العدوان على اليمن وأكاذيب الدفاع عن النفس (2)

الهجمات على اليمن ليست سوى أحدث مظهر من مظاهر شهوة دموية استعمارية منفلتة تحرّك السياسة الخارجية الأميركية والبريطانية والألمانية والغربية الأخرى.

  •  يُظهر أنصار الله باليمن للعالم معنى أن يكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ.
    يُظهر أنصار الله باليمن للعالم معنى أن يكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ.

تتذرّع إدارة ترامب بمبدأ "الدفاع عن النفس" المنصوص عليه في المادة الـ 51 من الميثاق الأممي؛ وبأنّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2722 يجيز لها استخدام القوة لتبرير وتمرير عدوانها على اليمن. وكان محامي حقوق الإنسان الأميركي المخضرم والمسؤول الأممي السابق، كريغ مخيبر، قد وصف الذريعتين بأنهما كذب، وفنّدهما تماماً، وأسقط الصدقيّة عنهما وعن سياسات أميركا وحلفائها الخارجية. 

يقول مخيبر، لقد زعموا بلا خجل أنّ قرار مجلس الأمن 2722 يجيز استخدام القوة ضدّ اليمن، في حين أنه لا يفعل ذلك. ورغم جهود الولايات المتحدة، فإنّ القرار لا يتضمّن بشكل قاطع أيّ تفويض بموجب "الفصل السابع" لاستخدام القوة. بل إنه "يلحظ" فحسب حقّ الدول في الدفاع عن سفنها من الهجمات. وهذه بحدّ ذاتها لغة مُريبة قانونياً، وتُفاقم الغموض أكثر مما تُوضّحه. لكنها قطعاً ليست تفويضاً بهجوم مُسلّح على دولة، من منظور القانون الدولي وممارسات مجلس الأمن.

فالقرار ليس فقط لا يُجيز الهجوم المُسلّح، بل يُثبّط مثل هذا الإجراء بالحثّ على "الحذر وضبط النفس لتجنّب المزيد من التصعيد" وتشجيع "الجهود الدبلوماسية المُكثّفة من قِبَل جميع الأطراف لتحقيق هذه الغاية".

حرية الملاحة!

كذلك، يُدافع القرار فقط عن حقوق وحريات السفن الملاحية "وفق القانون الدولي". فالسفن التي تسعى لإعادة إمداد الكيان الصهيوني خلال قيامه بالإبادة الجماعية والحصار والاحتلال غير القانوني لفلسطين لا تتصرّف "وفق القانون الدولي"، كما أوضحت محكمة العدل الدولية. كذلك، يؤكّد القرار 2722 مجدّداً أنّ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (التي صادقت عليها اليمن، ولم تصادق عليها الولايات المتحدة)، تُحدّد الإطار القانوني المنطبق على الأنشطة في المحيطات، بما في ذلك "مكافحة الأنشطة غير المشروعة في البحر".

وهذا في الواقع بيان قانوني. لكنه يطرح تساؤلاً حول أيّ نشاط بحري يُمكن أن يكون أكثر إخلالاً بالمشروعيّة من استخدام الشحن لإعادة إمداد إبادة جماعية واحتلال غير قانوني، في انتهاك لالتزامات الدول الثالثة بموجب المعاهدات، وبعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها في هذا الشأن.

فمحاولة كلّ سفينة كسر الحصار لإعادة إمداد النظام الإسرائيلي الذي يرتكب إبادة جماعية ويحتلّ أراضي فلسطينية بشكل غير قانوني تُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي. وأيّ أنشطة بحرية لتحقيق هذه الغاية هي، بحكم التعريف، غير مشروعة. ولا حقّ في القانون الدولي لاستخدام القوة دفاعاً عن هذه الأنشطة غير المشروعة. 

