"الفرقة الانتحارية": أميركا القدر الزائف
تتمثل نسخة 2021 من الفيلم في مهمة مداهمة جزيرة "كورتو مالطيس" المُتخيّلة، إذ وضع انقلاب حكومة معادية لأميركا في السلطة.
لطالما كانت سلسلة القصص المصورة "الفرقة الانتحارية" التابعة لعالم "دي سي" للأبطال الخارقين الذي أطلقه جون أوستراندر في العام 1987 تنتقد دائماً الدور الأميركي. تقوم الحكومة الأميركية بتجنيد الأشرار الخارقين المسجونين عن طريق الرشاوى والترهيب للقيام بأمور لا يقبل الأخيار منهم تنفيذها. تتحكَّم الحكومة في الأشرار من خلال قنابل مزروعة في جماجمهم، فإذا حاولوا الهرب، فإنها تعدمهم بضغطة إبهام، من دون أدنى شفقة.
الفيلم الذي أخرجه جيمس غان بأناقة غارق في السخرية القاتمة والرائعة في آنٍ معاً، إذ يتم تقديم نظام السجون الأميركية وأجهزة المخابرات الأميركية على أنها شريرة وفاسدة وغبية بلا رحمة. وقد كان فيلم "الفرقة الانتحارية" الذي عُرض في العام 2016، وانتشر على نطاق واسع، بمثابة استعراض غير مكتمل العناصر للهيمنة الأميركية على العالم، إذ تستعبد الولايات المتحدة "إلهاً" من الحضارات الغابرة. وعندما تتحرر من الحرية، وتهدد بإسقاط النظام العالمي المهيمن، فإن السجناء الخارقين الذين أسيئت معاملتهم من قبل الحكومة نفسها يعملون على إسقاط هذا "الكيان" الجديد. إنها قصة ثورة العبيد التي تشجّعك على التعاطف مع تجّارهم.
تتمثل نسخة 2021 من الفيلم في مهمة مداهمة جزيرة "كورتو مالطيس" المُتخيّلة، إذ وضع انقلاب حكومة معادية لأميركا في السلطة. يتمكّن الحكام الجدد من الوصول إلى شرير فضائي خارق يكون سلاحهم للدمار الشامل. تقوم مديرة الوكالة العنيفة والقاسية "أماندا والر" (قامت بدورها فيولا ديفيس) بتجنيد البطل "بلود سبورت" (يقوم بدوره إدريس إلبا) لقيادة عصابة من الأشرار الخارقين لتدمير برنامج الأسلحة وحماية الولايات المتحدة من قوةٍ مُنافِسة. من الواضح أن التشابه هنا مع منطق حرب العراق مقصود، والفيلم يعرض تدخل الولايات المتحدة في "كورتو مالطيس" بالكارثة نفسها مثل غزو العراق في العام 2003.
في البدء، بالغت "والر" بشكل كبير في تقدير كفاءة قواتها. أول ما يحدث عملياً هو أن القوة الضاربة تدرك أن أحد المجندين الذين ألقوا بهم في الماء من أجل هبوط برمائي لا يمكنه السباحة! سرعان ما تتدهور الأمور من هناك، إذ يرمي الفيلم بفرح بمجموعة من الممثلين المشهورين إلى التهلكة، وذلك من أجل خلق تأثير الصدمة أو لتوضيح أن الأشخاص الذين كنت تعتقد أنهم أبطال ليسوا كذلك على الإطلاق. أعضاء الفرقة في الواقع يجيدون القتل والبقاء على قيد الحياة، إلا إنهم يجمعون الجثث بكفاءة متعجرفة، قبل أن يدركوا أنهم صنعوا وحشاً لا يمكنهم السيطرة عليه.
هنا، الولايات المتحدة ليست فقط غير كفوءة، بل فاسدة أيضاً. بالنظر إلى المجازات المعتادة لأفلام الأبطال الخارقين والطبيعة الكونية للتهديد، فإنك تفترض في البداية أنَّ "والر" ترسل فريقها لإنقاذ العالم ككل، لكن سرعان ما يتضح أن حكومة الولايات المتحدة لا يمكن أن تهتم كثيراً بشعب "كورتو مالطيس". يُسعد "والر" أن ترى المدنيين يتعرضون للتعذيب والقتل إذا كان ذلك يعزز رؤيتها للمصالح الأميركية. والأكثر من ذلك، إنّ قسوة "والر" القومية تجاه المنافسين في الخارج مرتبطة صراحة بازدرائها المتساوي لحقوق السجناء الأميركيين أنفسهم. الدولة الأمنية الأميركية "تمضغ" الناس في الداخل والخارج بالمتعة القبيحة نفسها.
وبعد، وعلى الرغم من أنها تصور قوة الولايات المتحدة على أنها قذرة ووحشية، فإنَّ "الفرقة الانتحارية" لا يمكنها إلا أن تستمتع بما تقوم به. يُظهر الفيلم بعناية أحد السجناء وهو يتصرف بقسوة. لذا، إن عقوبته على يد "والر" تبدو وكأنَّها "عدالة شعرية"، على غرار معاقبة الآلهة للعاصين في الأساطير الإغريقية.
على الرغم من كلّ عيوبهم، فإنَّ أعضاء "الفرقة الانتحارية" هم في النهاية أبطال، فيسارعون إلى إنقاذ الشعوب المستضعفة من براثن النظام الأميركي، أي أن شعب "كورتو مالطيس" لم يتم إنقاذه من أبناء البلد نفسه، بل أيضاً وأيضاً عن طريق التدخل الأميركي. في كل الأحوال، تصوّر هوليوود أميركا كقدر هذا العالم الأوحد، شاء من شاء وأبى من أبى.