الصهيونية ليست إلا إرهابا يهوديًا بقرار غربي

الصهيونية رخصة لإبادة جميع الفلسطينيين، وجميع اللبنانيين، وكل من ترى "إسرائيل" أن من المناسب إبادته في أي لحظة في الشرق الأوسط.

  • الصهيونية رخصة للإبادة.
    الصهيونية رخصة للإبادة.

في عام 1993، أنتج المخرج والمنتج اليهودي الأميركي، ستيفن سبيلبرغ، فيلم "قائمة شندلر"، الذي يروي قصة أوسكار شندلر. وهو صناعي ألماني مسيحي أنقذ أكثر من ألف لاجئ، معظمهم من يهود بولندا، من محرقة "الهولوكوست" بتوظيفهم في مصانعه خلال الحرب العالمية الثانية. اعتبر الفيلم لدى عرضه ملحمة كبرى، وحقق نجاحًا فاق ما سبقه ولحقه من أفلام "الهولوكوست" التي قدمت يهود أوروبا في قالب الضحية والمظلومية.  

يستدعي الكاتب الإسرائيلي المعادي للصهيونية، ألون مزراحي، هذا الفيلم في سياق ساخر قائلاً: إنه يتوقع تمامًا أن ملحمة ستيفن سبيلبرغ المقبلة عن محنة اليهود في أميركا وبريطانيا وأوروبا ومستعمرات أخرى في العصر الحديث، ستحمل عنوان "قائمة إبستين". 

أما جيفري إبستين (1953-2019) فهو ملياردير يهودي أميركي عُرف بعلاقاته الواسعة بشخصيات بارزة ماليًا وسياسيًا. وبعد تحقيقات وإجراءات قضائية، أقر إبستين باستدراج قاصرات لممارسة الدعارة، وسُجن 13 شهرًا. وأكدت تحقيقات فيدرالية أن هناك 36 ضحية على الأقل، بعضهن لم يتجاوز 14 عامًا. 

في 2019، قُبض عليه مجددًا بتهم الاتجار الجنسي بالقاصرات، ثمّ وُجد منتحرًا أو "مُستنحرًا" شنقًا في زنزانته. ضيوف "قائمة إبستين" التي يقترحها ساخرًا مزراحي كعنوان لفيلم جديد، تضم أسماء مثل دونالد ترامب، الذي يُبتَز إسرائيليًا بفيديوهاته المصورة في ضيافة إبستين المرجّح أن يكون عميلاً للموساد الإسرائيلي. 

الصهيونية رخصة للإبادة

قبل عامين تقريبًا، وفي أول نص له بالإنكليزية، أكد مزراحي كما أكد غيره قاعدة بسيطة: الصهيونية هي ما تفعله الصهيونية، وخاصةً ما تفعله بالآخرين. بعد أشهر طويلة من محرقة غزة، وفي ضوء هجوم "إسرائيل" المتوسع والمتفاقم على جيرانها والأعراف الدولية والإنسانية نفسها، ينبغي تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة.

ولا داعي للإسهاب في الحديث عن "إسرائيل" والصهيونية في هذه المرحلة. في الواقع، يُعدّ الإيجاز صفةً أساسيةً لمكافحة الغموض الأخلاقي والفلسفي الذي يزدهر فيه الخطاب الصهيوني، كما هي الحال مع كل ما هو سفسطة.

لقد تجلى له الإدراك المعبّر عن الحقيقة بكل قوته ووضوحه. الصهيونية رخصة غربية لليهود لإرهاب البشرية، في كل مكان وكيفما يشاؤون.

الصهيونية رخصة لإبادة جميع الفلسطينيين، وجميع اللبنانيين، وكل من ترى "إسرائيل" أن من المناسب إبادته في أي لحظة في الشرق الأوسط. إنها رخصة لفرض الرقابة، أي الإرهاب، على مليارات البشر وتهديد حرياتهم وسبل عيشهم باستخدام مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، ومحركات البحث، وجميع أشكال التنصت والفاشية التكنولوجية المتاحة لأي حكومة غربية أو مدعومة من الغرب في أي لحظة.