ادّعاء باطل وعمل عدواني

وبالتالي، يخلص مخيبر، لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها التذرّع بالقرار 2722 كمبرّر لهجوم على اليمن. ولا شكّ أنهم، وإدراكاً منهم لذلك، قد حشوا قضيتهم بدعوى "الدفاع عن النفس" بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وهذا ادّعاء باطل أيضاً. 

وللتوضيح، فإنّ الدول القادرة على التدخّل لمنع إعادة إمداد الكيان الصهيوني ملزمة بالقيام بذلك. وهذا بالضبط ما يفعله اليمن. إنّ مهاجمة اليمن لدعم الكيان عمل عدواني. وهذا بالضبط ما تفعله الولايات المتحدة.

أولاً، لا يمكن لأيّ دولة التذرّع بالدفاع عن النفس بموجب المادة الـ 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير أعمال غير قانونية، مثل تسهيل الاحتلال غير القانوني أو الإبادة الجماعية. إذا سعت دولة إلى ذلك، وتدخّل أحدٌ لمنعها، فلا يمكنه ادّعاء الدفاع عن النفس كأساس لمهاجمتها، بل والأدهى من ذلك، لا يمكنه ادّعاء الحقّ في شنّ حرب على دولة أخرى باسم الدفاع عن النفس.

ثانياً، لم تتعرّض الولايات المتحدة لـ "هجوم مسلّح" بالمعنى المقصود في القانون الدولي. في الواقع، لم تكن السفن التجارية التي استهدفها اليمنيون سفنًا أميركية ولم تكن تبحر تحت العلم الأميركي. وحتى لو كانت كذلك، فإنّ هذا لا يُشكّل هجوماً مسلّحاً على الدولة (كما يعرّفه القانون الدولي)، وبالتالي لا يُبرّر الدفاع عن النفس.

أما بالنسبة للسفن العسكرية الأميركية، فقد أطلق اليمنيون عليها النار دفاعاً عن النفس فقط، بعد إبحارها للمنطقة ومشاركتها في هجمات مستمرة على اليمن. لا يُمكن لأيّ ادّعاء أميركي بالدفاع عن النفس أن ينشأ من مثل هذه الظروف. فالسفر حول العالم لمهاجمة دولة أخرى، ثم ادّعاء الدفاع عن النفس عند الردّ، ليس مشروعاً بموجب القانون الدولي.

ثالثاً، تطالب الولايات المتحدة (وحكومات غربية متواطئة) بحقّ الدفاع عن النفس عبر الحدود ضدّ كيان لا تعترف به كدولة. فالولايات المتحدة وبريطانيا لا تعترفان بحكومة أنصار الله بصنعاء. بل تحافظان على علاقات بالمجلس الرئاسي المعترف به أممياً، والذي يسيطر على مناطق في جنوب البلاد. وهم لا يدّعون أنّ الكيان الذي يعترفون به مسؤول بأيّ شكل من الأشكال عن أفعال أنصار الله.

عموماً، يشترط للتذرّع بالدفاع عن النفس أن يكون الهجوم المسلّح الذي تردّ عليه الدولة مُنسّباً إلى دولة أجنبية. وبينما يدور جدل حول ما إذا كان الدفاع عن النفس، في ظروف (استثنائية)، بموجب المادة الـ 51، يُمكن تطبيقه ضد جهة فاعلة غير حكومية، فإنّ إثباته بلا شكّ أصعب. واستخدام هذا الادّعاء لشنّ حرب فعليّة على أراضي دولة (كما تفعل أميركا في اليمن) أمرٌ أكثر إثارةً للشكوك.

رابعاً، حقّ الدول في الدفاع عن سفنها من الهجوم لا يُعادل حقّها في شنّ حرب على الدولة المُهاجمة. وكما عبّر مندوب سويسرا لدى مجلس الأمن بحقّ، فإنّ استخدام القوة المشروع "يقتصر بصرامة على تدابير عسكرية لاعتراض هجمات على سفن تجارية وحربية لحماية تلك السفن والأشخاص على متنها. وفي هذا السياق، فإنّ أيّ عملية عسكرية تتجاوز هذه الحاجة المباشرة للحماية ستكون غير متناسبة". 

