في الذكرى الثانية لحصارها:ألا يوجد (ميدان للتحرير) فى قطر ؟!
بعد أكثر من ثماني سنوات على اندلاع ثورات ماسمّي بالربيع العربي؛ الزائف منها والأصيل ،ها هي الإمارة الصغيرة ، قطر ، تعيد إنتاج خطاب ما تسميه بالربيع العربي ،ها هي وعبر فضائيتها الشهيرة (الجزيرة ) وبعض الإعلام الإخواني الموالي تحاول إعادة إنتاج ربيع عربي جديد ، وركوب موجات الغضب الشعبي المشروع ضد الاستبداد ،في محاولة لكسر حصارها الطويل من الرباعي (السعودية – مصر – الإمارات – البحرين ) الذي بدأ في 5/6/2017 ، والذي تحل ذكراه الثانية هذه الأيام.
ها هي قطر تحاول إعادة سناريوهات الربيع المزعوم إنطلاقاً هذة المرة من الجزائر و السودان المُثخن بالجراح ومن ليبيا المليئة بالعقارب الداعشية والإخوانية شديدة السمّية، ولاتزال أيضاً الإمارة الصغيرة تلعب بأوراقها الأخيرة في الأزمة السورية في إصرار شديد على أن ما جرى ولا يزال يجري هناك هو ثورة ، رغم وضوح المؤامرة وإنكشاف أسرارها المؤلمة . ولأن الأمر بات بالغ التهافت ، فإنه يحتاج إلى وقفة نقد جادّة هي أقرب للصرخة في وجه ذلك الخليج المحتل أميركياً والمطبّع إسرائلياً وفي مقدمته تلك الإمارة الصغيرة، وهي صرخة تغلفها الأسئلة التي لم تجد إجابة منذ 2011 وحتى اليوم2019 : كيف تطالبون بالثورة وأنتم ممالك يسودها الفساد والحكم الوراثي المستبد؟
كيف يستمر هذا الهذيان والذي يتحوّل إلى مشاركة بالإعلام والمال في سفك دماء الشعوب العربية خاصة في سوريا والجزائر وليبيا والسودان ؟ دعونا اليوم نسأل بعد كل هذه الدماء والفوضى المستمرة من 2011 ، سؤال برىء تماماً وهو: ألا يوجد ميدان للتحرير في قطر ؟! وسؤالي ليس عن جغرافية الميادين في تلك الإمارة بل عن المعنى والقيمة ،لأن ميدان التحرير في مصر بعد ثورة يناير 2011 صار رمزاً ومعنى ،أكثر منه جغرافية وموقع ودوافعي للسؤال هي أن هذه الإمارة الصغيرة بها من مبررات الثورة ما يكفي ، فالفساد والاستبداد والتبعية للغرب والعلاقات الدافئة مع إسرائيل وحكم العائلة الواحدة ودعم جماعات الإرهاب في العالم كله ، مبررات ودافع مهمة لطرح السؤال وانظر على سبيل المثال في مسألة دعم الإرهاب ما قاله قبل أشهر رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم عن 136 مليار دولار التي موّلت بها بلاده جماعات الإرهاب في سوريا ، ومع ذلك (هربت الصيدة ! على حد وصفها ،أي لم تنجح المؤامرة وفلتت سوريا منها ) وثمة كتاب آخر جديد يحمل عنوان : أوراق قطر للمؤلفين كريستيان شيسونت وجوجيز مالبرونت والصادر هذا العام 2019، وبه حقائق ووثائق مهمة عن تمويل قطر لجماعات الإرهاب العالمية ومنها داعش والإخوان .