الصهيونية رخصة غربية لتجويع وتشويه ملايين الأطفال المحتملين وتقطيع أطرافهم، ولشن حملة دولية للدفاع عن هذه الوحشية وتصوير معارضيها أشرارًا ومختلين عقليًا، أو أعداءً للمجتمع بحكم القانون.

الصهيونية رخصة غربية لليهود لتلقي مساعدة ودعم غير مشروطين ولا نهاية لهما، بغض النظر عن جنون أهدافهم الجماعية المعلنة أو فساد أفعالهم الظاهرة.

ترهيب ورقابة وتجسس وتدمير

كيف يمكن لأحد أن يدافع عن هذا؟ لا أحد يستطيع ذلك. للدفاع عن هذا المسعى الذي لا يمكن الدفاع عنه، لا بد من الترهيب والرقابة والتجسس والتعنيف والتدمير. أنت بحاجة إلى قوة الدولة الساحقة إلى جانبك. لا يمكنها الصمود في نقاش حر ومفتوح، ولهذا السبب لم تكن الصهيونية موضوعًا لمثل هذا النقاش. حتى المجتمعات اليهودية، ولا سيما المجتمعات العربية اليهودية، تعرضت للتلاعب والاستغلال والكذب في محاولة وحشية لإخضاعها للصهيونية.

حتى هذه اللحظة من التاريخ، يعارض غالبية المواطنين في كل دولة غربية أفعال "إسرائيل" البغيضة. ومع ذلك، تواصل كل حكومة غربية تقريبًا دعم "إسرائيل" وحمايتها، وتستخدم أساليب قمع وحشية ضد شعبها دعمًا لمحرقة مفتوحة.

ما هذا إن لم يكن حملة إرهاب عالمية؟

ما هذا إن لم يكن ترخيصًا بأن تكون استثنائيًا إلى درجة لا تنطبق عليك أي معايير أو قواعد أو قوانين؟

ما هذا إن لم يكن ادعاءً، ولو ضمنيًا، بأن اليهود موجودون بمنأى عن حكم البشرية، وعن الآليات الطبيعية التي يمتلكها الناس لممارسة هذا الحكم والتعبير عنه؟

وسؤال آخر لا بد من طرحه: لماذا يضع أي شخص أي جماعة في هذا الموقف البارز والخطير للغاية ولا يمكن الدفاع عنه، إلا إذا كان يريد أن يكون أعضاؤها مكروهين ومحتقرين عالميًا وبعمق؟ 

الجحيم مآلاً نهائيًا 

كيف يُعقل أن يكون ما هو واضح لكل أفراد البشرية تقريبًا مجهولًا تمامًا، لا فقط لمؤسسات السلطة الغربية، بل أيضًا من المحرمات (التابوهات) السياسية في الغرب؟

ما المحرم هنا إن لم يكن شكلاً من الإرهاب "المرخّص" قانونيًا؟

كل هذه الترهات المهينة، تلك الترهات البسيطة، التي حُمّلت بلا نهاية في وعي البشرية برخصة غربية صريحة لليهود الصهاينة لتشويش المجتمعات وتضليلها وإرباكها وإرهابها، وهو ما يجب تفريغه وإعادته إلى مُرسِله. 

وُلد مزراحي يهوديًا لأسلاف عريقة من اليهود العرب والسفارديم من المغرب وفلسطين. ويكره الامتيازات، وخاصةً تلك التي اكتسبها من الغرب المريض وأيديولوجية الصهيونية الأكثر مرضًا. ولا يريد أيًا منها. ففكرة إفزاع طفل واحد ولو للحظة تُثير غضبه. ولا يفهم كيف يُمكن لأي شخص أن يأخذ ما تفعله "إسرائيل" من دون أن يهتزّ كيانه. ويُقرّ بأن الصهيونية إرهاب يهودي، ويتبرّأ منها، ويرى حتمية إرسالها إلى الجحيم، حيث تنتمي.

