السياسة الإسرائيلية تجاه الجبهة الفلسطينية في قطاع غزة

تستغل "إسرائيل" الوقت لفرض وقائع على الأرض قبل وصول القوات الأجنبية، لأن شن مزيد من الهجمات واتخاذ قرارات بتنفيذ عمليات عسكرية سيصبح أكثر صعوبة عندما تتمركز القوات متعددة الجنسيات على الأرض.

0:00
  • "إسرائيل" تستغل الوقت لفرض وقائع على الأرض.

تتزايد حدة التهديدات الإسرائيلية باستئناف العدوان على مختلف جبهات المقاومة، ولم تلتزم "إسرائيل" عملياً باتفاقات وقف إطلاق النار في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، بيد أنها انتقلت من مرحلة العدوان المكثف إلى مرحلة العدوان المركز، دون أن تواجه بردود عسكرية من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، حرصاً منهما على عدم منح الحكومة الإسرائيلية الذريعة للعودة إلى استئناف حرب الابادة الجماعية، الأمر الذي يعني أن وقف إطلاق النار ما زال هشاً وعلى الورق فقط.

وتتصاعد وتيرة التهديدات المتبادلة بين "إسرائيل" من جهة وإيران واليمن من جهة أخرى، وشهدت الجبهة السورية مؤخراً مواجهة بين قوة إسرائيلية توغلت في قرية بيت جن ومجموعة سورية أسفرت عن شهداء سوريين وجرحى من "الجيش" الإسرائيلي، عدد منهم بصورة بالغة، ولم تسفر المباحثات بين الجانبين السوري والإسرائيلي عن أي تفاهمات أمنية حتى اللحظة، ما يبقي مختلف الجبهات في حالة اللاسلم واللاحرب، فلم يعم الهدوء بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، ولم تضع الحرب أوزارها بعد.

السياسة الإسرائيلية تجاه الجبهة الفلسطينية في قطاع غزة تعمل على محاكاة النموذج اللبناني. وعلى الرغم من الرغبة الإسرائيلية في رفع مستوى العدوان المركّز على قطاع غزة وتحويله إلى سلوك اعتيادي أكثر كثافة دون أن يواجه بانتقادات دولية، أو يتهم باختراق وقف إطلاق النار، بيد أن الواقع الفلسطيني في قطاع غزة أكثر تعقيداً من الجبهات الأخرى، ولا سيما الجبهة اللبنانية.

تعتقد "إسرائيل" أن الولايات المتحدة ترغب في الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، فيما تتذرع بأن الطرف الفلسطيني لم يُعد بعد آخر جثتين محتجزتين في قطاع غزة، إحداهما جثة إسرائيلية، كما أن المقاومة ترفض نزع أسلحتها، الأمر الذي تعتبره "إسرائيل" مبرراً لها لاعتماد سياسة عدوانية، تدّعي أنها تهدف إلى منع المقاومة الفلسطينية من إعادة بناء قوتها، كما زادت حوادث إطلاق النار تجاه المدنيين الفلسطينيين بمجرد اقترابهم مما يسمى بالخط الأصفر،  ونفّذ "الجيش" الإسرائيلي عدداً من الاغتيالات لكوادر المقاومة تحت حجج واهية، على غرار منع تنفيذ هجوم وشيك على قواته، أو كرد فعل على خرق عناصر المقاومة في رفح وقف إطلاق النار، وغيرها من الادعاءات التي لا يصدقها أحد، حتى باتت أوساط في المعارضة الإسرائيلية تتهم حكومة بنيامين نتنياهو بالسعي للعودة إلى الحرب والعمل على إجهاض الخطة الأميركية لوقف إطلاق النار في غزة.

