تقارب موسكو وواشنطن... هل يطيح الرئيس أحمد الشرع؟

قد تعلن واشنطن عن تأييدها ودعمها لبقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا، وهو الأمر الذي تسعى موسكو إليه عبر التفاوض مع الرئيس الشرع بوساطة تركية.

0:00
  • يعتقد المحللون أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات تنهي التوازنات التي سادت.
    يعتقد المحللون أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات تنهي التوازنات التي سادت.

تشهد العلاقات الروسية- الأميركية تحسّناً "كلامياً" منذ تبوّء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد السلطة لولاية ثانية قبل شهرين. ومن بوادر هذا التحسن الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلوديمير زيلينسكي لوقف الحرب ضد روسيا ضمن اتفاق يعترف لموسكو بانضمام أربعة أقاليم في منطقة الدونباس وخيرسون وزباروجيا إليها، ويضمن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو ).

هذا التوجّه الذي يأتي على حساب أوروبا قد ينعكس على منطقة الشرق الأوسط، حسب ما يتوقع محللون سياسيون أميركيون، إذ يعتقدون أن من شأن علاقات جيدة مع موسكو أن تساهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط، بعد ربع قرن من الاضطرابات والحروب.

ويقدّر هؤلاء المحللون أن تحفظ الترتيبات الجديدة المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة، خصوصاً بعد التحوّلات الأخيرة التي حصلت في سوريا عقب انهيار النظام السابق برئاسة بشار الأسد واستيلاء المجاميع المسلّحة على السلطة هناك، ما وجّه ضربة قوية إلى محور المقاومة المدعوم من إيران، والذي يضم فصائل المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية واليمنية.

ويعتقد المحللون الأميركيون أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات تنهي التوازنات التي سادت في المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية. 

الوضع في سوريا

نبدأ من سوريا حيث تتجه الإدارة الأميركية لاتخاذ موقف سلبي من "الرئيس المؤقت" أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بسبب تاريخه الملتبس؛ بسبب تزعمه "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المصنفة على لوائح الإرهاب الأميركية.

وتتحفظ إدارة ترامب على أحمد الشرع، الذي وصل إلى سدة الحكم بدعم من الإدارة الأميركية السابقة برئاسة الديمقراطي جو بايدن، علماً أن الجمهوريين يتحفظون على التعامل مع الجماعات الإسلامية، خلافاً للديمقراطيين الذين أوصلوا إسلاميين حتى إلى الكونغرس الأميركي مثل إلهام عمر.

كذلك، فإن ترامب وأعوانه ينظرون بعين الريبة إلى المشروع الإسلامي الذي ترعاه تركيا تحت شعار العثمانية الجديدة. وقد أعلن المستشار السابق لترامب ستيف بانون، في برنامجه الإذاعي"غرفة الحرب" أن ترامب يعدّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "أحد أخطر القادة" في العالم ويريد "إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية". والجدير ذكره أن ترامب عدّ إطاحة الأسد "استيلاء غير ودّي" من قبل تركيا على دمشق. 

وما زاد من حنق إدارة ترامب على الجولاني هو المجازر التي يرتكبها مناصروه بحق العلويين والمسيحيين في منطقة الساحل السوري، ما جعل وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو يعلن إدانته "للإرهـــــابيين الإســـــلاميين بمن فيهم الجهاديون الأجانب الذين قتلوا أشخاصاً غربي سوريا"، معلناً عن وقوف واشنطن "إلى جانب الأقلّيات".

هذا قد يجعل ترامب يسعى للتعاون مع موسكو، التي تقيم قاعدتين جوية وبحرية في منطقة الساحل السوري، في ما يتعلق بالوضع في سوريا.

وقد تعلن واشنطن عن تأييدها ودعمها لبقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا، وهو الأمر الذي تسعى موسكو إليه عبر التفاوض مع الشرع بوساطة تركية.

والجدير ذكره أنه عندما سُئل أحد الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط عن تقرير يزعم بأن "إسرائيل" تمارس ضغوطاً على إدارة ترامب للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، أجاب حرفياً: "حسناً، هل هذا يتعارض مع مصالحنا الوطنية؟" مشيراً إلى أن ترامب يريد الشراكة مع روسيا للتوصل إلى نتائج غير مسبوقة في المنطقة.

وكان السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد قد أعلن أن دونالد ترامب يريد الخروج من سوريا، معتبراً أن حضور روسيا في سوريا يمكن أن يحدّ من النفوذ التركي فيها، خصوصاً في ظل توجّهه لسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، وخشيته من أن يؤدي هذا إلى سحق "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من واشنطن من قبل القوات التركية والجماعات الإسلامية التي تدعمها. من هنا، فإن تعاوناً أميركياً - روسياً في سوريا قد يؤدي إلى إطاحة أحمد الشرع واستبداله بوجه مدني أكثر قبولاً من المجتمع الدولي.

إيران ودول الخليج 

سيكون الملف الثاني الذي يمكن أن يحل عبر التعاون بين موسكو وواشنطن هو الملف النووي الإيراني، من دون لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية، خلافاً لمشاريع الكيان الصهيوني الذي يدفع باتجاه توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

وكان الكرملين قد أعلن أن المحادثات المستقبلية بين روسيا والولايات المتحدة ستشمل مناقشات حول البرنامج النووي الإيراني. وتعوّل واشنطن على العلاقات الوثيقة بين موسكو وطهران لتسهيل التواصل بين الولايات المتحدة وإيران من دون تشويش من القادة الأوروبيين.

ووفقاً لوجهة النظر الأميركية، فإن اتفاقاً مع إيران قد يخفف من حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعزز من تأثير مصر وقطر على حركة المقاومة الإسلامية- حماس للتوصل إلى صيغة حلّ لإدارة قطاع غزة، بعد وقف إطلاق النار نهائياً مع الاحتلال الصهيوني. كذلك من شأنه أن يعيد الاستقرار إلى منطقة باب المندب بعدما فشلت إدارة بايدن في تحييد أنصار الله الذين استهدفوا السفن الصهيونية؛ إسناداً لغزة.

إضافة إلى ذلك، فإن تحسن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة يمكن أن يعزز دور بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كملتقى للشراكات المالية والاقتصادية.

والجدير ذكره أن العلاقات الروسية- الإماراتية توثقت منذ عقد من الزمن بعد فرض الغرب عقوبات اقتصادية ضد روسيا، ما جعل موسكو تعتمد أبو ظبي ودبي كمركزين لإعادة تصدير السلع الخاضعة للعقوبات.

وتسعى روسيا إلى تعزيز صادراتها من الأسلحة إلى الدول الخليجية بعد رفع العقوبات الغربية عنها، في حال التوصل إلى اتفاق مع واشنطن. والجدير ذكره أن دول الخليج ترتبط بشكل وثيق بأنظمة التسلح الأميركية، وتعمل على تعميق تعاونها مع الولايات المتحدة في قطاعات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، وهو ما تسعى روسيا لتعزيزه أيضاً مع الدول الخليجية. 

يضاف إلى ذلك أن روسيا كانت قد اعتمدت على الدول الخليجية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، كمحطة وسيطة مع النظام المالي العالمي بعد فرض العقوبات الغربية عليها. من هنا، فإن شراكة روسية - أميركية قد تعزز من مكانة دول الخليج العربية كحلقة وصل اقتصادي ومالي بين روسيا والولايات المتحدة.