حكاية الحطّاب والغولة

في هذه الحكاية، سنبقى نجد أيضاً الزوجة والأولاد الَّذين يرفضون الغولة، ويهربون منها إلى أوطانهم، كما فعل الشّعب المغربي.

  • احتجاجات رافضة للتطبيع مع
    احتجاجات رافضة للتطبيع مع "إسرائيل"

 

إنّ مقاربتنا لحكاية الحطّاب والغولة تبدأ من نهاية القصة، وليست من بدايتها، وكثيراً ما يكون للنهايات عبرة تؤخذ لتصبح هي الفائدة. هذه المقاربة التي نتناولها اليوم تأتي ربما من باب الكلام العبثي الذي يضاف إلى مجمل كل ما كُتب سابقاً حول القضية الفلسطينية، وخصوصاً توقيع اتفاقية "أوسلو" والقبول بالحل السلمي، والذي بات اليوم كحال الحطاب مع الغولة؛ تلك الحكاية التي عاشتها القيادة الفلسطينية منذ القبول بمربع البدائل والخروج من مربع الثورة، ولكن دعونا نحاول.

عندما اكتشفت الغولة أنَّ خطتها فشلت، وأن الأبناء هربوا، ولم يتبقَّ سوى الحطاب، جن جنونها، فصرخت، وقالت له: "هرّبت المرأة والأولاد اللي لحمهم طري، وبقيت أنت يا شايب، يا ملعون، من وين أوكلك؟"، فقال لها: "من أذاني الّلي ما سمعت مراتي"، فأكلت أذنيه، وأعادت عليه السؤال، فأجابها: "من اقدامي الّلي ما ردّت على مراتي"، فأكلت رجليه، وهكذا حتى أكلته كلّه.

 إنَّ الغولة عندما عرضت على الحطاب الذهاب إلى بيتها والعيش معها لم يكن ذلك من أجله ومن أجل أبنائه وزوجته، بل كان من أجلها هي. لقد سعت الغولة لتغذية العائلة حتى تأكلها في ما بعد، وهو ما جرى فعلاً عندما وضعت القيادة الفلسطينية شروطاً للمفاوضات والقبول بـ"عملية السلام"، ولكنها في المقابل قدمت التنازلات الكثيرة، فقام الحطاب في 12 حزيران/يونيو 1972 بإقرار ما سُمي ببرنامج "النقاط العشر"، والذي دمج الكفاح المسلح مع العمل السياسي، حتى وصلت الأمور إلى توقيع اتفاق "أوسلو"، والقبول بـ"حل الدولتين"، وتغيير الميثاق الوطني في العام 1996، والاستمرار بجولات المفاوضات التي توقفت في العام 2014، والتي لم تقدم للحطاب شيئاً، بل ساعدت الغولة على أن تُسمنه لتأكله. 

وافق الاحتلال على شروط المفاوض الفلسطيني. وفعلاً، لم تكن هذه الموافقة من أجل الشعب الفلسطيني، بل كانت من أجل الاحتلال نفسه. لذلك، لم تقم دولة بعد 5 سنوات، ولم يتوقف الاستيطان، بل على العكس تماماً، تلتهم "إسرائيل" كل شبر من الأرض، وتقوم بتوسيع المستوطنات، وتزيد الهجرة الصهيونية إليها. لقد أكلت الغولة حلم "الدولة الواحدة"، وأكلت أيضاً "حل الدولتين".

ولم تتوقف الغولة عند هذا الحد، بل استمرّت الاعتقالات وقافلة الشهداء والجرحى وحصار غزة... وعلى الرغم من ذلك، لم يقتنع الحطاب بأنَّ هذا التوغل يعني أنَّ الغولة ستبقى غولة، مهما قدمت من خرفان، ووقف في وجه زوجته وأولاده رافضاً الهروب، قائلاً لزوجته: "رأيتِ أنّني مرتاح هنا، فصرت تحسدينني على هذه الراحة. اتركيني نائماً"، ولكن إلى متى سيبقى نائماً؟ قالت الغولة: "إنَّ إقامة دولة فلسطينية تعني جلب دولة إرهابية على بعد 7 دقائق من بيتي". أيضاً، لم تعطِ الغولة الحطاب سوى حلول اقتصادية وأمنية، ما يعني أنَّها تريد كعادتها "تسمين ضحيتها لتأكلها".

إنَّ الزوجة والأبناء أدركوا حقيقة الغولة، فهربوا حتى لا تأكلهم، وهذا ينطبق تماماً على المقاومة التي رفضت كل الحلول السلمية، وقرّرت أن تحفر الخنادق وتجلب السلاح إلى غزة، من أجل تطوير أسلوب المقاومة، فلم تقبل الفصائل المعارِضة للسلام بالخرفان التي قدّمتها الغولة، بل على العكس من ذلك، قررت أن تقاوم الغولة وتقتل خرفانها.

إنّ الغولة كانت تبحث عن اللحم الطري. كانت تريد فلسطين، ولكن كان من الصَّعب عليها قول ذلك بعد كلّ ما شاهدته من مقاومة قبل توقيع "أوسلو"، وخصوصاً عند اندلاع الانتفاضة الأولى، وكان على الحطّاب أن يستمرّ في تقطيع الحطب وبيعه في السوق ليشتري بثمنه الخبز واللحم والخضراوات والفواكه للعائلة وعدم القبول بعرض الغولة. 

لا نستطيع القول إنَّ الحطاب لم يكن يدرك ذلك، بل كان يعلم. وهنا المفارقة العجيبة بين حكايتنا، حكاية الأطفال، والحطّاب - القيادة الفلسطينية - فالحطاب في حكاية الطفولة لم يكن يعلم ماذا تريد الغولة، وربما كان العرض بالنسبة إليه هو الخروج من الفقر والعوز، ولكنّ حطّابنا كان يدرك ماذا تريد الغولة – الاحتلال - ووافق على العرض.

عند نهاية كلّ حكاية نقصّها على أطفالنا، نقول: "توتة توتة خلصت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة"، إلا في هذه الحكاية، ما زالت الغولة تبحث عمن تسمنهم لتأكلهم، وما زال الحطاب في كلّ مرة يقع في شباك الغولة. وها هي الإمارات والمغرب والبحرين وغيرها تسير جميعاً حتى تصل إلى أرض الغولة، وهذا ما فعله حطّابا مصر والأردن قبلها.

في هذه الحكاية، سنبقى نجد أيضاً الزوجة والأولاد الَّذين يرفضون الغولة، ويهربون منها إلى أوطانهم، كما فعل الشّعب المغربي، وسيرفضون أيضاً خرفانها، ويقبلون "المجدرة" بدلاً من "اللحمة"، فالزوجة والأبناء شاهدوا شاباً معلّقاً والغولة تأكله، وهذا يعني أنَّ الغولة لا تعيش إلا على الجثث التي تسمنها.