التعاون ضد محور المقاومة.. الأمن القومي العربي إلى أين؟
شكلت الشراكة العسكرية السرية بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية والإسلامية سابقة قد تؤدي إلى تعميق اندماج المصالح الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين هذه الدول و "تل أبيب" في ظل رعاية أميركية.
-
أوجه التعاون العربي الإسرائيلي ضد المقاومة.
ما إن تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحركة المقاومة الإسلامية حماس، حتى بدأت معلومات تتسرب عن خلفيات ومجريات العدوان والأطراف الذين شاركوا فيه من خلف الستارة داعمين لـ"إسرائيل".
والمفارقة في الموضوع أن الدعم لـ "إسرائيل" لم يكن قاصراً على القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، بل إنه تجاوز ذلك إلى تعاون عسكري بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية والإسلامية، في ما يعتبر تطوراً جذرياً على صعيد التحالفات في المنطقة، والتي كانت محكومة في السابق بمنطق الصراع العربي الإسرائيلي، والتي كانت تضع الدول العربية والإسلامية حكماً في موقع المعادي لـ"إسرائيل" لا المتحالف معها.
أوجه التعاون العربي الإسرائيلي ضد المقاومة
كشفت التسريبات التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر في 11 تشرين الأول أكتوبر 2025 عن بعد استراتيجي حساس في العلاقات الأمنية بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية والإسلامية، من خلال ما سُمي "المنظمة الإقليمية للأمن" التي تقوم بتنسيق أعمالها القيادة المركزية الأميركية، ما يحمل دلالات عميقة على التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط.
وبناء على الوثائق التي حصلت عليها الواشنطن بوست من شبكة التحقيقات الدولية، فقد تبين أن الدول التي تعاونت عسكرياً وأمنياً مع "إسرائيل" خلال العدوان على غزة ضمت كلاً من الأردن والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، فيما تم التلميح أيضاً إلى مشاركة الكويت وسلطنة عمان من دون تقديم دليل مادي على ذلك.
وقد شكلت قطر والبحرين والأردن محطات التنسيق الأمني والعسكري الرئيسية، حيث أُقيمت اجتماعات وجرى تنسيق خطط وتدريبات مشتركة بإدارة السنتكوم التي استحصلت على تسهيلات من منظومة "فايف ايز"، التي تشكل إطار تعاون استخباري بين الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا.
وذكر التقرير انعقاد اجتماع في أيار / مايو 2024 في قاعدة العديد في قطر، شارك فيه ضباط استخبارات إسرائيليون جاؤوا بلباسهم المدني للتمويه. ووفق الوثائق فقد تم تنسيق الأنشطة العسكرية والأمنية بين الدول العربية و"إسرائيل" بدءاً من العام 2022، ما قد يؤشر إلى أن استعدادات "إسرائيل" للعدوان على غزة كانت قد بدأت قبل وقت طويل من إطلاق حماس عملية طوفان الأقصى.
ومن ضمن مجالات التعاون كانت أعمال تنسيق عمل أسلحة الدفاع الجوي بين الدول المذكورة لمواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية. وبحلول عام 2024، كانت بعض الدول قادرة على الحصول على مسح جزئي لمنطقة الشرق الأوسط من خلال أنظمة الدفاع والاستشعار الأميركية بغية تطوير أداء دفاعاتها الجوية. إضافة إلى ذلك، فإن التعاون شمل تدريبات لصد الهجمات عبر الأنفاق حيث تشير وثيقة إلى تدريبات جرت في كانون الثاني/ يناير 2025 في قاعدة فورت كامبل بولاية كنتاكي في الولايات المتحدة حول طرق اكتشاف الأنفاق وتعطيلها وتدميرها.
وقد ركزت أعمال التنسيق على تبادل المعلومات وتنسيق الجهود الاستخبارية ضد إيران بغية ضرب مصداقيتها وتفنيد سرديتها التي تقدمها على أنها حامٍ للفلسطينيين والترويج في المقابل لمشاريع الشراكة والتنمية الإقليمية. وفي هذا الإطار فإن الدول آنفة الذكر، إضافة الى "إسرائيل" والولايات المتحدة، ستقوم في العام 2026 بإنشاء مركز مشترك للإنذار المعلوماتي بغية دمج المعلومات التي تجمعها أجهزة استخبارات هذه الدول عن إيران وقوى المقاومة.
