مصير المقاومة الفلسطينية في غزّة

من المعروف أن السلطة الفلسطينية تجادل دائماً أنه يجب أن يكون في الضفة وغزّة سلاح واحد فقط وهو سلاح الشرعية. هذا غالباً صحيح لكنه يحتاج إلى دراسة بخاصة إذا كان يعني نزع سلاح المقاومة. في الضفة وغزّة ثلاثة أنواع من الأسلحة: سلاح السلطة وسلاح الزعران وسلاح المقاومة. سلاح السلطة غير شرعي لأنه مرخّص صهيونياً وهو يقوم في أغلب الأحيان بمهمة الدفاع عن الأمن الصهيوني وملاحقة بنادق المقاومين الفلسطينيين، ويبقى سلاح شرعي واحد هو سلاح المقاومة.

المقاومة الفلسطينية: هي الإنجاز الأهم والأبرز للشعب الفلسطيني منذ عام 1948

 بعد عودة السلطة الفلسطينية الريماوية إلى غزّة، ما الذي نتوقّعه بالنسبة للمقاومة الفلسطينية؟ هل سيتضمّن الاتفاق بين فتح وحماس طريقة مُعيّنة للحفاظ على المقاومة المسلّحة؟ أم هل سيتّفق الطرفان أن زمن المقاومة قد ولّى، والمطلوب هو تصفية مقاومة غزّة؟ وهذا أمر مطروح من قِبَل أعداد كبيرة من الشعب الفلسطيني لأنهم يرون المقاومة الغزّية على أنها الرصيد الوحيد الذي بات يملكه شعب فلسطين، وهي الإنجاز الأهم والأبرز للشعب الفلسطيني منذ عام 1948. ظهر الشعب الفلسطيني مكشوفاً تماماً، ولا يناله غطاء إلا بإحسان من الآخرين. ولهذا يرى جزء كبير من الشعب أن المحافظة على هذا الإنجاز أهم بكثير من المصالحة، وإذا كانت المصالحة ستقضي على المقاومة فالتضحية بالمصالحة لها أولوية على التضحية بالمقاومة.

نحن لا نعلم على ماذا اتّفق الطرفان حتى الآن لأنهما بخيلان جداً بالمعلومات، ونأمل أن يصدر عنهما بيان مكتوب ومنشور على وسائل الإعلام لكي يتمكّن كل فرد فلسطيني من الاطّلاع والوقوف على الحقيقة كما هي. ولا أظن أن الطرفين اتفقا على تصفية المقاومة. لكن العديد من الأسئلة حول الموضوع تبقى مشروعة. فإذا قرّرت السلطة أن تتعايش مع المقاومة وتتركها وشأنها، ما هو المتوقّع من الكيان الصهيوني؟ هل يتّخذ إجراءات ضدّ السلطة ويوقف ضخّ الأموال؟ وماذا عن الموقف الأميركي ومسألة التمويل الذي دأبت أميركا على تقديمه بخاصة في المجالات الأمنية؟ هلى سينهار التنسيق الأمني؟ أم ستُعفى غزّة منه، ويبقى فقط في الضفة الغربية؟ وماذا عن اتفاق أوسلو إذا ألغي التنسيق الأمني، وهل ستستمر المفاوضات، أو هل ستستمر الدعوة إلى وقف الاستيطان من أجل استئناف المفاوضات؟ علما أن أميركا أذنت للسلطة الفلسطينية لتحقيق مصالحة، والكيان الصهيوني أغمض عينيه، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات. ما الذي يخبّئه الصهاينة والأميركان؟

وماذا سيحصل بالنسبة للأجهزة الأمنية إذا توقّف التنسيق الأمني؟ ما هي ضرورتها بعد ذلك بخاصة أن الأمن المدني هو بيد الشرطة وليس بيد الأجهزة الأمنية الأخرى. الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تستطيع الدفاع عن الأمن الوطني، والأمن المدني ليس من صلاحياتها. إذن ماذا سيكون مصيرها؟

