الغوطة وبلاهة تغيير النظام

محبّي الإنسانية المتقلّبين لدينا يزعمون أنهم يحبون سوريا، لكنهم يودون رؤيتها مقطعة الأوصال، محطمة. هل يشكّون بذلك؟ بقيامهم بالفرز بين الضحايا، يجعلون من أنفسهم بلهاء مفيدون لسياسة "تغيير النظام" التي فشلت. هذا التعاطف غبّ الطلب كان الهدف منه تدمير الدولة السورية، لكن تلك السياسة فشلت فشلاً ذريعاً. مثل حلب، وتدمر، أو دير الزور، سوف تتحرر الغوطة قريباً على يد جيش من المجندين، الجيش العربي السوري.

في العمق، فإن حرب "الثوار اللطفاء" الأعزّاء على قلب الغرب ليست سوى نوع من حفل تنكّري

ما هو الشيء المشترك بين مكرون، الحزب الجديد المعادي للرأسمالية NPA، سيريا شاريتي، "إسرائيل"، صحيفة لوموند، الإخوان المسلمون، الحزب الاشتراكي الفرنسي، برنار-هنري ليفي، آلان جوبيه، أليكسيس كوربيير، اليمين، اليسار، نويل مامير، البيئيون البرجوازيون، الأطلسيون، المدافعون عن حقوق الإنسان واليساريون المتطرفون؟ بالإمكان توقّع الجواب. كل هؤلاء الناس الطيبون يحبّون الشعب السوري ! يبكون مصائبه، يريدون إنقاذه ("أنقذوا الغوطة")، يشجبون "معذبيه" و"جلاديه"، يعلنون تضامنهم معه دون كلل، بشكل بطولي، من مكاتب التحرير في الصحف ومن برامج التلفزة.

من هو الذي يفرح بالمصائب التي تسببت بها هذه الحرب العبثية؟ لا أحد. من الذي أرسل السلاح إلى المجاميع الإرهابية؟ إنهم معروفون. من هو المسؤول عن تواصل المجزرة، مع أن اللعبة انتهت. إنهم معروفون أيضاً. إنهم هم أنفسهم: الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، بريطانيا. لكن الضمائر العوراء للعالم الغربي، بإعلانها أنه يوجد "أخيار" ("الثوار الديمقراطيون") و"أشرار" ("الأسد- الجلاد" وحلفاؤه)، يمكنها البكاء بثمن بخس. يمكن لهذه الضمائر شراء العذرية، ويمكنها أن تتغطى بغطاءٍ رخيص من الإنسانية. منذ سبع سنوات، هذه الضمائر العوراء، التي تتناول المنشّطات الأخلاقية، تقوم بإضفاء الصدقية بلا كلل، على خرافة حقيقية.


إن هذه المسرحية عن الصراع السوري، في الأصل، هي الوجه الآخر لاستعمال هذا الصراع كأداة من قبل الإمبريالية. إنها تضفي رداءً إنسانياً رديئاً على المذبحة التي تنفذها قطعان من الذئاب الوهابية المصنوعة في الولايات المتحدة. بعد أن أسقطت الصحافية فانيسا بيلي القناع عن الخديعة المسماة "الخوذ البيضاء" الذين يجرون بعض التعديلات السطحية على مشاهدهم الإجرامية، ظهرت كتعبير مجازي عن هذه الكذبة. علب الماكياج في أيديهم، يقومون بتصوير أنفسهم وهم ينفذون أعمالهم الدنيئة، ويجهدون من أجل إنتاج المؤثرات الخاصة التي تضبط إيقاع التعاطف الانتقائي الذي لا غنى عنه من أجل "تغيير النظام".

في العمق، فإن حرب "الثوار اللطفاء" الأعزّاء على قلب الغرب ليست سوى نوع من حفل تنكّري. إنها مسابقة في التنكّر، حفل راقص مقنّع لقاطعي الرؤوس الذين يتمّ إلباسهم زيّ رجال الإسعاف في سبيل القضية. تجسيد "لمجتمع الإبهار"، التسلسل ذاته: الصورة المزوّرة التي تستثير مشاعر السخط الانتقائي الذي بدوره يقدّم المبرّر للتدخّل الأجنبيّ. بعد حلب، ها هي الغوطة تحتل نفس المكانة الرمزية لهذه الخديعة، حيث تعمل جلسات السحر الدعائية على الخداع التام (حرفياً ": الإيهام بأن مثانة العجول هي فوانيس- من المترجم) والإيهام أن الإرهابيين الدمويين هم "ثوار معتدلون"

ليكن معلوماً، فإن الجيش السوري هو الذي فتح الممرات من أجل إخلاء سكان الغوطة المحاصرين. وأن "الثوار اللطفاء" هم من يطلق النار على المدنيين الذين يتجرأون على الهروب من عش العقارب هذا. لكن ذلك الأمر آخر ما يهم ! لأن الضمائر الغربية الخيرة لا ترى سوى الضحايا الذين يهمّهم أمرها. ومثل سكان غرب حلب سابقاً، فإن الدمشقيين ساكني المدينة الذين يتعرّضون للقصف من قبل "جيش الإسلام" لا أهمية لهم في القائمة الانتقائية للضحايا. وإن ماتوا، فذلك من أجل العيون الجميلة لهذه "الثورة" التي ترفع لواء "الشريعة" بمباركةٍ علمانية من الحكومة الفرنسية !

وكما كان لوران فابيوس يقول، في خاتمة المطاف، أصدقاؤنا في جبهة النصرة "يقومون بعملٍ جيد". بالنسبة للمعاقين بالشلل النصفي، على كل حال، الشخص الميت غير ميت. مرةً يتم تجاهله وعدم إعطائه أية أهمية، ومرةً تتم المغالاة بأهميته. الأرقام التي لا يمكن التحقق منها التي يقدمها الوكر الموجود في مدينة كوفنتري، بريطانيا (المرصد السوري لحقوق الإنسان) من جهة، والضحايا "المؤيدون للنظام" الذين لا تراهم شاشات الرادار، من الجهة الأخرى. لا يتم إضفاء الحقيقة سوى على معاناة المعذبين الذين يهمّنا أمرهم. هم غير موجودون، في الواقع، إلا إذا أكدوا صحة الرواية التي يتم تردادها على مشاهدي التلفزة الغربيين.

إن محبّي الإنسانية المتقلّبين لدينا يزعمون أنهم يحبون سوريا، لكنهم يودون رؤيتها مقطعة الأوصال، محطمة. هل يشكّون بذلك؟ بقيامهم بالفرز بين الضحايا، يجعلون من أنفسهم بلهاء مفيدون لسياسة "تغيير النظام" التي فشلت. هذا التعاطف غبّ الطلب كان الهدف منه تدمير الدولة السورية، لكن تلك السياسة فشلت فشلاً ذريعاً. مثل حلب، وتدمر، أو دير الزور، سوف تتحرر الغوطة قريباً على يد جيش من المجندين، الجيش العربي السوري. لقد أرادوا التكلم باسم الشعب السوري. بسحقه الإرهابيين الذين قاموا بغزو البساتين الشرقية لمدينة دمشق، فإن الشعب السوري يجيبهم أنه شعب كبير بما يكفي لكي يقرر مستقبله.

ترجمة: علي ابراهيم