إيران إلى التفاوض أم الحرب؟

ليس من الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب سيجد مخرجًا، خاصةً إذا تشبّث بوقف التخصيب تمامًا كأساس للاتفاق مع إيران. وإذا لم يفعل، فسيتعيّن عليه إما الانضمام الكامل إلى الحرب أو البقاء خارجها.

0:00
  • هل تريد الولايات المتحدة الحرب أم التفاوض؟ 
    هل تريد الولايات المتحدة الحرب أم التفاوض؟ 

انتهت الحرب بين إيران والكيان الإسرائيلي منذ شهرين تقريباً ولا تزال المفاوضات من أجل اتفاق نووي جديد متوقفة وتخضع لنقاشات إيرانية داخلية. في هذا الوقت، تقوم فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالضغط على طهران، والتهديد بفرض عقوبات عليها، وتفعيل آلية "إعادة فرض العقوبات" في نهاية شهر آب/أغسطس من خلال مجلس الأمن.

ستكون إيران مكشوفة، من دون التصدي الدبلوماسي لكل من الصين وروسيا. العقوبات تشمل حظراً كاملاً على الأسلحة، وحظراً شاملاً على تخصيب اليورانيوم، و  تجارب الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس حربية نووية، كما على نقل التكنولوجيا والمساعدة التقنية في مجال الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، ستفرض تجميد الأصول وحظر السفر الدولي على المسؤولين والكيانات الإيرانية، وسيسمح للدول بتفتيش طائرات الشحن الإيرانية وسفن شركة الشحن الوطنية للعثور على البضائع المحظورة. أي ستكون "العقوبات أشد ضررًا من الحرب". 

يحتمل أن تكون إيران هذه المرة أخطر ساحات الحرب في المنطقة. من الواضح أنها أصبحت الآن في دائرة استهداف الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين معاً، وبصورة تنذر بقرب وقوع حرب كبيرة معها.

بعد حرب الـ12 يوماً، خرج الرئيس ترامب ليزعم أن البرنامج النووي الإيراني قد تم تدميره تماماً، وكذلك مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، معتبراً ذلك إنجازاً استراتيجياً لم تكن تقدر عليه إلا الولايات المتحدة وحدها. وكان يعني  أنه لم يبق من هذا البرنامج النووي ما يمكن التفاوض عليه مع إيران.

هل تريد الولايات المتحدة الحرب أم التفاوض؟ 

"إسرائيل" التي اغتالت أبرز القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، أعلنت أنها دمّرت نظام الدفاع الجوي الإيراني. هدفت "إسرائيل" إلى إفقاد الإيرانيين ثقتهم بأنفسهم وتدمير معنوياتهم، لكن إيران عرفت كيف ترد  بصواريخها التي فاجأت الإسرائيليين لما أحدثته من خسائر غير متوقعة، وأجبرتهم على الاحتماء بالمخابئ طول الوقت، وهو ما زاد من مخاوفهم، وأثّر سلباً في معنوياتهم.

إذا كان الأميركيون قد دمّروا البرنامج النووي الإيراني، وإذا كان الإسرائيليون قد اغتالوا أبرز علماء إيران النوويين، وإذا كان مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب قد جرى تدميره هو الآخر باعتراف الرئيس الأميركي، فما هو الجديد الذي طرأ بعد هذا كله ليدفع الأوروبيين إلى تهديد إيران بإعادة فرض العقوبات عليها بموجب "آلية الزناد" أو "السناب باك" المنصوص عليها في الاتفاق النووي الموقّع معها  عام 2015؟

إيران لم تمتنع عن التفاوض مع الترويكا الأوروبية  رغبة في التوصل إلى اتفاق جديد وعادل، كما أعلنت أيضاً عن استعدادها للتفاوض مع الأميركيين في أي وقت، رغم حربهم الأخيرة عليها، ولم تمتنع عن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم اتهاماتها لمديرها العام غروسي بالتجسس على  نشاطها النووي لمصلحة "إسرائيل". وأبدت مرونة كبيرة في البحث عن اتفاق نووي جديد يساعد في رفع العقوبات المفروضة عليها، التي تخنقها وتدمر  اقتصادها. وهو أكثر ما يشغل بال الحكومة الإيرانية ويستحوذ على اهتمامها.. ويحفزها على مواصلة التفاوض معهم.

