والقادم خلال المرحلة القريبة المنتظرة، وفي تعميم هذا الشعور بالثقة والقدرة لدى جمهور المقاومة في المنطقة والعالم في هذا الظرف الفاصل، في الوقت الذي عمل العدو كل ما يمكنه فعله لكسر الحالة المعنوية لهذه البيئة، وإظهار "محور المقاومة" على أنه في موقع الضعف والخسارة، وذلك من خلال تنفيذ هذا العدو أكبر عدد من الجرائم في غزة والمنطقة، والتي لم تكن آخرَها جريمتا اغتيال القائدين الكبيرين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، وقبلهما الهجوم الوحشي على مدينة "الحُديدة" في اليمن.
والواقع أن حديث السيد نصر الله وهدوءه ووعوده الحاسمة لم تُطمئن أهل المقاومة وتضعهم في موقع المتحمس لنصرٍ قادم أكيدٍ فحسب، بل قلبت الطاولة في وجه العدو، لتضعه بمسؤوليه وجيشه ومستوطنيه وداعميه في موقع المستنفر رُعباً من المجهول القادم.
وبينما يترقب الكيان الصهيوني وداعموه في العالم الرد الإيراني على جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) الشهيد إسماعيل هنية ورد المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) على جريمة اغتيال القائد الجهادي الكبير فؤاد شكر، تبدو الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الأول لكيان الاحتلال، أبرز المُتأهبين والمستنفرين عسكرياً وسياسياً في المنطقة؛ فبعد حدوث جريمتي الاغتيال في بيروت وطهران بساعات قليلة، وضعت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى قواتها الموجودة في قواعدها العسكرية في سوريا في حالة الاستنفار الكامل، تحسباً لأي هجمات تطالها تزامناً مع الرد أو كجزء منه، وكذلك لأجل المشاركة في الدفاع عن الكيان الصهيوني أثناء الهجوم المحتمل، واستعداداً للمواجهة الشاملة التي قد يدفع هذا الرد باتجاهها، ما يجعل الشرق السوري في العين الأميركية واحداً من الميادين الهامة جداً في المواجهة المرتقبة.
في قاعدة الاحتلال الأميركي في بادية "التنف" عند مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، يستمر الطيران العسكري الأميركي بالتحليق على علو منخفض على مدار الوقت تقريباً منذ أيام، وكذلك الحال في أبرز قواعد الاحتلال في محافظتي دير الزور والحسكة، وخصوصاً في قاعدتي "حقل العمر" و"كونيكو"، إذ تتأهب القوات هناك في وضع الاستنفار التام، مع تحليق دائم ومكثف لطيران الاحتلال في عموم المنطقة الواقعة عند الحدود العراقية – السورية في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة، تزامناً مع استقدام تعزيزات عسكرية ولوجستية جديدة عبر الحدود غير الشرعية بين البلدين. وقد وصلت آخر تلك الإمدادات إلى قاعدة "تل بيدر" في ريف الحسكة الشمالي، حيث حطت طائرة شحن عسكرية كبيرة في القاعدة، وأفرغت مواد عسكرية ولوجستية وطبية.
وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تتحسب لهجمات تشنها قوى المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا على تلك القواعد، خصوصاً بعد العملية النوعية التي نفذتها فصائل المقاومة على قاعدة "عين الأسد" في العراق، والتي نتج منها سقوط عدد من الجرحى بين جنود الاحتلال ومستشاريه العسكريين، حدث ما يبدو أنه لم يدخل في حسابات قيادة قوات الاحتلال في الشرق السوري؛ فمع غروب يوم الثلاثاء، شنت "قوات العشائر العربية" في الشرق السوري هجمات متزامنة على عدد من المحاور مع "قسد" في محافظة دير الزور، أسفرت عن تحرير عدد من القرى والبلدات في تلك المناطق، في حدث استثنائي سيساهم بدوره في بعثرة أوراق الولايات المتحدة في الشرق السوري، ووضعها أمام تحديات لم تكن محسوبة بهذا المستوى المؤثر.
وفي التفاصيل، فاجأت مجموعات من قوات "العشائر العربية" التي يقودها الشيخ إبراهيم الهفل قوات "قسد" المتمركزة في قرى وبلدات "الشعفة" و"أبو حمام" و"الحوايج" في ريف دير الزور الشرقي بهجوم كبير أدى إلى حالة تخبط بين قيادات وعناصر "قسد" وفرار بعضهم من تلك النقاط.
وسرعان ما تصاعدت الأحداث لتتحول إلى عمليات اقتحام وسيطرة على تلك المواقع في عدد من المناطق في ريف دير الزور، وأبرزها مواقع مدينة "البصيرة" وبلدات "إبريهة" و"الحريجية" و"الطيانة" و"أبو حمام" و"غرانيج" و"الكشكية" و"ذيبان" وحي "اللطوة"، وجميع النقاط على امتداد السرير النهري.
