معركة طرابلس: جولة أخرى من صراع الأوروبيين وصراع الخليجيين

تُعتَبر معركة طرابلس جولة أخرى من صراع حكومة الوفاق وقوات المشير خليفة حفتر، وجولة أخرى من صراع خليجي ــ خليجي يُذكّيه دعم مصري وتركي، وجولة أخرى أيضاً من صراع فرنسي إيطالي على دولة باحتياطي 48 مليار برميل من النفط، وصراع نفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، العالم يتقاتل في طرابلس. وبين هذا وذاك يقف المواطن الليبي مُعتصراً بين أزمة السيولة وقصف الطائرات في انتظار انتهاء الفرقاء الليبيين من الخراب الذي خلّفته التدخّلات الخارجية في بلدهم.

معركة طرابلس

في شباط/ فبراير من العام 2014 ظهر خليفة حفتر على التلفزيون في تسجيل مُصوَّر عارِضاً خطته لأنقاذ البلاد، داعياً الليبيين إلى النهوض في وجه المؤتمر الوطني العام، وهو البرلمان المُنتَخب الذي تشكَّل بعد الثورة. وحينها كانت جماعة أنصار الشريعة، المُرتبطة بتنظيم القاعدة، وغيرها من المجموعات المحلية قد أعلنت السيطرة على مدينة بنغازي - ثاني أكبر المدن الليبية. اليوم بعد 5 سنوات  من إطلاق ما سمّاها "عملية الكرامة" وصل الجنرال خليفة حفتر إلى العاصمة الليبية طرابلس والتي تسيطر عليها حكومة الوفاق بعد فشل جميع الجهود الدبلوماسية في الوصول إلى إتفاق دبلوماسي ينهي الصراع الدائر في ليبيا منذ 2011. حفتر الذي رافق الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي في عملية الانقلاب على الملك إدريس سنة 1969 وقائد القوات التي خاضت الحرب ضد تشاد والتي انتهت بأسْره، تمكّن وإلى حد  اليوم من فرض نفسه كفاعِل رئيس في الساحة السياسية والعسكرية الليبية بعد السيطرة على منشآت النفط الرئيسية في منطقة "الهلال النفطي"، مُسلِّماً مفتاح أهم صادرات البلاد إلى حليفه، برلمان طبرق في سبتمبر أيلول 2016.

دخلت ليبيا منذ العام 2011، في أتون أزمة شائكة دفعت بالبلاد إلى مُنعرجاتٍ خطرة. وأدّت المساعي إلى إنهاء الصراع في كانون الأول/ ديسمبر 2015، إلى توقيع اتفاق سياسي في منتجع الصخيرات المغربي بإشراف الأمم المتحدة، أفضى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني أنعشت الآمال بعودة تدريجية إلى الاستقرار وإنهاء الفوضى والانقسامات العميقة بين أطراف النزاع، لكنها فشلت في ترتيب الوضع في البلاد. في أيلول/ سبتمبر من العام 2017 أعلن المبعوث الأممي غسان سلامة  عن خطة العمل من أجل ليبيا، تشمل هذه الخطة عقد "المؤتمر الوطني الجامِع " والذي يجمع جميع الفرقاء الليبيين من دون استثناء أيام 14 و 15 و16 نيسان/أبريل. لكن تطوّرات الوضع على الميدان والعملية العسكرية التي أعلنها الجنرال خليفة حفتر  تُغيِّر فرضية إجرائه.

وتأتي العملية العسكرية التي أعلنها حفتر بعد زيارة أدّاها إلى أكبر داعميه  علانية وهو العاهل السعودي، والتي تقول مصادر أنه تمّ فيها الاتفاق على العملية وعن حجم الدعم الذي سيتلقّاه من السعودية بحسب "وول سترين جورنال" الأميركية. كما يحظى حفتر بدعم مصر  التي تُعتَبر أحد أهم اللاعبين  الأساسيين في المشهد الليبي، وقد سبق لمصر أن شنّت غارات  عديدة على مواقع الإرهابيين في ليبيا، إضافة إلى تنفيذ طائراتها قصفاً على عدد من المعسكرات الإرهابية رداً على عملية ذبح الأقباط في لبيبا من قِبَل مسلّحي تنظيم الدولة الإرهابي، إضافة إلى مصر والسعودية تدعم الإمارات الجنرال المتقاعد، يظهر ذلك جلياً في التقرير الصادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عام 2017، الذي يُحدّد مصدر العديد من الوسائل العسكرية. دولياً تدخّلت روسيا الأحد الماضي باستخدام حق النقض لمنع صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يُدين تقدّم قوات حفتر نحو طرابلس. هذا إضافة إلى الموقف المُتردّد لفرنسا والتي رفضت الاتهامات بدعم  عملية الهجوم على طرابلس  من قِبَل الجيش الليبي في الشرق الليبي، خاصة بعد زيارات مُتتالية قام بها وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان إلى بنغازي من أجل مباحثات مع خليفة حفتر، كما أن فرنسا تمتلك أصولاً نفطية كبيرة في ليبيا.

من الجهة المقابلة يسيطر على طرابلس عدد كبير من الميليشيات وهي: قوات حماية طرابلس وهو تحالف يضمّ أهم الميليشيات المُتمركِزة في العاصمة وأعلن عنه في كانون الأول/ديسمبر 2018، ثوار ليبيا وهي ميلشيا تسيطر  على مساحاتٍ هامةٍ من العاصمة الليبية، وتقول مصادر إن قائد هذه الميليشيا "التاجروي" يمتلك ثروة مهمة عن طريق ابتزازه لقيادات ورجال أعمال محسوبين على النظام السابق، مقابل تهريبهم ثم بدأ شيئاً فشيئاً يُغري أفراد الكتيبة بالمال والسيارات إلى أن أصبح آمر كتيبة ثوّار طرابلس، كما يمتلك حالياً ثروة طائلة من بينها فندقان سياحيان في إيطاليا واستثمارات عقارية في إسبانيا، وتشير مصادر غربية إلى أن ثروته تتجاوز 600 مليون دولار أميركي. فقوات الردع والتدخّل المشتركة محور أبو سليم يقودها عبد الحميد الكيكلي (لواء النواصي) قائد قوات الردع الخاصة، وهي قوّة تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق، لواء البقرة، فيلق صلاح البركي، اللواء السابع في ترهونة ولواء حلبوص.

تحظى هذه الميليشيات والتي تشرف عليها حكومة الوفاق بقيادة فايز السرّاج بدعم تركيا وقطر  في محاولة لمواجهة الحلف السعودي ــ الإماراتي المصري، وسبق أن اتّهم "الجيش الوطني الليبي" كلاً من تركيا وحليفتها قطر بتأييد الإرهاب في ليبيا والتدخّل في شؤونها. كما تعاني أوروبا من انقسامٍ بسبب الصراع الدائر في ليبيا، فإيطاليا التي تدعم حكومة الوفاق ترمي باتّهامات مُبطّنة إلى فرنسا التي تدعم حفتر، حتى أن رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني قالها صراحة "نحن الأوروبيون لسوء الحظ منقسمون بهذا الشأن...إن لدى فرنسا وإيطاليا "مصالح مُتضارِبة".  كما نشرت الخارجية الأميركية على حسابها على تويتر بياناً رفضت فيه العملية العسكرية، وأكّدت فيه دعمها للنهج الدبلوماسي، كما أكّدت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" إجلاء جنود أميركيين وهو ما يعطي صورة على نوع الدعم التي تتلقّاه حكومة الوفاق من الولايات المتحدة.