دلالات الاحتفال باليوم العالمي للقدس في القاهرة
ولو نظرنا لسبب موافقة الدولة المصرية على احتفالية السفارة الإيرانية، نجدها في السياسة الخارجية المصرية، وفي كلمة الرئيس عبد الفتّاح السيسي في مؤتمر القمّة العربية الطارِئة في مكّة المُكرَّمة يوم 30 أيار/مايو 2019 الموافق 25 من شهر رمضان المُعظّم 1440هـ، نلاحظ في كلمته أنه لم يذكر إيران بالإسم ولم يهاجمها، ولكن ليس فيها أية إشارة إلى أن مصر تستعدي الجمهورية الإسلامية، فقط أشار إليها تلميحاً حول أن أمن الخليج من أمن مصر القومي
للمرة الثانية خلال عام 2019 تقوم السفارة الإيرانية في القاهرة باحتفالين، الأول في العيد القومي للجمهورية الإسلامية يوم 11شباط/فبراير 2019، والمرة الثانية منذ أيام، عندما أقامت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة السفير ناصر كنعاني مأدبة إفطار جماعي يوم الخميس 25 رمضان 1440، الموافق 30 أيار/يونيو 2019 بمناسبة يوم القدس العالمي، والمُلاحَظ أنها المرة الأولى منذ عدّة سنوات أن يتمّ الاحتفال بيوم القدس العالمي في القاهرة برعاية السفارة الإيرانية، بل إن بطاقة الدعوة مرسوم عليها صورة للمسجد الأقصى وتحتها كلمة الإمام المرشد علي الخامنئي "قدر الله أن فلسطين سوف تُحرَّر"، وفي ذلك بعض من الدلالات السياسية التي يمكن التوقّف عندها، وكان الاحتفال يوم الخميس وليس الجمعة، وهي أسباب تعود إلى ظروفٍ خاصةٍ بالسفارة، وألقى السفير الإيراني كلمة بالمناسبة الشريفة، جدَّد العهد فيها نيابة عن الشعب والقيادة الإيرانية على تحرير القدس وكل الأراضي المحتلة من العدو الصهيوني، في وقتٍ تتصدّى فيه الجمهورية الإسلامية للأطماع الأميركية الصهيونية الخليجية، ولكنها لم تنسَ فلسطين أو القدس.
لقد صار الاحتفال بيوم القدس العالمي تقليداً سنوياً، منذ أن أصدر الإمام "روح الله الخميني" في يوم 13 رمضان 1399 هـ، الموافق 7آب/أغسطس عام 1979 دعوته، التي طالب فيها باعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كل عام يوماً عالمياً للقدس الشريف، وهو ما دام حتى اليوم، وانتقل الاحتفال من إيران إلى باقي الدول الإسلامية، لأن قضية القدس وفلسطين هي القضية التي توحِّد المسلمين على اختلاف مذاهبهم، مع العِلم أن قضية القدس أيضاً ظلّت حاضرة في الفكر الثوري بقياده الإمام الخميني، فهو الذي رفض، وطلب وهو مُقيم في مدينة "النجف الأشرف" من الحكّام العرب عدم ترميم المسجد الأقصى بعد حادث الحريق الذي تعرَّض له على يد صهيوني يوم 21 آب|أغسطس عام 1969، حتى يظل شاهِداً على الجريمة الصهيونية للأجيال الإسلامية الجديدة، ولكن أحداً لم يستمع له، وتمّ ترميم وطلاء وطَمْس آثار الحريق بأموالٍ عربيةٍ، كما أفتى الإمام الخميني بدفع الخُمس للفلسطينيين، وبالتالي فإن الاحتفالية باليوم العالمي للقدس الشريف، للتّذكير الدائم بمظلومية الشعب الفلسطيني وكَشْف الانحراف الصهيوني والاستكبار العالمي، واستمرار تفاعُل الشعوب الإسلامية مع الأشقاء في فلسطين.
ويأتي الاحتفال باليوم العالمي للقدس في القاهرة بادرة على تحسّن نسبي في العلاقات بين البلدين مصر وإيران، فقد حضرت الإفطار والاحتفال نُخَب مصرية من كافة التيارات الفكرية والثقافية، والتي تؤمن بالتصدّي للاستعمار والصهيونية، وحضر رجال دين وقرّاء للقرآن الكريم، كما حضر مندوب رئاسي، وأيضاً سفراء الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وقد احتفى الحاضرون بالسيّد "ويلمار بيرينتوس" سفير دولة "فنزويلا"، نظراً لتصدّيها للعدوان الأميركي، والحقيقة أن احتفالية القاهرة باليوم العالمي للقدس، كانت تظاهرة سياسية وفكرية ضد السياسة الأميركية الصهيونية في المنطقة والعالم بأسره.