وقد أدت المعارك إلى السيطرة على معظم تلك النقاط، وتدمير بعضها بشكل كامل، وقتل وأسر عدد من عناصر "قسد"، بينهم قياديان، بحسب تأكيد المصادر المحلية. وقد نتج من تلك المعارك أيضاً تدمير عدد من عربات "الهمر" الأميركية على طريق قاعدة الاحتلال في "حقل العمر".
وفي حين أعلن قائد "قوات العشائر العربية" الشيخ إبراهيم الهفل النفير العام، وأكد أن المعارك مستمرة حتى "تطهير أرضنا العربية من ميليشيا قسد المدعومة من قوات الاحتلال الأميركي"، عمدت قوات الاحتلال إلى مؤازرة عناصر "قسد" بالطيران المُسير الذي انطلق من قاعدتي الاحتلال في حقلي "العمر" و"كونيكو"، وقصف عدداً من التجمعات في تلك المناطق، في محاولة مستميتة لاستعادة النقاط المحررة.
وسارعت "قسد" إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة من منطقة "الشدادي" في محافظة الحسكة باتجاه ريف دير الزور الشرقي، لكن عمليات قوات العشائر لم تتوقف، بل بادرت إلى استهداف أرتال "قسد" التي قدمت للمؤازرة، إذ جرى استهداف رتل كبير على خط "الخابور" كان متجهاً إلى قرى وبلدات الريف الشرقي.
وتابعت قوات العشائر الهجوم على نقاط جديدة في بلدات الريف، وسيطرت على مواقع جديدة بالفعل، ومنها محطة مياه بلدة ذبيان، حيث واحدة من أكبر نقاط قوات "قسد" في البلدة، كما شنت هجوماً عنيفاً وكبيراً على مقار "قسد" في مدينة "الشحيل"، وبلدة "أبو حردوب"، وكذلك في بلدة "الباغوز"، في الريف الشرقي القريب من الحدود السورية – العراقية، ليمتد الهجوم بالتزامن باتجاه الريف الشمالي لمحافظة دير الزور، إذ تقدمت قوات العشائر إلى بلدة "جمة" ودفعت قوات "قسد" إلى خارجها.
ولاحقاً، بعد ظهر يوم الأربعاء، أعلنت قيادة "قوات العشائر العربية" نجاح "موجة الهجوم الأولى"، وتحرير مناطق واسعة في ريف دير الزور الشرقي وطرد قوات "قسد" منها، وانتظار بدء موجة الهجوم الثانية التي اعتبرت قيادة قوات العشائر أنها ستكون رئيسية وأكبر.
والجدير بذكره هنا، أنه وقبل هذه الأحداث بأيام قليلة، كانت قوات الجيش العربي السوري، والقوات الرديفة والحليفة من فصائل المقاومة، قد أجرت عمليات إعادة انتشار في عدد من المواقع في ريف دير الزور القريب من الحدود، كما في البادية السورية القريبة، واستقدمت تعزيزات جديدة إلى تلك المناطق.
والواضح من خلال كل ذلك أن حسابات محور المقاومة، وفي قلبه سوريا، وخططه، بدت متقدمة جداً على الحسابات الأميركية التي ركزت بشكل كبير على مسألة حماية كيان الاحتلال من الرد المتوقّع في أي لحظة من إيران وحزب الله وقوى المقاومة في الإقليم، ولعل في الهجوم الكبير الذي شنـته قوات العشائر خلال الساعات الـ24 الماضية، وهي المدعومة من الشرعية السورية، بحسب قوات الاحتلال وأعوانه في الشرق، ما يُشير إلى جوانب جديدة ومختلفة من الصراع في المرحلة القريبة القادمة، خصوصاً مع ورود معلومات خاصة تتحدث عن قيام قوات "قسد" بإغلاق جميع الطرق الرئيسية والفرعية داخل مدينتي الحسكة والقامشلي، في خطوة موجهة بشكل واضح ضد أجهزة الدولة السورية العاملة هناك، وذلك بعد اتهام "قسد" الجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة بمؤازرة قوات العشائر في هجومها الأخير.
وربطاً بين كل هذه الأحداث، وبطبيعة رد محور المقاومة المنتظر، يبدو أن الحساب سيبدأ من لحظة اغتيال الشهيدين الكبيرين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، وستكون دماء الشهيدين هنية وشكر وكل الدماء الزكية التي سُفكت بين ذلك اليوم وهذا اليوم على موعد مع الوعد الذي أطلقه المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد علي خامنئي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله: الرد سيكون بطرد الاحتلال من المنطقة.