* إن دور قطر الإقليمي والدولي الذي تراجع لفترة بعد حصار الرباعي المصري السعودي الإماراتي البحريني ،عاد مرة أخري ليتزايد ، ولكن في الاتجاه الخطأ حيث الدعم بالمال والسلاح لجماعات الإرهابيين في طرابلس ليبيا في معركتهم الحالية ضد الجيش ، ولحيث التبني لجماعات الإرهاب في سيناء المصرية ولخطاب العنف في السودان والجزائر ، وحيث لاتزال تزعم أنها الداعمة الأولى للثورات العربية عبر وسائل إعلامها (تحديداً الجزيرة) التي نعترف أنها كانت قوية ومؤثرة وإن فقدت تدريجياً المصداقية ، لأنها تحوّلت كما قال الكاتب الراحل محمّد حسنين هيكل إلى (أداة للتحريض وليس للإعلام) _انظر نص حواره قبل سنوات مع الإعلامي محمّد كريشان- ومن المؤكّد أن الثورات العربية التي تزعم قطر أنها الراعية والداعمة لها كانت ثورات ضد الفساد والاستبداد والتبعية ، فإذا كان الأمر كذلك فإنها – أي قطر كان ينبغى من باب أولى ألا يكون بها فساد أو استبداد أو تبعية، إلا أن الواقع هناك يُنبىء بغير ذلك ، فهذا الثالوث مستشرٍ فيها ، إلا أن نفراً من القطيع الإعلامي والثوري العربى الذي لايزال يسير خلف الجزيرة بلا وعي رغم الانكشاف الكبير لدورها ؛ لا يراه أو لنقل أنه يغمض العين عنه في نفاق رخيص لدولة تقدّم المال الذي ملأ الأفواه فلم تعد تنطق ، إذا كان الأمر أمر ثورة ، فإن قطر وباقي منظومة الخليج المحتل هي الأولى بهذه الثورة ، هي الأولى بأن نسأل وببراءة : ألا يوجد بهذه الملكيات الوراثية ؛ ميدان للتحرير شبيه بميدان التحرير المصري الذي إنطلقت منه وعرفت به الثورة المصرية؟ ولأن الأمر مع قطر تحديداً دوناً عن باقي منظومة الخليج العربي قد فاق الاحتمال، ودورها قد تجاوز حدّه والصمت لم يعد يليق خاصة بالشرفاء بعد أدوارها الخطرة تجاه الأمّة وقضاياها ؛ فإن التفتيش بداخلها عن ثالوث الفساد والاستبداد والتبعية يصبح أمراً مشروعاً بل وواجباً
نحن لا نشك أبداً في أن الشعب القطري، رغم صغر عدده (حوالى ربع مليون نسمة) أنه شعب عربي ، يرفض الظلم والاستبداد والتوريث ، والتبعية ، ويرفض أن يوصَم بأن الدولة التي يعيش فيها ، تقود عملية التفكيك في الوطن العربي باسم (الثورة) والسؤال هنا ألا يخدش كرامة هذا الشعب وجود أكبر قاعدة أميركية في العالم فوق تراب بلده ؟ ألا يعلم أن قاعدة العديد قتلت 2 مليون عراقى وهجّرت 4 ملايين آخرين في حرب 2003 ودمّرت نصف لبنان في حرب 2006 ؟ وأزالت 25 ألف منزل في غزّة عام 2009 و15 ألف في حرب 2012 والحروب التي تلتها بالتعاون مع إسرائيل ؟ وقتلت 50 ألف ليبي وتشريد 2 مليون من عدد سكان لا يزيد عن 6 ملايين في عدوان الناتو باسم الثورة وهي بريئة من كل هذا الدم ؟! ألا يجرح كرامة العربي عندما يجد تآمر حكّام تلك الإمارة وهذا الخليج واضحاً وجلياً على الشعب الليبي ، والسورى ، والآن السوداني والجزائري والمصري ، وأن دماء هذه الشعوب شاركت الأموال والأسلحة القطرية فى إراقتها ، ألا تعلم شعوب هذا الخليج أن صراعاً مكتوماً للورثة يقوم على أشدّه بين أبناء الأُسَر الحاكمة داخل مشيخياته وبخاصة في تلك الإمارة الصغيرة التي يمتلك رئيس وزرائها السابق قصراً في مستعمرة (نهاريا) الصهيونية في فلسطين المحتلة وأن سفارة العدو الصهيوني في بلاده تتواطأ على الأمّة العربية وعلى حقوق الفلسطينيين ، وأن الغاز القطري الذي تستورده إسرائيل يغطي 35% من احتياجات الدبابات والأسلحة الإسرائيلية ؟
إن هذه الحقائق وغيرها تدفع للسؤال مجدّداً ومن دون إنفعال وفي الذكرى الثانية لحصارها خاصة من السعودية والإمارات والذي جاء من هاتين الدولتين تحديداً ليس حباً في تصحيح الأخطاء التي شاركوا فيها خاصة في سوريا واليمن ، وليس لأنهما مختلفتان عن أو مع سياسات قطر وأنهما دعاة حوار وضد الفوضي ، فهما شركاء أُصلاء في تلك الفوضى وفي نشر الإرهاب ودعمه خاصة في سوريا ، على أية حال السؤال هنا : ألا يوجد لدى هذا الشعب القطرى ميدان للتحرير وإذا وجد – وأعتقد أنه سيظهر قريباً – هل تجرؤ (الجزيرة) على نقل ما سيجري فيه من فعاليات مثلما تفعل الآن مع السودان والجزائر وليبيبا ومثلما فعلت مع مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية التي أُبتليت بلعنة الربيع القطرى الكاذب هذا والذي إختطف أشواق الإصلاح الحقيقية وأجهضها وركب عليها الدواعش والإخوان ؟ أم أنها فقط ترى (الربيع) في بلادنا ولا تراه في بلادها ،أم هي العين الأميركية والإسرائيلية التي تقف خلف المشهد التفكيكي برمّته فتصبح عمياء في بلاد ويقظة وصارخة في بلاد أخرى ؟ أسئلة برسم المستقبل