أميركا باتت تسيطر على فضاء الإعلام...هل من حلول؟

حين اختبر القطاع الإعلامي وقف بثّ القنوات التلفزيونية عن الأقمار الصناعية، دخلت المواجهة الإعلامية بين المحورين الرئيسيين في الشرق الأوسط مرحلة مختلفة لم تظهر كل نتائجها على الفور. تتكرّر الظاهرة نفسها في المنابر على شبكات التواصل الاجتماعي وإن كان تأثير الإغلاق و"القمع" هنا لا يُقارن بتأثير الإجراء المتعلّق بالقنوات التلفزيونية.

صار بمقدور الشركات المزوّدة للإنترنت أن تتحكّم بوصول المحتوى إلى المستخدمين عبر إبطاء /تسريع/ أو حجب المحتوى

بطبيعة الحال تداعت الأصوات في اختبار وقف القنوات التلفزيونية إلى البحث عن حلول، بعضها جذري وبعضها آني، فكان يتم اللجوء أحياناً إلى إطلاق قنوات رديفة أو البحث عن حجز نطاقات للبثّ عبر أقمار "حليفة". إلا أنّ هذه المحاولات لا تستطيع استيعاب كل الضرر الناجم عن أنّ الأقمار الأكثر متابعةً تخضع في النهاية لسياسات الولايات المتحدة وحلفائها في العالم.

اليوم تضع الإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترامب، يدها على ما هو أخطر من البثّ الفضائي وأشدّ تأثيراً: الإنترنت. ضجّت وسائل الإعلام العالمية قبل أسبوعين بخبر تصويت هيئة الإتصالات الفدرالية الأميركية "أف سي سي" لصالح إلغاء "حيادية الإنترنت". مرّ الحدث في أغلب الإعلام العربي مرور الكِرام في حين كانت المُعالجة لدى مَن تناوله سطحية وتقتصر على البُعد الخبري.

وحتى لا أدخل في الجانب التقني، سأشرح بشكل مختصر ماذا يعني أن تُلغي الإدارة الأميركية "حيادية الإنترنت": هذا يعني أنه صار بمقدور الشركات الضخمة المزوّدة للإنترنت في العالم (والتي مقرّها الولايات المتحدة) أن تتحكّم بوصول المحتوى إلى مستخدمي الإنترنت عبر إبطاء أو تسريع الإنترنت أو حجب المحتوى الذي تحدّده أو فرض رسوم مالية على أية عملية تتم عبر الشبكة.

هذا الأمر كان ممنوعاً منذ ظهور الإنترنت، باعتبار أن الشركات الكبرى المزوّدة للخدمة كانت تعمل وفق بروتوكول يعتبر خدمات الإنترنت "مرافق عامة"، لكن القرار الأميركي الجديد يفتح المجال أمام الاحتكار لصالح الشركات الكبرى، ويقلّل فرَص قيام شركات جديدة تنافس المزوّدين التقليديين، ويعزّز تحكّم الشركات الأميركية العابرة للحدود بمحتوى الإنترنت. إلى ذلك، فإن القيود القانونية التي كانت تحمي بعض أنواع المحتوى عبر الشبكة العنكبوتية صارت معرّضة للخرق بسهولة أكبر بفعل تحرير الشركات الكبرى المزوّدة. قد يبدو هذا الشرح البسيط مُبهماً بعض الشيء، فقد يتساءل البعض ما الجديد في ذلك؟

الخطوة الأميركية تعني أنه صار إغلاق مواقع إخبارية ومنتديات وتطبيقات هاتف وأي بثّ بالفيديو أو خدمة إتصال بالصوت في نطاق جغرافي محدّد أو لجهة معينة أمراً بالغ السهولة في حال طلبت وكالة حكومية أميركية ذلك، عِلماً أن الكونغرس يحدّث منذ عقدين من الزمن على الأقل القوانين المتعلّقة بمحتوى الإنترنت واستخدام "الجماعات الإرهابية" – بحسب التصنيف الأميركي – للشبكة العنكبوتية.

وعلى الرغم من أن مفاعيل قرار إلغاء "حيادية الإنترنت" لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، إلا أنّ أولى ضحاياها بحسب الخبراء الأميركيين "الرأي السياسي" المخالف للمصالح الأميركية، بالإضافة إلى شركات التقنية وشركات صناعة المحتوى الصغيرة. وحين نتحدّث عن "شركات صناعة المحتوى الصغيرة" فهذا يعني كل الشركات الإعلامية الواقعة ضمن نطاق المحور المعادي للولايات المتحدة الأميركية إذا ما قارناها بالشركات الضخمة التي تصنع المحتوى (نتفليكس، يوتيوب،..) أو تتجه للاستثمار في صناعة المحتوى (فايسبوك، أمازون..).

ولئن كان دفاع المتضرّرين من إجراءات القمع السابقة لوسائل الإعلام التقليدية يندرج في سياق الدفاع عن حرية الرأي، فإنّ الواقع الجديد أكثر تعقيداً كون إجراءات القمع صارت محمية بموجب القانون وخاضعة للإجراءات التنظيمية التجارية التي تعطي الحق للشركات الكبرى بأن تفعل ما تشاء من منطلق ممارسة أعمالها الإقتصادية !

هل يعني ذلك أنه لا توجد حلول مجدية أمام الأمر الواقع؟ الحل الجذري صار متأخراً اليوم، إذ كان يجب التفكير قبل عقود من الزمن بإنشاء إنترنت موازٍ ببنية تحتية حديثة خارج نطاق سيطرة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يتطلّب إمكانات ضخمة لكنها لم تكن مستحيلة، ولكنها كانت مُكلفة وتتطلّب إدارة غير تقليدية. ومع ذلك، هناك فرصة في مواجهة ما هو قادم عبر مجموعة إجراءات تتعلّق بصناعة المحتوى تحديداً، لكن الخوض في هذه الإجراءات – الحلول يتطلّب حديثاً لاحقاً.