تركيا وواشنطن: من حل النزاع مع الكرد إلى هيكلة العلاقة الاستراتيجية
حل الصراع التركي الكردي له تداعيات على مجموعة واسعة من القضايا، من السياسة التركية في الداخل إلى العلاقات مع واشنطن، وهو يمهد الطريق لإعادة ضبطها عبر إبعاد حزب العمال الكردستاني عن المشهد السياسي السوري.
-
حل الصراع التركي الكردي المستمر له تداعيات على مجموعة واسعة من القضايا.
الحركة المكثفة من المحادثات/ المشاورات التي حصلت بين الجماعات الكردية المعارضة في سوريا (وحدات حماية الشعب/ حزب الاتحاد الديمقراطي والائتلاف الوطني الكردي) والتشكيلات الكردية في مختلف بلدان المنطقة (تركيا وسوريا والعراق)، التي مهدت الطريق للكرد لكلمة فصل بعد مضاعفة الضغط على "حزب العمال الكردستاني" وإضعافه، من خلال هجمات المسيرات التركية إلى غيرها من الوسائل الفعالة، وأداء الولايات المتحدة الدور الأكبر في الضغط على قسد من أجل عقد اتفاق مع الشرع، بعد أن كانت مطالب الكرد السوريين قد ركزت على إنشاء نظام لامركزي، وحماية وحدات حماية الشعب ككل، وحصة من عائدات النفط للكرد، وإدراج هذه العناصر في الدستور، إلى جانب الحقوق اللغوية والثقافية، أتت إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خير دليل على أنه سيسحب الغطاء الأمني الأساسي، عبر سحب القوات الأميركية من سوريا. أدّت فرنسا دوراً ثميناً، أما المملكة المتحدة، فهي أدّت دور الوسيط.
إن حل الصراع التركي الكردي المستمر له تداعيات على مجموعة واسعة من القضايا، من السياسة التركية في الداخل، إلى العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو يمهد الطريق لإعادة ضبطها عبر إبعاد حزب العمال الكردستاني عن المشهد السياسي السوري، ما سيمهد الطريق لتركيا للتعاون مع واشنطن والكرد السوريين في العديد من القضايا التي تخدم المصالح الأميركية، وهكذا جرى جمع الكرد إلى طاولة المفاوضات، وهم في حالة تردد وضعف وموقف ضعيف.
كيف سيُنزع سلاح حزب العمال؟ وماذا بعد؟
اليوم، يجري التفاوض على تفكيك الحزب عبر وسطاء سياسيين كرد. نزع سلاح الحزب هو الاسم الحقيقي للعملية السياسية، وهو الهدف النهائي لهذه العملية، وهو ما يبدو أن حزب الديمقراطية الشعبية، الذي يعمل كجسر بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، قد قبله.
وهذا يعني أيضاً أن الحركة الديمقراطية الشعبية في تركيا قد تحولت إلى اتخاذ تدابير "بناء الثقة"، إذا جاز التعبير، من أجل استيعاب حقيقة مفادها أن هذه العملية لم تعد عملية مساومة، لضمان أن تؤدي إلى الحد الأدنى من الخسائر البشرية "لكن يجب إزالة عوائق السلم الاجتماعي لا بالكلام، بل بخطوات عملية ومطمئنة وشجاعة".
القضية الأكثر جوهرية في تركيا قيد المناقشة، لكن السلام بحسب رأي الكرد لا يأتي بالانتظار. هل يريد حزب العمال الكردستاني من تركيا وقف عمليات مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا حتى يتسنى عقد مؤتمر لنزع السلاح وحل الحزب؟.
