اغتيال القنطار..المعركة بلا حدود

توازن الردع استراتيجية المقاومة لتوحيد الجبهة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. لكن اسرائيل تحاول إعاقة استكمال الحلقة في سوريا بالاغتيالات والاعتداءات الممنهجة. ربما تأمل اقتحام "الحل في سوريا" من جانب إثارة المخاطر الأمنية.

جريمة اغتيال القنطار "انتقام أبلغ مما يقوم به الشيطان"
في مطلع السنة بدأت اسرائيل جرائم اغتيال قيادة المقاومة الميدانية في القنيطرة، واختتمتها بجريمة جرمانة. فالمقاومة تسعى إلى إرساء قواعد توازن الردع في جبهة موحّدة على امتداد لبنان وسوريا، بينما تحاول اسرائيل تفكيك تمدّد الجبهة أملاً بحصر قواعد الاشتباك مع المقاومة في لبنان.

في هذا السياق، أخذت المقاومة بأولويّة مواجهة اسرائيل في خطّين متوازيين على الأرض السورية. أولهما منع سقوط سوريا في أيدي حلف إقليمي ــ دولي يعوّل على تغيير موقع سوريا الجيو ــ سياسي في اتجاه الغرب وخنق المقاومة. وهو تعويل مسلّح بجماعات تسهّل مرور تحالف واشنطن إلى سوريا والمنطقة، عبر تدميرها النسيج الثقافي ــ الاجتماعي والقضاء الهمجي على حضارة المنطقة وأسباب العمران. لكن مواجهة المقاومة لهذا الخراب لم يصرفها عن أولويّة مواجهة الاحتلال الاسرائيلي في مسار موازٍ في الوقت نفسه، تَبنيهِ القيادة الميدانية في سوريا لبْنة فوق لبنة. وليست دماء جهاد مغنية وسمير القنطار سوى تعبير عن عزيمة المقاومة في التضحية لمواجهة اسرائيل في أحلك الانهيار العربي والإسلامي.

جريمة اغتيال القنطار "انتقام أبلغ مما يقوم به الشيطان"، كما وعد مناحيم بيغين. لكن الضوء الأخضر لما سمته اسرائيل "إغلاق الحساب"، هو أميركي أشارت إليه واشنطن في إدراج اسم سمير القنطار على "لائحة الارهاب الدولي" في أيلول/ سبتمبر الماضي، مع قياديين في الأرض المحتلة. فالإدارة الأميركية تأمل "طمأنة" اسرائيل إلى رعاية واشنطن "للأمن القومي الإسرائيلي"، كما تعهّد أوباما دوماً في عزّ الخلاف مع نتانياهو. أو كما تحاول واشنطن فيما تسميه "تشديد العقوبات على حزب الله".

لكن حلفاء واشنطن من العرب يذهبون أبعد من اسرائيل والولايات المتحدة، في التحريض على المقاومة طوال الوقت، ولا سيما إثر اغتيال سمير القنطار. فعندما تشير واشنطن بأصبعها إلى سمير القنطار والمقاومة في تهديد أمن اسرائيل من سوريا، يستهوي حلفاء واشنطن إمعان النظر في الاصبع الذي يفتّح مواهب الردح في اتهام القنطار والمقاومة "بقتل أطفال الشعب السوري"، على ما فاضت عبقريات، ومنها أسبقيات في كشف مواهب مغمورة. ولا يعدو هدف هذه الحملة المدوزنَة على إيقاع مؤتمرات الرياض وباريس ونيويورك، عن كونه محاولة لإغراق لائحة الجماعات الارهابية بتنظيمات المقاومة، والتوصل ربما إلى إعلاء أحرار الشام وجيش الاسلام إلى درجة في صف المقاومة.

اسرائيل التي تغذي صبيانية حلفاء واشنطن بالحبكة والايحاء، وفق ما تناولته "واشنطن بوست" أو صحيفة "لوموند" وغيرها، تأخذ معركة اغتيال القادة الميدانيين، على محمل خرق قواعد الاشتباك مع المقاومة في سوريا. فهي تحاول أن تحكّ جلدها بظفرها في السعي لتقطيع أوصال الجبهة الموحّدة، فيما تعتمد على استنزاف المقاومة في حروب بالوكالة استنزافاً وفتنة. ففي مجرى إمساك موسكو بناصية العقد والربط في سوريا، تحرص اسرائيل على "عدم التطبيع" مع الأمر الواقع الروسي في الجانب المتعلّق بإفادة المقاومة من حماية الأجواء السورية لتعزيز مواجهة اسرائيل على الجبهة مع سوريا. في هذا الجانب لا يوجد اتفاق روسي ــ اسرائيلي على وقف المعركة بين اسرائيل والمقاومة. إنما يقتصر التنسيق بينهما على "عدم التصادم" في الأجواء السورية، مثل التنسيق مع واشنطن وفرنسا وبريطانيا...عبر غرفة العمليات الروسية. غير أن موسكو لم تتفق كذلك مع المقاومة على وقف المعركة في مواجهة اسرائيل من سوريا ولبنان. ولم تتخلَّ المقاومة عن حماية نفسها بنفسها، ضمانة لحرية الحركة والخيار في أولويتها الأولى، وضمانة لقطع الطريق على أي بحث فيما يسمى "وقف الاعتداء المتبادَل" أو الأمن مقابل الأمن... إلخ

توازن الردع استراتيجية المقاومة لتوحيد الجبهة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. لكن اسرائيل تحاول إعاقة استكمال الحلقة في سوريا بالاغتيالات والاعتداءات الممنهجة. ربما تأمل اقتحام "الحل في سوريا" من جانب إثارة المخاطر الأمنية. وربما تأمل التعريض بروسيا كما تتفتق مخيّلة بعض الجهابذة في ضفّة تحالف واشنطن. ولا تبدو المقاومة متأثرة بما قيل وما يقال. تمضي في طريق يعترضه صاع اسرائيلي، لكنها اعتادت على ردّ الصاع بقنطار.