تدرك الحكومة الإسرائيلية أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار سيفرض عليها خطوات لا ترغب في البدء بها، مثل فتح معبر رفح، وزيادة المساعدات الإنسانية، وبدء المرحلة الثانية من عملية الانسحاب إلى شرق الخط الأصفر بعدة كيلومترات، وذلك بعد إنشاء قوة الاستقرار الدولية التي لم يُحدَد موعد بعد لوصولها، ويُعتقد أن تشكيل ونشر القوة الدولية سيأخذ مزيداً من الوقت، وتسعى الحكومة الإسرائيلية لعرقلة مساعي تشكيل القوة من خلال رفضها وجود قوات من دول مختلفة، لا سيما تركيا وقطر وباكستان، وتدعي "إسرائيل" أن هناك دولاً عربية تتردد في المشاركة تجناً لأي احتكاكات محتملة مع فصائل المقاومة، وتروّج الحكومة الإسرائيلية لسردية عدم قدرة القوات الدولية على نزع سلاح المقاومة التي لن تفعل ذلك طوعاً، وتروّج الحكومة الإسرائيلية بأن الجهات كافة، بما فيها الولايات المتحدة والقوات الدولية، لن تتمكن من نزع سلاح المقاومة، وأن الجيش الإسرائيلي فقط هو الذي سيقوم بالمهمة في نهاية الأمر.

الإدارة الأميركية تدرك أنها منحت حليفتها أكثر من عامين تخللهما دعم عسكري وسياسي ومالي غير مسبوق. وخلال حرب العامين، مارست "إسرائيل "حرب إبادة شاملة على قطاع غزة، بيد أنها فشلت في إخضاع المقاومة الفلسطينية، ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الاعتراف بأن الحكومة الإسرائيلية لم تستطع القضاء على المقاومة الفلسطينية أو حسمها عسكرياً، ما يعني أن الإدارة الأميركية باتت مقتنعة بأن على "إسرائيل" أن تنخرط في مسار سياسي في إطار خطة العشرين بند للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن خسائر أميركا و"إسرائيل" من استمرار الحرب أكبر من المكاسب.

تستغل "إسرائيل" الوقت لفرض وقائع على الأرض قبل وصول القوات الأجنبية، لأن شن مزيد من الهجمات واتخاذ قرارات بتنفيذ عمليات عسكرية، سيصبح أكثر صعوبة عندما تتمركز القوات متعددة الجنسيات على الأرض، فضلاً عن احتمالات إصابة أو مقتل عناصر من القوة الدولية. 

تقدّر الحكومة الإسرائيلية أن المقاومة الفلسطينية لا مصلحة لها في نسف التفاهمات، ويبدو أن الطرف الفلسطيني يقدر كذلك أن "إسرائيل" لا تستطيع العودة إلى الحرب الواسعة، بيد أن الأخيرة تدرك أنها لم تحسم المعركة على الجبهة الفلسطينية عموماً، وفي قطاع غزة تحديداً، وتراهن على عرقلة خطط نشر القوات الدولية ووضع فيتو على دول محددة، الأمر الذي يسمح لها بالاستمرار بمرحلة العدوان المركز على قطاع غزة لأطول فترة متاحة، ما يمكنها من استهداف مزيد من كوادر المقاومة والمدنيين الفلسطينيين، والسعي لفرض وقائع على الأرض، وتوسيع مناطق السيطرة غرب "الخط الأصفر"، وبالتالي تأخير وإعاقة استحقاقات المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً أوسع للقوات الإسرائيلية، وبدء الإعمار، وفتح معبر رفح، وتوسيع الإغاثة، وبالتالي العودة إلى السياسة الإسرائيلية المعهودة بتحويل ما هو مؤقت إلى دائم، بيد أن التغيرات المتسارعة في المنطقة وحالة اللاسلم واللاحرب قد تتيح لـ"إسرائيل" الاستمرار في سياساتها العدوانية من جهة، إلا أنها لن تمنحها الأمن والاستقرار من جهة أخرى، ومن يقدر على الصمود أكثر هو من سيحسم المعركة لمصلحته في نهاية الصراع .