واضح أن الهدف من الحرب على إيران هذه المرة ليس الإجهاز بشكل نهائي على برنامجها النووي، وإنما الهدف هو تدمير نظام الحكم الحالي فيها. لأن قطع رأس النظام في طهران سوف يعني نهاية استراتيجية إيران الإقليمية الحالية، كما سوف يخمد تلقائياً حلفاءها في لبنان واليمن والعراق.

تعتقد كل من أميركا و "إسرائيل" بشكل خاص بأنه لا جدوى من ضرب حلفاء إيران بينما يتم الإبقاء على المركز أي طهران، إسقاط النظام يحسم المشكلة من جذورها وينهيها. 

إيران بين التفاوض والحرب 

يسعى الدبلوماسيون الإيرانيون إلى فصل العداء تجاه "إسرائيل" عن الحوار المحتمل مع واشنطن، والحفاظ على مساحة للمفاوضات مع التحوط من فشلها. وقد تشدد الموقف الرسمي تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الدعوات إلى ترتيبات جديدة تتماشى مع التشريعات البرلمانية، وتمنح المجلس الأعلى للأمن القومي الموافقة النهائية.

تضررت بالفعل مصداقية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ودور الوكالة في مجال الرصد. وإذا خلصت طهران إلى أن الانتماء إلى عضوية  المعاهدة لا يمكن أن يحميها من الهجوم، فإن حافزها للبقاء في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية سيتضاءل. تتجه عقيدة الحرب المتطورة في إيران نحو تركيز أكثر وضوحاً على الردع والمرونة والتكرار.

الهدف الرئيسي لإيران الآن هو استعادة قدراتها الدفاعية والصاروخية التي تعرضت لأضرار جسيمة في حرب  الـ 12 يوماً واستعادة القوة. كشفت الحرب عن نقاط القوة والضعف في موقف الردع الإيراني، وأثارت نقاشاً حاداً بين النخبة السياسية والأمنية في البلاد حول كيفية الاستعداد للصراعات المستقبلية.

تحتفظ إيران بالخبرة الفنية الكافية واليورانيوم المخصب، وأصبحت حماية الأصول المتبقية من المزيد من الهجمات الإسرائيلية أولوية استراتيجية، حيث تم إنشاء قيادة مجلس الدفاع الوطني داخل المجلس الأعلى للأمن القومي في 3 أغسطس/آب 2025. ويتولى مؤتمر الحوار الوطني، الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويعمل في مهمة تحديد سياسة الدفاع والأمن الوطنية ضمن المبادئ التوجيهية التي وضعها المرشد الأعلى، ويشير تعيين السياسي المخضرم علي لاريجاني رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي إلى محاولة الجمع بين القيادة المدنية وحرس الثورة الإيراني والأجهزة الأخرى.

الهجمات أخرت أنشطة التخصيب لكنها لم تمحُ المعرفة التقنية الإيرانية أو المخزونات المخصبة. هناك نقاش استراتيجي متزايد في طهران، حول مصداقية الردع  الذي لا يمكن أن يعتمد فقط على الأصول التقليدية والغموض النووي.

ليس من الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب سيجد مخرجًا، خاصةً إذا تشبث بوقف التخصيب تمامًا كأساس للاتفاق مع إيران. وإذا لم يفعل، فسيتعيّن عليه إما الانضمام الكامل إلى الحرب أو البقاء خارجها.

والبقاء خارجها سيتطلب مقاومة للضغط الإسرائيلي، وهذا ليس مؤكداً. وإذا رضخ للضغوط الإسرائيلية مجددًا، فقد تواجه الولايات المتحدة حربًا شاملة مع إيران، لا سيما أن الحرب الأولى لم تقتصر على البرنامج النووي الإيراني، بل كانت تهدف إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط..