إيران بين العقوبات القصوى والتفاوض مع الأميركي

إيران استطاعت الالتفاف على العقوبات من خلال إنشاء "أسطول ظل" يضم مئات الناقلات البحرية التي ترفع أعلاماً أجنبية، لكن ترامب يعتمد على تقارير منظمات غير حكومية وتقارير استخبارية ترصد السفن الإيرانية المتوجهة إلى الصين.

0:00
  • تجربة إيران في التفاوض مع الأميركي غير مشجعة.
    تجربة إيران في التفاوض مع الأميركي غير مشجعة.

يعدّ الاقتصاد المشكلة الأساس في الداخل الإيراني، وقد تفاقمت الأزمة بعد تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي عام 2018 وفرضها عقوبات قصوى على طهران.

تعرضت إيران العام المنصرم لانتكاسات إقليمية أسفرت عن إسقاط النظام في سوريا بعد الضربة التي تلقاها حزب الله إثر حرب إسناد غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023.

أصبحت إيران خارج المعادلة في سوريا، لكن بقيت مصالحها هناك، وهي لا تزال منفتحة على التعامل مع الحكومة الجديدة في سوريا كوسيلة للحفاظ عليها، معتمدةً سياسة مماثلة لتلك التي تنتهجها مع حركة طالبان الإسلامية في أفغانستان، أي الانخراط دبلوماسياً مع حماية المصالح الأمنية والتجارية.

وعلى الرغم من النقاش المعمق الذي أثارته الأحداث في سوريا بين المحافظين والإصلاحيين في إيران حول جدوى السياسة التي اتبعت في سوريا، فإن الدبلوماسية الإيرانية تعمل على الحفاظ على مصالحها في علاقتها مع تركيا وسوريا، على الرغم من أن الإدارة السورية الجديدة حظرت في خطوة أولى جميع الواردات من إيران، ومنعت الإيرانيين من دخول سوريا.

في ظل هذه الأحداث، وصف ترامب إيران بأنها ضعيفة و"متوترة للغاية" و"خائفة " من هجوم إسرائيلي على مشروعها النووي، واعتقد أن بإمكانه إخضاعها لسياسة العصا والجزرة وعقد اتفاقية معها بشروطه. لكنّ إيران ردّت بأنها لا تزال تملك نفوذاً قوياً في ظل برنامجها النووي، الذي أصبح أكثر تقدماً، وترسانتها الصاروخية المتطورة وقدرتها على خوض مجابهة.

تجربة إيران في التفاوض مع الأميركي غير مشجعة

تعددت الآراء في إيران اتجاه التفاوض مع واشنطن، واصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان انتقاداته لإعادة فرض "الضغوط القصوى" على طهران، فيما عدّ البرلمان الإيراني "التفاوض مع واشنطن ليس محظوراً لكنه ضار".

وكان الرئيس الإيراني قد انتقد تعامل القوى العالمية مع قضايا حقوق الإنسان، وقال إن تحقيق الاستقرار في المنطقة "يتطلب التخلي عن العنف، والانتقال إلى سياسة الحوار البنّاء والتعاون الإقليمي".

فيما رأى السيد علي خامنئي أن إيران فاوضت الغرب وقدمت التنازلات لعقد اتفاق عام 2015 ما لبثت الولايات المتحدة أن تراجعت عنه عام  2018 مع أن برنامج إيران سلمي، وهي لا تسعى لإنتاج القنبلة النووية، لكنها باتت تملك القدرة اليوم، لو أرادت.

يحاول ترامب البناء على المعلومات التي تفيد بتراجع نفوذ إيران، وانخفاض قوتها العسكرية، ويرى أنها أصبحت في موقع دفاعي ضعيف، بعد الهجوم الذي شنته "إسرائيل" في 26 تشرين الأول/أكتوبر، إذ ادّعت "إسرائيل" بأنها قضت على القوة الدفاعية الإيرانية، رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف "تل أبيب" ومناطق عديدة في "إسرائيل" في مطلع الشهر نفسه.

وفي تصريحاته، أبدى ترامب رغبته في التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، وقال إن الحل الدبلوماسي أفضل من الحل العسكري، وتعهد بأن"إسرائيل لن تقصف إيران إذا توصلت إلى اتفاق مع واشنطن"، مؤكداً أنه سيبرم اتفاقاً معها.

إلا أن توقيع ترامب على مرسوم رئاسي يقضي بإعادة فرض سياسة "أقصى الضغوط" على طهران تماماً كما كان متوقعاً، كان "صادماً" للإيرانيين. والإعلان عن فرض وزارة الخزانة الأميركية العقوبات على أفراد وناقلات تساعد في شحن النفط الخام الإيراني إلى الصين.

دان الإيرانيون الخطوة،  وقال وزير الخارجية عراقتشي إن الضغوط القصوى جرّبت وكانت فاشلة. وأكد أن بلاده "لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية". رغم فرض العقوبات، لا يزال الإصلاحيون يعتقدون بجدوى التفاوض في إزالة العقوبات.

لا شك أن إيران استطاعت الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها من خلال إنشاء "أسطول ظل" يضم مئات الناقلات البحرية التي ترفع أعلاماً أجنبية، لكن ترامب يعتمد على تقارير منظمات غير حكومية وتقارير استخبارية ترصد السفن الإيرانية المتوجهة إلى الصين.

ينتقد المحافظون سياسة الحكومة التي تسعى إلى أخذ تفويض من المرشد الأعلى الذي عدّ المفاوضات خطوة "ليست ذكية أو حكيمة أو مشرفة مع الولايات المتحدة، ولن يكون لها تأثير في حل المشكلات في الداخل".

وقال إنه إذا تمت مهاجمة إيران فسترد الهجوم، وهو بذلك يرد على ترامب بأن قدرات إيران لم يتم إنهاؤها كما تدّعي "إسرائيل"، وهو كلام موجّه أيضاً إلى الداخل الإيراني بأن بلادهم ليست ضعيفة ولديها خيارات.

ينقسم الإيرانيون بين من يعتقد بأن المرشد الإيراني الأعلى قد أغلق باب التفاوض بين طهران وواشنطن، وآخرين يرون عودة سياسة الضغوط القصوى الأميركية، وهناك من يرى أن ترامب هو رجل الصفقات، لذلك يجب اتباع منطق الصفقات الاقتصادية معه.

لا يبدو ترامب في عجلة من أمره للموافقة على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، كما يريد نتنياهو الذي كان يتوقع إقناعه بذلك خلال زيارته، لكنه اعتمد إستراتيجية "أقصى الضغوط" من خلال فرض عقوبات اقتصادية من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات وفرض اتفاق قاس يهدف بشكل خاص إلى شل قدرات طهران على تصدير النفط الذي يُعدّ المصدر الرئيس لإيراداتها.