تركيا من الوساطة إلى الانضمام إلى المحكمة الدولية
إعلان تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان أن بلاده قررت الانضمام إلى جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية حيث تم رفع القضية على "إسرائيل" كان لافتاً في توقيته.
كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد أولى أهمية لاجتماعه المرتقب مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 9 -11مايو/أيار بعد أربع سنوات من وجود الأخير في البيت الأبيض، وبعد موافقة تركيا على انضمام السويد إلى "الناتو" وحصولها في المقابل على صفقة أف- 16.
كان هناك ميل ملحوظ لدى الرئيس التركي إلى تجنب الخطوات التي قد تؤدي إلى المواجهة مع الولايات المتحدة، خصوصاً في الفترة الأخيرة؛ بسبب الحاجة إلى مصادر مالية خارجية للتغلب على الأزمة الاقتصادية.
أتى تبرير تأجيل الزيارة حسب الناطق الأميركي "بالتطلع إلى استضافة إردوغان في وقت مناسب للطرفين" وأنه لم تتمكن الإدارة من مواءمة جداولها الزمنية مع تلك التركية، وأنه ليس لدى الإدارة زيارات للإعلان عنها في هذا الوقت، ما يعني أن الظروف ليست ناضجة لما يمكن أن يكسبه الطرفان من هذه الزيارة.
هل من الممكن أن يبحث بايدن في فوائد استضافة إردوغان في هذه الفترة، نظراً إلى المتغيرات التي طرأت على مواقف الرئيس التركي والتصعيد في اللهجة العدائية ضد مواقف السلطة الحاكمة في "إسرائيل"؟ أو أنه يشعر بالحرج تجاه ما يحصل في الجامعات الأميركية العريقة من تظاهرات معارضة لسياسته بسبب الحرب على غزة، وتأثيرها بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية وفي شعبيته؟ من الواضح أن بايدن لن يقدم خدمات لإردوغان في الوقت الحالي.
أو ربما يرغب في صياغة جدول الأعمال بطريقة تؤدي إلى نتائج تخدم الطرفين في ظروف مختلفة. كان الاحتمال أن تكون غزة على جدول أعمال الزيارة إلى البيت الأبيض في ظل استضافة إسماعيل هنية، والاجتماع مع حركة حماس بتنسيق مع قطر، لكن الأمر أزعج "إسرائيل"، بيد أن القناة التركية ضرورية بالنسبة إلى واشنطن للتواصل مع حماس، لكن "إسرائيل" ترفضها. حركة الاتصال في الأسابيع الأخيرة، أوحت أن خريطة الطريق لا تتضمن وقف إطلاق النار فحسب، بل تضمنت أيضاً أهدافاً أخرى، وفي محادثاتها مع وزير الخارجية التركية فيدان، جعلت حماس اقتراح نزع السلاح مشروطاً بإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يختلف عن الالتزام الذي تستهدفه الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يكون إلقاء السلاح أمراً غير واقعي الآن، فما دام الاحتلال مستمراً فإن المقاومة المسلحة ستستمر.
يتمنى بايدن أن تقوم كل من قطر ومصر وتركيا بالتأثير على حركة حماس في المفاوضات، وهو يقوم من ناحية أخرى بالضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن استطاع.
لكن شروط نتنياهو لإنهاء الحرب سلماً هي نزع سلاح المقاومة والاحتفاظ بقوات احتلال داخل غزة في نقاط يقرّرها وإمساك المعابر وترحيل قادة المقاومة والقسام خصوصاً، وإلا العودة إلى الحرب. وفي ظل هذه الشروط لا يمكن لقطر أو تركيا الضغط على الحركة.
التغير في الخطاب التركي؟
كان لافتاً تغيّر الخطاب الرئاسي التركي بشأن حركة حماس، بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، إذ شبّهها الرئيس التركي بحركة "التحرر الوطنية التركية " فيما يواصل قادة الحركة حالياً الإقامة في إسطنبول، التغيّر واضح بعد مضي أكثر من ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وربما كان المسؤولون الأتراك يعتقدون بأن الحرب لن تكون طويلة، أو أن "إسرائيل" لن تستغل "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكي تمارس سياسة الإبادة الجماعية.
أثر الرد الإيراني الحاسم على قصف القنصلية في دمشق عبر توجيه ضربات من الأرض الإيرانية إلى "إسرائيل"، في الموقف التركي، إذ ساد الخوف من المواجهة المباشرة والخشية من الحرب الإقليمية الموسّعة وتداعياتها الكبيرة على المنطقة، ما دفع بالرئيس التركي إلى إجراء تعديلات على الموقف تجاه حركة المقاومة وحرب غزة بشكل جذري.
الانضمام إلى محكمة العدل الدولية؟
إعلان تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان أن بلاده قررت الانضمام إلى جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية حيث تم رفع القضية على "إسرائيل" كان لافتاً في توقيته.
اللافت أن المحامين الأتراك رفعوا دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهمه بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، تعلم تركيا بأن من سيدفع ثمن الحرب هو نتنياهو الذي كاد يخضع للمحاكمة بتهمة الفساد قبل حرب غزة.
وسيعزز انضمام تركيا إلى الدعوى موقف جنوب أفريقيا والمحكمة التي يمكن أن تقرر قبول التدخل التركي الداعم لموقف جنوب أفريقيا. لم يتأخر الوقت حتى أعلنت تركيا تعليق معاملاتها التجارية مع "إسرائيل".
بدت تركيا في هذه القرارات خارج السياق الأميركي فهي تعلم أن بايدن وبلينكن ليسا جادّيْن في تفعيل القوانين في وجه "تل أبيب"، فهما لم يطبقا قانون "ليهي"، أو ينفذا بنود قانون ضبط صادرات السلاح، وكذلك قانون جرائم الحرب الأميركي وقانون تطبيق اتفاقية جنيف، ولم يدعما الشكوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، ولن يدعما محكمة الجنايات الدولية في إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، بيد أنها رأت أن موقفها يعزز دورها في دعم المقاومة ويرفض سياسة الإبادة الجماعية