كذلك فإن التعاون شمل أيضاً البعد السيبراني، حيث تم اقتراح مركز إقليمي مشترك للأمن السيبراني بهدف تسريع التنسيق في مجال الحرب السيبرانية ضد المقاومة في فلسطين وضد إيران وحلفائها. كما تضمنت الوثائق خطة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، والتي تدعو إلى مشاركة الدول العربية في قوة دولية بتدريب قوة شرطة فلسطينية لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
دوافع الدول العربية للتعاون مع "إسرائيل"
كان هنالك عدد كبير من الأسباب التي دفعت الأنظمة الحاكمة في هذه الدول إلى التعاون مع "إسرائيل" وعلى رأسها اعتبار حماس عاملاً مهدداً لعملية التطبيع مع "إسرائيل" والتي تتحمس لها خصوصاً دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين وتركيا بغية الحصول على رساميل غربية من دوائر تؤثر عليها تل أبيب، في ظل خطط للتحول الاقتصادي في هذه الدول.
لذا فإن هذه الدول رأت في حركة حماس ومعها حركات المقاومة في لبنان والعراق واليمن إضافة الى سوريا في ظل الرئيس بشار الأسد تهديداً لعملية التطبيع، علماً أن فصائل المقاومة هذه كانت مدعومة من إيران التي تصفها الوثائق المسربة بأنها رأس محور الشر.
وبالنسبة إلى هذه الدول فإن "إسرائيل" تمتلك قدرات عسكرية واستخبارية متقدّمة يمكن أن تضيف قيمة حقيقية في معركة الردع ضد الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية.
والجدير ذكره أن هاجس ضمان الأمن والاستقرار لحكم أسر خليجية كان أحد العوامل التي دفعت أبو ظبي والرياض إلى التشجع للدخول في تعاون كهذا. فهاتان الدولتان تخشيان من احتمال صعود نفوذ الجماعات المتشددة في الداخل.
لذا فهما تريان في التعاون مع "إسرائيل" رصيداً كبيراً يعزز موقعيهما كجهتين أمنيتين مركزيتين في تحالف غربي يُعتمد عليه لحماية هذه الأنظمة.
وتطمع هذه الدول في الحصول على تكنولوجيا متقدمة من "إسرائيل" التي تُعرف بتفوقها خصوصاً في المجالات الاستخبارية، والسيبرانية، والتكنولوجيا العسكرية.
من خلال هذا التعاون، تسعى هذه الأنظمة العربية إلى الاستفادة من هذه الخبرات وربط نفسها بمنظومات القيادة الأميركية لضمان الحماية لنفسها. والجدير ذكره أن الأمر تم بسرية تامة خشية من رد فعل الشارع العربي الذي كان متحمساً للمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة خلال المواجهة ضد "إسرائيل" على مدى العامين الماضيين.
النتائج المحتملة
شكل هذا التحالف الأمني السري بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية تحولاً كبيراً في موازين القوى، خصوصاً لجعل "إسرائيل" شريكاً محورياً لهذه الدول بعدما كانت معزولة على مدى العقود الثمانية التي تلت تأسيسها. وهو يمهد لتعزيز الهيمنة الأميركية على منطقة الشرق الأوسط، وهو الهدف الاستراتيجي الذي سعت إليه واشنطن منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك بغية تحويل أنظارها إلى جبهات أخرى خصوصاً في مواجهة الصين وروسيا.
ومن شأن هذا زيادة الضغط على إيران في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بتحريك جبهة جديدة في جنوب القوقاز ضد طهران وموسكو، عبر إقامتها تحالفاً تركياً أرمينياً آذرياً وممراً برياً يهدف إلى تمكين الأميركيين من الانتقال إلى الضفة الشرقية من بحر قزوين، تحديداً في تركمانستان، وإحداث حالة اللااستقرار في منطقة آسيا الوسطى التي تعتبر الخاصرة الرخوة في الأمن القومي الروسي والإيراني والصيني.
إضافة الى ذلك فإن واشنطن تسعى من خلال ذلك إلى شل أحد أجزاء مبادرة حزام وطريق الصينية وهو الطريق البري الذي يفترض أن يمر عبر وسط آسيا. ومن شأن هذا التعاون السري أن يتحول إلى تحالف عسكري العني يتخذ شكل مهام عسكرية مشتركة في إطار تشكيل قوة حفظ سلام في غزة. كذلك فإن من شأنه التطبيع الكامل في العلاقات بين "إسرائيل" والعرب وهو ما كان مستحيلاً في السابق.
لقد شكلت الشراكة العسكرية السرية بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية والإسلامية سابقة قد تؤدي إلى تعميق اندماج المصالح الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين هذه الدول و "تل أبيب" في ظل رعاية أميركية. ومن شأن هذا التعاون، إعادة هيكلة التحالفات في الشرق الأوسط إلى إعادة هندسة دور الدول العربية في الأمن الإقليمي لمصلحة خدمة "إسرائيل" على حساب الأمن القومي العربي.