يقول الناطق باسم حزب الديمقراطية إن عملية نزع السلاح تتطلب قانوناً خاصاً من تركيا، وهذا يعني اتخاذ قرارت رسمية وموثقة. يجب اتخاذ إجراء عاجل بشأن هذه القضية، ولكن أين؟ وكيف؟ ماذا سيحدث بعد نزع السلاح؟ يجب دراسة هذه الأسئلة والإجابة عنها الآن. يقترح حزب الديمقراطية الشعبية "حرية أوجلان في العمل والتواصل" وهي الخطوة الأولى في دفع هذه العملية إلى الأمام.
الوصول إلى مرحلة نزع السلاح يعني القبول بالوسائل الأخرى السلمية لتحقيق الأهداف، من دون الانفصال عن تركيا وإيران والعراق وسوريا بقوة السلاح، وهو يعدّ مشروعاً طموحاً يطرح موضوع الديمقراطية واللامركزية على بساط البحث، مناقشة نزع السلاح تجري حالياً، لكن يجب استكمالها على نحو غير دموي قدر الإمكان، على أقل تقدير.
وكانت النقاشات داخل الولايات المتحدة قد دارت حول معنى وجود قواتها في سوريا، بخلاف إنشاء منطقة عازلة مع إيران من أجل أمن "إسرائيل". اليوم أصبح الحليف التركي على الحدود العراقية واللبنانية.
وبدأ ترامب محادثات مباشرة مع إيران، لا فقط لمنع تسليحها النووي، بل يبدو أيضاً أننا أمام خطوة لتحرير السياسة الخارجية الأميركية من قيود "إسرائيل". إن صح الأمر، وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وإدخاله في السياسة الشرعية، تحاول الولايات المتحدة أيضاً إقناع "إسرائيل" بنزع سلاح حماس وإدخالها في العملية السياسية.
في ظل هذه الظروف، يأتي استخدام الرئيس المشارك لحزب الديمقراطية الشعبية لخطاب "عملية السلام" لضمان انتقال سلس وشامل ــ باستخدام تعريف "نزع السلاح" الذي نوقش على ما يبدو في مجالس الحزب بأنها عملية تتشابك فيها التطورات الداخلية والخارجية.
لكن هل ستلتزم قاعدة حزب الديمقراطية الشعبية الكردية بتوجيهات أوجلان؟
منذ عام 2014 دعم الحزب بشكل غير رسمي حزب الشعب الجمهوري المعارض لإردوغان، ولا سيما القاعدة الشبابية التي لا تعرف أوجلان، وليس لها علاقة مباشرة مع قنديل، وهدفها الأساسي إسقاط إردوغان. قد لا يؤيد بعض ناخبي الحزب صفقة أوجلان، وهو ما تم لحظه في التظاهرات ضد سجن إمام أوغلو، فهم لا يريدون تعزيز حكم إردوغان في الانتخابات المقبلة، وتنقسم القاعدة إلى قسمين، قسم يريد ضمان حقوق الكرد وإخراج أوجلان من السجن، كذلك إخراج رؤساء البلديات التركية الكردية المنتخبين من السجن، وإخراج صلاح ديمرتاش المتهم بالإرهاب، وقسم يريد هزيمة إردوغان. ما هي الفوائد التي ستجنيها الولايات المتحدة؟ هل هي استراتيجية أوسع نطاقاً من نهاية الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني؟.
لا شك في أن الفوائد سوف تكون أعمق. فعلى الصعيد الأمني ستتمكن تركيا من التفرغ لإعادة بناء سوريا كما تريد الولايات المتحدة، وأن تخصص أنقرة مواردها العسكرية ــ وهي القوة الثانية في الناتو ــ للمواجهات بالتنسيق مع واشنطن في أفريقيا، أي لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، كذلك في القوقاز وآسيا الوسطى، والعمل على هيكلة العلاقة الاستراتيجية التي أعرب عنها ترامب في رده على نتنياهو، بأن تركيا حليف موثوق والمشاريع عديدة، لذلك أراد تفاهماً وحدوداً لنفوذ كل من "إسرائيل" وسوريا، وفي كل منطقة الشرق الأوسط.