خامساً، يقتضي قانون الدفاع عن النفس أيضاً احترام مبدأي الضرورة والتناسب، ويقتضي القانون الإنساني الدولي تطبيقاً صارماً لمبدأ التمييز. وقد انتهكت أميركا هذه المبادئ الثلاثة.

مزاعم الضرورة

الواضح أنّ هجمات الولايات المتحدة غير ضرورية، لأنها لم تتعرّض لهجوم، وعلى أيّ حال، لديها سبل أخرى للانتصاف بشأن شكاواها المتعلّقة بالشحن في البحر الأحمر. يمكنها، أولاً، احترام الحصار البحري المفروض لغرض إنساني والتزاماتها القانونية الدولية بالامتناع عن دعم الكيان الصهيوني لدى انخراطه في احتلال غير قانوني وحصار وإبادة جماعية. ويمكنها سحب سفنها وطائراتها العسكرية من المنطقة ووقف تهديداتها واستخدامها للقوة.

بعد ذلك، السعي إلى حلول دبلوماسية. يمكنها تشجيع السفن على احترام الحصار اليمني، وبالتالي تجنّب الحاجة المتصوّرة للصراع. ونظراً لعلمها بوجود طرق بحرية بديلة إلى البحر الأبيض المتوسط، يمكنها تشجيع السفن على سلوك تلك الطرق. وعلى أيّ حال، لا تنطبق مزاعم الضرورة إلا على استخدام القوة اللازمة لصدّ هجوم مسلّح. فلا يُسمح بها لغرض حماية مصالح اقتصادية أو أمنية مزعومة للدولة. وفي جميع الأحوال، بمجرّد توقّف الهجوم المسلّح، تنتهي الضرورة.

وللسبب نفسه، تنتهك الهجمات الأميركية مبدأ التناسب. لا يمكن الدفاع عن القصف الشامل لليمن، بما في ذلك المدن والمدنيون والبنية التحتية المدنية اليمنية، للغرض المعلن المتمثّل بتسهيل كسر الحصار ومنع السفن التجارية، باعتباره ضمن حدود التناسب.

وأخيراً، انتهكت الضربات الأميركية مبدأ التمييز، بنشر أسلحة كثيفة، وقتل وجرح المدنيين اليمنيين بشكل غير متناسب، والذين وصل عددهم الآن إلى المئات، وكثير منهم أطفال ونساء.

شهوة دموية منفلتة

إنّ تنامي خروج الولايات المتحدة وحلفائها عن القانون، ومدى استعدادهم لمواصلته دعماً لإبادة جماعية يرتكبها الكيان الصهيوني بفلسطين، يدقّ ناقوس الخطر عالمياً. لكنّ الطريقة الغادرة التي يسعون بها لقلب القانون والمنطق رأساً على عقب، متنكّرين بدور منفّذي القانون بينما يموّلون الإبادة الجماعية، وسعيهم لتصوير اليمن كخارج عن القانون حتى مع تصعيده ضدّ الإبادة الجماعية، تجعل جرائمهم أكثر فظاعة.

يؤكّد مخيبر أنّ الهجمات على اليمن ليست سوى أحدث مظهر من مظاهر شهوة دموية استعمارية منفلتة تحرّك السياسة الخارجية الأميركية والبريطانية والألمانية والغربية الأخرى.

فهم اليوم يمتلكون القوة العسكرية لفرض إرادتهم على معظم العالم. لكن سيتعيّن عليهم القيام بذلك من دون قناع الشرعية وأيّ مظهر أخلاقي. 

في هذه الأثناء، يُظهر أنصار الله باليمن للعالم معنى أن يكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ ومن معادلة الإبادة الجماعية.