طهران في حديقة واشنطن الخلفية

بينما يقوم وزير الخارجية الإيراني بجولته اللاتينية، يذهب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي إلى الهند في الشرق الأقصى. ربما تعوّل إيران على السير عكس التيار الذي يجرف دول الجنوب في تقديم التنازلات إلى واشنطن بدعوى الممر الإجباري لضمان السلامة. فربما يكون كسر المحرّمات أقرب طرق الأمان المستدام.

بداية الجولة من كوبا وختامها في فنزويلا
جولة وزير الخارجية الايراني في أميركا اللاتينية، أبعادها سياسية في مرحلة بناء قواعد اشتباك جديدة مع واشنطن بعد الاتفاق النووي. والدول التي يجول عليها محمد جواد ظريف، هي بدورها في خضم هذه المرحلة إثر وفاة هوغو تشافيز وسقوط رئيسة الارجنتين كريستينا كيرشنير وتجميد رئيسة البرازيل ديلما روسيف.

لا تندرج البرازيل والارجنتين في جولة ظريف بسبب تحوّلهما في اتجاه واشنطن، على الرغم من علاقات طهران الاقتصادية مع البلدين، ومنح إيران رخصتي تنقيب لشركة "بترو براس" البرازيلية قبالة سواحل الخليج وبحر قزوين. بل تشمل الجولة الدول الصديقة لإيران في حديقة واشنطن الخلفية ابتداء بكوبا. وبعدها الدول الصديقة الأخرى، نيكاراغوا، تشيلي، بوليفيا، وختامها في بلد تشافيز فنزويلا الذي يتعرّض إلى توسّع سياسة واشنطن وإلى حصار اقتصادي خانق. 


طهران هي التي بدأت بمد اليد إلى أميركا الجنوبية، في تقديم المساعدة إلى كوبا المثقلة بأزمة انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. فجمع البلدان مناهضة الإمبريالية الأميركية كما عبّر فيدل كاسترو في طهران العام 2001، أو التعاون لتحطيم الطاغوت الأميركي بحسب ردّ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي أثناء استقبال كاسترو.

ولم تتوانَ الدول اللاتينية الساعية إلى تفكيك التبعية على هدى كوبا، عن التضامن مع الجمهورية الاسلامية في حمأة العقوبات والحصار الأميركي ــ الدولي على إيران. فبين عامي 2005 و2012 قام الرئيس السابق محمود أحمدي نجادي بسبع جولات رسمية في أميركا اللاتينية. بينما زار هوغو تشافيز إيران 10 مرات قبل وفاته العام 2013. وفي هذا السياق يقول ظريف في جولته "إن طهران لا تنسى أصدقاءها خلال فترة العقوبات".


الوفد الاقتصادي الكبير الذي يصحب ظريف في جولته، يدل في أعضائه الستين على الأهمية القصوى التي توليها طهران لعلاقاتها، وفق مجيد روانجي مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأميركا. وهو يأمل بقفزة نوعية في اتفاقيات الطاقة والزراعة والقطاعات الأخرى المتنوّعة، لكن إيران وأصدقاءها لا يبحثون عن توسّع الأسواق في هذه الاتفاقيات، إنما يبحثون عن توسيع التحالفات التي تقلق واشنطن حسبما نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية على موقعها تعليقاً على جولة ظريف.

إن تعثّر مشروع الاندماج الإقليمي في أميركا اللاتينية، يدفع الدول اللاتينية المناهضة للتبعية إلى التلاقي مع إيران كقطب من دول الجنوب لم تستطع واشنطن تطويعه بالحصار، فاضطرت إلى قبول قواعد اشتباك ندّية في الاتفاق النووي. أما قاعدة التلاقي الأخرى فهي نصرة قضية الشعب الفلسطيني ومعاداة إسرائيل التي تقوم بتخريب الدول اللاتينية ولعب دور حصان طروادة في تغلغل النفوذ والمصالح الأميركية.


وفي المقابل ترث إيران في مواجهة "الشيطان الأكبر" وفي قواعد الاشتباك الجديدة، تراث مرحلة دول عدم الانحياز في اعتمادها على علاقات جنوب ــ جنوب لحرصها على "الاحترام المتبادل لاستقلال الدول" وفق قول ظريف لرئيس الأكوادور رافاييل كوريا. فإيران الساعية إلى تنويع علاقاتها وتبادل مصالحها في اتجاه الشرق مع موسكو ومنظمة دول شانغهاي، تحنُّ إلى الجنوب القريب والبعيد. بل ربما تتحسّس من عدم احترام الاستقلالية والعلاقات المتكافئة مع الدول العظمى التي تتقاطع معها على مسائل استراتيجية كمكافحة الارهاب أو الحفاظ على سيادة الدول.


بينما يقوم ظريف بجولته اللاتينية، يذهب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني إلى الهند في الشرق الأقصى. ربما تعوّل إيران على السير عكس التيار الذي يجرف دول الجنوب في تقديم التنازلات إلى واشنطن بدعوى الممر الإجباري لضمان السلامة. فربما يكون كسر المحرّمات أقرب طرق الأمان المستدام.