ما هي ردود الفعل الإيرانية على المنحة الأوروبية؟

وجهتا النظر هاتان تعكسان موفقين مختلفين من أوروبا، ومن نتيجة المفاوضات معها لتأمين حزمة اقتصادية قوية تتصدى للعقوبات الأميركية، الموقف الأول هو الذي تعبر عنه الماكينة الدبلوماسية الإيرانية ويدعمه التيار الاصلاحي والتيار المعتدل، رغم الفروقات بين رؤية التيارين لرغبة أوروبا وقدرتها على تقديم الضمانات العملية ودعم الاقتصاد الإيراني

اختلفت الصحافة الإيرانية في تفسير خلفيات وأهداف المنحة الأوروبية لإيران

اخلتفت الصحافة الإيرانية في تفسير خلفيات وأهداف المنحة الأوروبية لإيران، والتي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي والمقدرة بـ18 مليون يورو. وقد طاول السجال حول هذه المنحة مواقع التواصل الاجتماعي بين من يراها أمراً طبيعياً ومن اعتبرها إهانة لا ينبغي القبول بها. وبرغم مسارعة الخارجية الإيرانية على لسان الناطق باسمها بهرام قاسمي إلى توضيح ماهية هذه المنحة والتأكيد على أنها لا تتعلق بالضمانات الاقتصادية التي ينتظرها الجانب الإيراني من الاتحاد الأوروبي للبقاء ضمن الاتفاق النووي إنما تأتي في إطار التعاون بين الطرفين والذي تمت الإشارة إليه في البيان المشترك لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومنسقة السياسة الخارجية الأوروبية في تاريخ 16 نيسان/أبريل 2016، وهذا المبلغ بحسب الخارجية الإيرانية دفعة أولى من حزمة تقدر بخمسين مليون يورو متفق عليها بين الجانبين، إلا أن توضيح الخارجية لم ينه الجدل حول هذه المنحة الأوروبية، وقد دافعت صحيفة "افتاب يزد" الاصلاحية عنها، معتبرة أنها حزمة تحفيزية وليست مساعدة. وقد دأب الاتحاد الاوروبي على تقديم هكذا منح لدول عديدة لدعم القطاع الخاص أو المشاريع البيئية أو قضايا متعلقة بمكافحة المخدرات، وردت الصحيفة على متنقدي هذه المنحة باتهامهم بشن حرب نفسية، متساءلة في الوقت نفسه هل نرفض 18 مليون يورو؟؟.

أما صحيفة "كيهان" الأصولية اعتبرت في صفحتها الأولى أن هذه الحزمة تهين إيران، لأن الاتحاد الأوروبي برأي الصحيفة لم يقدم أي اجراءات عملية لضمان المصالح الإيرانية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، بل على العكس لا تزال كبريات الشركات الأوروبية تعلن عن خروجها من السوق الإيرانية تباعاً رغم أن التأكيدات الأوروبية بالالتزام بالاتفاق النووي مستمرة.

وجهتا النظر هاتان تعكسان موفقين مختلفين من أوروبا، ومن نتيجة المفاوضات معها لتأمين حزمة اقتصادية قوية تتصدى للعقوبات الأميركية، الموقف الأول هو الذي تعبر عنه الماكينة الدبلوماسية الإيرانية ويدعمه التيار الاصلاحي والتيار المعتدل، رغم الفروقات بين رؤية التيارين لرغبة أوروبا وقدرتها على تقديم الضمانات العملية ودعم الاقتصاد الإيراني، فبعض الاصلاحيين يرون أن أوروبا تتضرر من السياسات الأميركية وهي مصرة على التصدي لها، والحفاظ على الاتفاق النووي من أهم عوامل مواجهة السياسية الأميركية التي تقضي على المصالح الأوروبية والأرادة الأوروبية موجودة، إنما يجري البحث الآن عن آليات المواجهة ليس أكثر. بينما يعتقد المعتدلون بعدم استطاعة الجانب الأوروبي مواجهة إدارة ترامب لتلازم الاقتصاد الأوروبي بالاقتصاد الأميركي ولعدم وجود رغبة أوروبية بالصدام مع الولايات المتحدة الأميركية الحليف الأول والاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، والموقف الثاني يعبر عنه الأصوليون لا سيما المتشددين منهم، بالتحذير من الوقوع في مصيدة الأوروبيين مرة جديدة – وهنا يذكر هؤلاء بالمفاوضات الإيرانية مع الترويكا الأوروبية منذ عام 2003 حول الملف النووي وعدم التزام الجانب الأوروبي بسبب الضغوط الأميركية – ولا شك أن التجربة الإيرانية مع أوروبا تحديداً مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هي تجربة مريرة لكنها ليست بذلك السوء الذي هي عليه مع الولايات المتحدة وهذا أمر محتوم لذلك تسعى حكومة روحاني إلى بناء جسور الثقة مع الاتحاد الأوروبي من جديد مستفيدة من التوتر الأميركي الأوروبي على خلفية الانسحاب من الاتفاق النووي والصراع حول التعرفة الجمركية وقضايا أخرى اشعلتها إدراة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ توليه السلطة، وبناء الثقة يحتاج إلى مقدمات ظهرت بوادرها من قبل حكومة روحاني بامهال الجانب الأوروبي فرصة أطول في عملية البحث عن الآليات العملية الناجعة رغم التذكير المستمر بضرورة الاسراع في اتخاذ الاجراءات العملية، وقد تكون المنحة الأوروبية في هذا التوقيت رغم الانزعاج والتحريض الأميركي خطوة أروربية مقابل الخطوة الإيرانية لتعزيز الثقة بين الطرفين.