العراق بين حزب العمال الكردستاني وقرارات تركيا

تقول أنقرة إنها تتمركز في العراق، من باب دفاعي، وترفض الانسحاب بعد أن كانت قد وعدت بتسليم قاعدة بعشيقة العام الماضي لكنها لم تفعل، فهل من مطامع أخرى عدا قتال العمال الكردستاني؟

0:00
  • رؤية حزب العمال الكردستاني وتركيا لنتائج إلقاء السلاح.
    رؤية حزب العمال الكردستاني وتركيا لنتائج إلقاء السلاح.

يمكن اعتبار إعلان حزب العمال حلّ نفسه، بمثابة حدث عراقي بامتياز، نظراً للوجود الواسع لمقاتلي الحزب داخل العراق، وسيطرتهم على مناطق جغرافية واسعة في الشمال العراقي، تتعدّى إقليم كردستان، لتصل إلى نينوى وأطراف كركوك بمساحة تتجاوز أربعة آلاف كيلومتر مربّع. فهم موجودون في 20 منطقة عراقية رئيسية خاضعة لسيطرتهم إلى جانب نحو 380 قرية. أدرجت بغداد الحزب في العام الماضي "منظمةً محظورة، بعد محادثات مطوّلة مع أنقرة وفي حال تمّ تنفيذ الحزب لالتزاماته ستترتّب عنه تداعيات على صعيد الداخل العراقي ولا سيما الوجود التركي العسكري داخل العراق.

يسعى أوجلان من خلال عرض إلقاء السلاح لنيل مكاسب سياسية وثقافية للكرد في ظلّ المتغيّرات في المنطقة، وعلى الرغم من أنه لم يتولَّ قيادة حزب العمال الكردستاني رسمياً لعقود، فهو يحظى بالاحترام بين صفوف الحركة بصفته "المؤسس صاحب الرؤية" وزعيمها المخضرم، حيث شغل منصب "الرئيس الفخري" لها أثناء وجوده في السجن. المشتركات بشكل عامّ بين قادة حزب العمال الكردستاني في مقرّه بجبال قنديل عديدة.

 اعتبر عبد الله أوجلان الانتقال الطوعي من الكفاح المسلّح إلى السياسة والقانون، إنجازاً تاريخياً وليس خسارة، في تسجيل اعتبر بمثابة رسالة موجّهة إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين قد يتردّدون في التخلّي عن الكفاح المسلّح.

من المتوقّع أن يلقي نحو 30 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني أسلحتهم الخفيفة في السليمانية في شمال العراق، حيث طلب أوجلان من المقاتلين ضمان نزع السلاح علناً من أجل إزالة الشكوك وتنفيذ الالتزام الذي تعهّد به، وأكد أنه يؤمن بالسياسة والسلم الاجتماعي.

من المتوقّع أن يقام الحفل يوم الجمعة في الـ11 من تموز/يوليو في السليمانية كأول بادرة رسمية لحزب العمال الكردستاني نحو نزع السلاح. 

من المفترض أن تتبع كلّ خطوة من قبل حزب العمال الكردستاني تحرّكات متبادلة من قبل الحكومة التركية، لكن يبدو أنه من الصعب على تركيا وضع تشريع لإعادة تأهيل مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك إمكانية العفو.

فهل سيكون صعباً تكريس الحقوق الثقافية الكردية في الدستور التركي؟  ثمّة أسئلة عديدة وعلى قدر من الأهمية وهي تتمحور حول الحلول المقترحة التي سيكون إقليم كردستان العراق مولجاً القيام بها، وما هي الخطوات المتوقّعة في هذا الصدد؟ وماذا سيحمل خطاب إردوغان في 12 تموز/يوليو .

 لا يبدو تنفيذ الإعلان التاريخي بحلّ حزب العمال الكردستاني نفسه وإنهاء العمل المسلّح سريعاً، لأسباب لا تتعلّق وحدها بضخامة البنى التحتية العسكرية للحزب والعدد الكبير من الملاحقين قضائياً داخله من الدولة التركية، التي عليها أن تتبنّى عفواً عامّاً عن الذين لا يملكون أيّ قيد جنائي والذين لم يقوموا بأعمال عدائية ضد تركيا.

بل هناك تعقيدات كثيرة سببها اجتياح عصابات "داعش" مساحات واسعة في العراق عام 2014، حيث  توسّع الحزب إلى سنجار ومخمور وزمار وكركوك، لحماية الأيزيديين والكرد، والتي ترى تركيا والحزب الديمقرطي الكردستاني ضرورة التزام اتفاقية سنجار 2020 لحلّ مشكلة عالقة بين بغداد والإقليم من جهة وإراحة تركيا من النفوذ الإيراني في تلك المنطقة ..

رؤية حزب العمال الكردستاني وتركيا لنتائج إلقاء السلاح 

يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البرزاني حليفاً لإردوغان لذلك يحرص على التنسيق معه لإنجاح عملية السلام لكن لطالما اتهمت تركيا ومسؤولون في حكومة أربيل، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، صاحب النفوذ التاريخي في السلطة في السليمانية بما فيها القوات الأمنية في المحافظة عاصمة إقليم كردستان، بالارتباط بحزب العمّال الكردستاني.

لذلك تعتبر تركيا أنّ نزع سلاح العمال الكردستاني يمكن أن يتمّ تحت إشراف مشترك من حكومة إقليم كردستان، إذ يمكن إدارة العملية كما حصل مع الأحزاب الكردية الإيرانية التي كانت موجودة في إقليم كردستان العراق والتي سلّمت أسلحتها إلى البشمركة بموجب اتفاقية الأمن الإيرانية العراقية الموقّعة في آذار /مارس 2023.

يعتقد بعض الخبراء أنه يمكن أن تكون بعض الحلول ممكنة بمساعدة الإقليم في حال تلكأت تركيا عن القيام بما يترتّب عليها قانونياً، وبما يعالج مشكلة عودة الكرد الأتراك الذين يقطنون الشمال العراقي والذين نزحوا في التسعينيات من القرن الماضي، أي القبول في توطينهم بحال إعراض تركيا عن القيام بذلك .

تركيا تريد تفكيك الترسانة العسكرية لحزب العمّال الكردستاني داخل العراق وخارجه، لكنّ الأساس هي آلية إدماج عناصر الحزب في مجتمعهم الأساسي أي تركيا والسماح لهم بالعمل السياسي. حزب العمال الكردستاني لا يمانع عدم عودة القيادات السياسية والعسكرية القيادية إلى تركيا،أي الكوادر، لكن على ألّا يندرج الأمر على الأفراد الذين لا يملكون القرار العسكري، وهذا مهم من أجل استكمال عملية إلقاء السلاح، فهو يعتبر تنفيذ رغبة أوجلان والذهاب إلى العمل السياسي بمثابة خارطة طريق وليس استسلاماً أو هزيمة.

لكن لا يتوقّع أحد أنّ الموضوع سيكون سريعاً، وقد تأخذ الإجراءات فترة زمنية طويلة، لذلك على أنقرة أن تعلن عن "وضع جديد" لقائد "الكردستاني" عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في تركيا وهو تنفيذ "لتفاهمات مسبقة". كذلك الذهاب إلى إجراءات قانونية ودستورية .

هل يأمل العراق بالانسحاب التركي 

يبلغ عدد القواعد والثكنات والمعسكرات التركية الدائمة داخل العراق، نحو 50 موقعاً، وبعديد جنود يبلغ أكثر من خمسة آلاف عسكري تركي داخل العراق. أبرز تلك القواعد هي معسكر بعشيقة، والزاب، ومتين، وسوران، وجميعها ضمن عمق يتعدّى 30 كيلومتراً داخل العراق، ويتعدّى نشاطها الاستخباري الـ 50 كيلومتراً، حيث يتمّ تنفيذ عمليات إنزال واغتيالات، خصوصاً في مناطق قرب السليمانية. 

وتقول أنقرة إنها تتمركز في العراق، من باب دفاعي، وترفض الانسحاب بعد أن كانت قد وعدت بتسليم قاعدة بعشيقة العام الماضي لكنها لم تفعل، فهل من مطامع أخرى عدا قتال العمال الكردستاني؟ وبالتزامن مع الإعلان الرسمي عن حلّ الحزب، طالبت قيادات سياسية ومجتمعية عراقية باستثمار الفرصة لإنهاء الوجود العسكري.

لكن يبدو أنّ أنقرة طلبت ضمانات أمنية مقابل سحب قواتها، تركيا باتت تنظر إلى شمال العراق ليس فقط كمنطقة أمنية، بل كمجال استراتيجي حيوي ضمن عقيدتها الجديدة في الأمن القومي الخارجي، والقائمة على التدخّل الاستباقي،  لا شكّ  بأنّ  ضعف الموقف الرسمي العراقي، والانقسام داخل إقليم كردستان أعطيا تركيا هامشاً كبيراً للتحرّك من دون رادع.

لكن هل سيقبل البرلمان العراقي وجود تركيا بعد الحلول المرتقبة مع حزب العمال الكردستاني إذا نجحت؟ لعل التطوّرات المقبلة ستكون الإجابة الوافية في ظلّ ما تحمله إجابات تركيا  عن مبادرات أوجلان .