ولو نظرنا لسبب موافقة الدولة المصرية على احتفالية السفارة الإيرانية، نجدها في السياسة الخارجية المصرية، وفي كلمة الرئيس عبد الفتّاح السيسي في مؤتمر القمّة العربية الطارِئة في مكّة المُكرَّمة يوم 30 أيار/مايو 2019 الموافق 25 من شهر رمضان المُعظّم 1440هـ، نلاحظ في كلمته أنه لم يذكر إيران بالإسم ولم يهاجمها، ولكن ليس فيها أية إشارة إلى أن مصر تستعدي الجمهورية الإسلامية، فقط أشار إليها تلميحاً حول أن أمن الخليج من أمن مصر القومي، ولكنه في المقابل أشار أكثر إلى تركيا عندما قال "...لا يمكن أن تقبل الدول العربية استمرار تواجد قوات احتلال عسكرية لطرفٍ إقليمي على أراضي دولتين عربيتين شقيقتين، أو أن يدعم طرف إقليمي بالسلاح والعتاد سلطة ميلشيات، ويغذّي الإرهابيين على مرأى ومسمَع من المجتمع الدولي كله"، هو يقصد تركيا تحديداً، لأنها الدولة التي تحتل أجزاء من سوريا والعراق، كما تموِّل وتساعد وتُدرِّب الإرهابيين في سوريا والعراق وليبيا، كما أن الرئيس رجب طيب أردوغان يكره الرئيس عبد الفتاح السيسي كراهية شخصية، لأن الأخير من ضمن الذين وقفوا ضدّه في مشروعه العثماني الجديد، عندما عزل محمّد مرسي والإخوان المسلمين عن الحُكم بعد التظاهرات الكبيرة يوم 30 حزيران/يونيو 2013، بخلاف الدولة الإيرانية، التي لم تسء قيادتها أو إعلامها لمصر أو للسيسي على الإطلاق، وقد أكّد السيسي على ضرورة الحفاظ على وحدة تراب الدول العربية، ثم تخطّى ذلك وتحدّث عن القضية الفلسطينية، فقال ".. إن المُقاربة الإستراتيجية المنشودة للأمن القومي العربي، تقتضي التعامُل بالتوازي مع جميع مصادر التهديد لأمن المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، والمصدر الأول لعدم الاستقرار في المنطقة، فلا يمكن أن يتحقَّق الاستقرار في المنطقة، من دون الحل السلمي الشامل الذي يُلبّي الطموحات الفلسطينية المشروعة في الاستقلال وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.."، أي أن السيسي يرى الخطورة في المنطقة تكمُن في: - الإرهاب – التكفير – الإسلام السياسي – تركيا – قطر، أميركا – إسرائيل ضمناً، لأنه قال "وأن الحل الأمثل يكمُن في حل القضية الفلسطينية، وعاصمتها القدس"، أي أنه يرفض ضمناً صفقة القرن، والغريب أن مقرّرات مؤتمر جامعة العربية لم تتطرّق بشيء إلى دور تركيا التدميري في سوريا والعراق وليبيا، لأن مؤتمرات مكّة الثلاثة مُخصَّصة فقط لمُهاجمة إيران، ومصر لا ترى خطرها بمثل ما تراه دولتا السعودية والإمارات، فسياسة مصر مثلاً مع سوريا والعراق تتّفق مع السياسة الإيرانية.
ومن هنا نجد أن موافقة الحكومة المصرية على إقامة احتفالية يوم القدس، مُتناغِمة مع السياسة الخارجية المصرية، ليس بالضرورة إنشاء محور سياسي جديد، أو تحالف أو تقارُب استراتيجي مع إيران، أو الخروج مثلاً من اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، ولكنها سياسة تقوم على عدم المساهمة في أيّ جهدٍ عسكري خارج حدود الدولة المصرية كما فعلت عندما رفضت الاشتراك في العدوان على اليمن، مع الاقتناع بضرورة الحفاظ على وحدة الدول العربية، منها المُستهدَفة أميركياً، مثل سوريا والعراق، وهي سياسة "الباب الموارب" المصرية، أو الباب نصف المُغلَق، فالسياسة في النهاية فنّ المُمكن، حفظ الله إيران ومصر وكل المسلمين وكافة الشعوب، ونصَرَ الله القدس وفلسطين وحرَّرها من الأعداء الظالمين الدائمين.