لا نستطيع إزاحة الموقف الصهيوني جانباً في حال تمّت مصالحة وبدأ مشوار البحث عن وحدة وطنية فلسطينية؟ الصهاينة معنيون بأمنهم، وهم بالتأكيد لن يقبلوا استمرار المقاومة الفلسطينية بالتزامن مع دفع أموال الجباية التي يقوم بها الصهاينة. وسبق أن جرّبنا الموقف الصهيوني بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. لقد اتّخذ الصهاينة والأميركيون مواقف وإجراءات كان من شأنها تعطيل عمل السلطة الفلسطينية وشلّها، ولم يتم استئناف ضخّ الأموال إلا بعدما تخلّينا عن حكومة الوحدة لصالح تشكيل حكومة ترضى عنها أميركا والصهاينة. وطبعاً لا توجد مبالغة في هذا الأمر بخاصة أن أسماء المرشّحين للوزارات تُعرَض أولاً على الصهاينة وعلى الأميركيين لإبداء الرأي. أي إننا اعتدنا أن يعرف الصهاينة والأميركيون أسماء المرشّحين للوزارات قبل أن يعلم الشعب الفلسطيني. وسبق للأميركيين والصهاينة أن اعترضوا على أشخاص، وتم شطبهم من القوائم. فهل إذا تم الاتفاق الآن على تشكيل حكومة وحدة وطنية سنتصرّف وفق ما اعتدنا عليه أم أن ترتيباً جديداً وفق إرادة فلسطينية حرّة سينشأ؟ من المُستبعد أن نتصرّف بإرادة سياسية حرّة، وإذا لم نفعل ماذا سيكون مصير الحكومة المُزمَع تشكيلها؟ الصهاينة والأميركيون لن يوافقوا على انضمام حمساويين إلى الحكومة لمدة طويلة، وسيرفضون التعامل معها إذا كانوا ضمنها. فكيف ستتصرّف فتح؟ وكيف سيكون موقف حماس؟ هل تقبل حماس تشكيل حكومة وحدة وطنية هي ليست جزءاً منها؟

المعادلة باختصار كالتالي: الصهاينة والأميركيون لن يقبلوا ترتيبات داخلية فلسطينية مبنية على مصالحة تبقى المقاومة بموجبها ناشطة. الحصار مفروض على غزّة بسبب وجود المقاومة، ولن يُرفَع إلا بزوالها. رفع الحصار والمقاومة لا يتعايشان، والمصالحة لا يمكن أن تتم مع وجود المقاومة لأن الصهاينة سيتّخذون إجراءات قاسية تفسد ما يتم الاتفاق عليه.  لكن المصالحة ستتم من دون منغصّات صهيونية إذا قرّرت حماس تصفية المقاومة والقبول بشروط ما يُسمّى بالرباعية الدولية. علما ً أن الرباعية الدولية تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم هم الذين يحتلون الكيان الصهيوني وليس العكس.

وإذا قبلت السلطة الريماوية بالمقاومة مع الاستمرار في المصالحة فإنها ستدفع الثمن ومن الوارد ألا يعود لها وجود. وإذا غابت السلطة لن يكون هناك ضرورة لمصالحة لأن الطرف الآخر سيغيب. لكن تقديري أن الأميركيين والصهاينة يحيكون ثوباً في الظلام لإلباسه للفلسطينيين، وغالباً ستكون حماس هي المُستهدفَة، فهل سينجحون؟ رئيس المكتب السياسي لحماس يغلظ الأيمان بأن حماس لن تتخلّى عن المقاومة، لكنه لم يشرح حتى الآن كيف سيكون ذلك في ظلّ المصالحة التي يؤكّد عليها الطرفان المُتخاصمان.

وسؤال آخر يطرأ وهو: هل حماس لديها الاستعداد للتنازل عن المقاومة مقابل تحسين الظروف المعيشية واليومية لقطاع غزّة؟ وما هو موقف الجمهور؟ هل يضغط الجمهور لصالح المقاومة أم لصالح تحسين الظروف المعيشية؟ فإذا كانت تجنح حماس نحو تحسين الظروف المعيشية فإنه لا خيار أمامها إلا التضحية بالمقاومة، أما إذا حاولت تحسين ظروف الناس من خلال العدالة في التوزيع والحصول على دعم من جهات لا تتحكّم الولايات المتحدة بقرارها فإن المقاومة ستتجنّب الضرر.

من المعروف أن السلطة الفلسطينية تجادل دائماً أنه يجب أن يكون في الضفة وغزّة سلاح واحد فقط وهو سلاح الشرعية. هذا غالباً صحيح لكنه يحتاج إلى دراسة بخاصة إذا كان يعني نزع سلاح المقاومة. في الضفة وغزّة ثلاثة أنواع من الأسلحة: سلاح السلطة وسلاح الزعران وسلاح المقاومة. سلاح السلطة غير شرعي لأنه مرخّص صهيونياً وهو يقوم في أغلب الأحيان بمهمة الدفاع عن الأمن الصهيوني وملاحقة بنادق المقاومين الفلسطينيين، ويبقى سلاح شرعي واحد هو سلاح المقاومة.