يختم الكاتب بأنّ فيلم سبيلبرغ بعنوان "قائمة إبستين" لن يُنتج أبدًا... والسبب ظاهرٌ تمامًا. 

إبادة وفصل عنصري وتطهير عرقي

بدورها، وفي السياق نفسه، تقول الكاتبة الأسترالية المستقلة، كايتلين جونستون، إننا دائمًا نجد المبررين لأفعال "إسرائيل" يهاجمون مناهضي الصهيونية بالقول: "الصهيونية تعني ببساطة حق تقرير المصير لليهود! إذا كنت تكره الصهيونية، فأنت تكره اليهود!"

ترد جونستون: لا، هذا ليس ما تعنيه الصهيونية. فالصهيونية تعني بالضبط ما نراه اليوم: إبادة جماعية، تطهير عرقي، فصل عنصري، عنف متواصل، والمعاملة المسيئة. هذا ما تعنيه الصهيونية. ومعاداة الصهيونية تعني معارضة هذه الأمور. 

ببساطة، لا جدال أو حجة تثبت عكس ذلك. هذا ما تبدو عليه الصهيونية بلا منازع. لا يوجد أي واقع بديل آخر للصهيونية يمكن الإشارة إليه. أي واقع لا تحدث فيه إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وفصل عنصري، وعنف متواصل وإساءة بالغة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تبدو عليها الصهيونية. لقد جرى تطبيق التجربة الصهيونية، وهذه هي نتائجها.

إن محاولة الجدال بأن الصهيونية لا تعني الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، والعنف المتواصل والمعاملة المسيئة، هي تمامًا مثل محاولة الجدال بأن النازية لا تعني كل ما حدث في زمن التجربة النازية. النازية تعني كل ما حدث في ظلها. لا يمكنك أن تقول بشكل مشروع: "لا، في الواقع، النازية تعني ببساطة وطنًا آمنًا ومزدهرًا للشعب الألماني". لقد رأينا كيف تكون النازية، ورأينا كيف تكون الصهيونية. إن الجدال بخلاف ذلك هو قولٌ مُخالفٌ للواقع.

إنه لأمرٌ مُزعجٌ كيف يُردد مؤيدو "إسرائيل": "الصهيونية تعني هذه الأشياء الجميلة والكلمات الجميلة، فإذا كنتَ ضد الصهيونية فأنتَ ضد الأشياء الجميلة والكلمات الجميلة!" 

ترد جونستون: لا، أيها الحمقى، ما هكذا تسير الأمور. من حقكم التعبير عن آرائكم الخاصة بكم، ولكن ليس عن واقعكم الخاص. فـ"إسرائيل" هي ما تفعله. الصهيونية هي ما تفعله. لا يمكن فصلهم عن أفعالهم. لقد حسم واقع ما يحدث الجدل حول حقيقة هذه الأمور. 

ليس مهمًا إن كان أنصار "إسرائيل" يعتقدون أنها تريد فقط العيش بسلام، أو كانوا يعتقدون أن الصهيونية مجرد فكرة أن اليهود يستحقون تقرير المصير. الواقع يقول إنهم مخطئون تمامًا، وإن "إسرائيل" والصهيونية تعنيان عنفًا وانتهاكًا متواصلين، وإن "إسرائيل" والصهيونية تنطويان بالضرورة على إبادة جماعية وفصل عنصري وتطهير عرقي. لأن هذا هو الواقع على الأرض.

هذه هي الحقائق. وإن كان هناك من لا يقبلها، فهو مخطئ موضوعيًا وأخلاقيًا على الأقل!