عدوان تموز مراهنة على إزالة درع المنطقة

هزيمة العدوان في تموز وآب، قلب المراهنات رأساً على عقب مهما كانت مآلات الحريق الملتهب في المنطقة العربية. فاسرائيل فقدت إلى حدّ بعيد دور الشرطي الاقليمي، ولعلّ إعادة تموضع الادارة الاميركية في تراجع اعتمادها على اسرائيل يعود إلى هزيمة المشروع الاسرائيلي في حرب تموز 2006.

اسرائيل التي انكسرت شكيمتها في تموز تبدو لبعض العرب غلاّبة الهوى
لوهلة تراءى للبيت الأبيض أن قارة "أطلانتس" الاسطورية في هول عظمتها، قد ظهرت في واشنطن وتحققت رواية أفلاطون عن القوة الخارقة التي تسيطر على العالم. 
الطريق خال أمام الادارة الاميركية توسّعاً على مدى ما يصل مخيال "المحافظين الجدد"، فمألوف التوازنات الدولية اندثر بانهيار القطب السوفييتي والكوكب بدا كرة في الملعب الاميركي لصناعة نظام عالمي جديد على أنقاض العراق والمنطقة العربية. لم تفتح طهران أذرعها على وقع أزيز دبابات الغزو في العراق، انتقاماً من صدام حسين كما توقعت كوندليزا رايس. 
ولم تنهر سوريا هلعاً كما راود شيوخ الحلم الاميركي، فالغوغائية العربية الوحشية كما يحضُّ عليها "برنار لويس" في كتابه "من بابل إلى دراغومانز" العام 2003 لا تتهذّب بغير كسر أنفَتَها. وبما أن الآلة الأميركية العسكرية غرقت في الوحول العراقية باكراً على غير ما ذهب إليه المخيال الاميركي، أخذ واشنطن الظن بكسر الأنفَة العربية بالعدوان الاسرائيلي على المقاومة. 
ما ظهر في وثائق مؤتمرات "هرتسيليا" بعد عدوان تموز، يشير إلى أن اسرائيل تحيّنت فرصة العجز الاميركي عن التوسّع أبعد من العراق، من أجل إعادة الاعتبار إلى ما يُوصف بأنه أرخص قاعدة عسكرية اميركية. فهذه القاعدة العسكرية جرّت دولا عربية إلى واشنطن والغرب على وقع الهزيمة في الحرب. 
وهي اعتادت على مغامرات محسوبة الكلفة والخسائر، فتراءى لاسرائيل أن حرباً ضد المقاومة يمكن أن تكرّسها شرطياً إقليمياً معتمداً في النظام الدولي الجديد، ومن هذا الموقع يمكنها تطويع سوريا وإيران وحركات المقاومة في فلسطين، والتربّع على عرش الشرق الاوسط فوق حلفاء واشنطن في المنطقة. 
هزيمة العدوان في تموز وآب، قلب مجمل هذه المراهنات رأساً على عقب مهما كانت مآلات الحريق الملتهب في المنطقة العربية. فاسرائيل فقدت إلى حدّ بعيد دور الشرطي الاقليمي، ولعلّ إعادة تموضع الادارة الاميركية في تراجع اعتمادها على اسرائيل يعود إلى هزيمة المشروع الاسرائيلي في حرب تموز. كما أن أوهام تربّعها على عرش الشرق الأوسط، دونها موازين قوى اقليمية رادعة على مستوى المنطقة. 
وربما بات من غير المرجح أن تغامر اسرائيل بحرب كبيرة ضد المقاومة في لبنان، من غير أن تتوقع رد الصاع صاعين على مستوى المنطقة. وعلى الرغم من ارتسام حلف اسرائيلي ــ عربي يبدو قابلاً للنمو باضطراد في المنطقة، فإن هذا الحلف محمول بدفع عربي أملاً في مواجهة إيران والمقاومة وليس نتيجة الصعود الاسرائيلي في المنطقة. وهو في سياق ما يسمى الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين واشنطن وبعض الدول العربية على عكس ما كانت تقوم به اسرائيل في دفع العرب باتجاه واشنطن بالحرب عنوة. 
اسرائيل التي انكسرت شكيمتها في تموز حين سعت إلى كسر الأنفَة العربية، تبدو لبعض العرب غلاّبة الهوى.