أمثلة عملية بشأن توريد الفساد من أوروبا

ونحن نكتب هذه الأسطر تقف السيّدة ويلسون ريبولد وزير ةالمحاربين القُدامى (وزير ة العدل سابقاً) أمام لجنة العدل الكندية للإدلاء بشهادتها حول ما بات يُعرَف في كندا بفضيحة شركة لافالين نسبة إلى شركة أس إن سي لافالين

أصبحت الاتهامات موضوع قضية في المحاكم الكندية

لعلّ حركات التحرّر في العالم والتي بدأت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قد نجحت إلى حد بعيد في تحرير أراضي عدد كبير من دول العالم أهمها دول جنوب المتوسط، لكنها بالتأكيد لم تنجح حتى اليوم في تكريس الإستقلال الاقتصادي وحماية ثروات الشرق من نهب الغرب. للاحتلال الاقتصادي أوجه كثيرة فيكون مقابل الحماية  العسكرية مثلما يحدث مع دول الخليج، أو يكون من خلال الشركات الاقتصادية والتي تدخل دول الشرق بدعوى التفوّق التكنولوجي ثم تستقطب عدداً من عملاء تلك الدولة لتبدأ عمليات النهب من دون رقيب ولا حسيب، ليس هذا وحسب بل إن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى إشراف بعض مسؤولي الدول المنهوبة على عمليات النهب مقابل الحصول على بعض الفتات. هذا من دون الحديث عن الأموال المجمّدة للدول العربية خصوصاً تونس وليبيا و التي يُعدّ إسترجاعها أمر أً صعباً جداً، وبمرور الوقت يصبح مستحيلاً ثم تختفي تلك الأموال.

ونحن نكتب هذه الأسطر تقف السيّدة ويلسون ريبولد وزير ةالمحاربين القُدامى (وزير ة العدل سابقاً) أمام لجنة العدل الكندية للإدلاء بشهادتها حول ما بات يُعرَف في كندا بفضيحة شركة لافالين نسبة إلى شركة أس إن سي لافالين (SNC-Lavalin). وتعود أطوار القصة إلى يوم 17 شباط/فبراير الماضي حينما نشرت مجلة غلوب أند مايل Globe and Mail الكندية معلومات صادِمة "مكتب جوستين ترودو قد يكون ضغط على الوزيرة لتعليق دعوى قضائية مرفوعة بحق شركة SNC-Lavalin "وهي واحدة من أكبر الشركات الهندسية في العالم ، ومقرّها في مونتريال. هذه الشركة تواجه إتهامات بالفساد منذ شباط/فبراير  2015 من قِبَل الدَرَك الملكي في كندا بسبب أنشطتها في ليبيا التي أصبحت منذ مدة طويلة موضوعاً للتحقيق بسبب شكوك في عمليات فساد و إحتيال.

أصبحت الاتهامات موضوع قضية في المحاكم الكندية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018، وتتمثّل هذه الاتهامات في قيام شركة SNC-Lavalin بدفع 48 مليون دولار  كندي لمسؤولين في الدولة الليبية، إضافة إلى التحايل على الدولة الليبية في مبلغ ضخم يتجاوز 130 مليون دولار كندي، كما أنه في ال30 عاماً الأخيرة غنمت الشركة عشرات العقود بمبالغ طائلة تتجاوز مليارات الدولارات ، كما نجحت في تكوين شبكة علاقات تفوح منها رائحة الفساد، وتقول مصادر من الدَرَك لملكي الكندي أن الشركة نجحت في ربط علاقات وثيقة بنجل الزعيم الراحل معمّر القذافي الساعدي القذافي والذي ساعد الشركة في الفوز بعددٍ كبير من العقود للقيام بمشاريع في ليبيا مقابل مبالغ مالية ضخمة.

أصبحت فضائح الشركة المالية حديث الصحف منذ 2012 حتى وجدت طريقها إلى القضاء في تشرين الثاي/نوفمبر 2018، لكن في 14 كانون الثاني/يناير 2019 استقالت وزيرة العدل ويلسون ريبولد لتصبح بعد ذلك وزيرة للمُحاربين القُدامى.

وأصرّت الوزيرة على موقعها الإلكتروني على استقلال وزير العدل، الذي يتولّى أيضا منصب المدّعي العام في كندا وفي ذلك الوقت. وقالت بهذا الخصوص في رسالتها المؤرّخة في 14 كانون الثاني/يناير 2019 إن "دور المدّعي العام لكندا يتضمّن مسؤوليات فريدة في ما يتعلّق باحترام سيادة القانون وإقامة العدل.لذلك يتطلّب المنصب بعض الاستقلالية. يجب أن يكون نظامنا القضائي بمنأى عن التدخّل السياسي وأن يحافظ على أعلى مستوى من الثقة العامة، وهو أحد أركان ديمقراطيتنا". لكن و طبقاً للقانون الكندي على وزيرة العدل السابقة أن تلزم الصمت إحتراماً للسرّ المهني، استقالت ولسن لم تكن الوحية فبعدها بيوم واحد استقال مدير مكتب جستن ترودو جيرالد بوتس ما جعل القضية تشغل الرأي العام الكندي.

في المقابل أعلنت الحكومة الكندية عن رفع السر المهني في ما يتعلق بقضية شركة SNC-Lavalin ما جعل لجنة العدل تستدعي وزيرة العادل السابقة للاستماع إلى أقوالها.

ليست الشركة الكندية الوحيدة المتورّطة في عمليات فساد ، فملف شركة كوتوزال الفرنسية و التي تختصّ في إنتاج الملح  في تونس يُعتَبر من أكثر الملفات التي تحوم حوله الكثير من الشبهات. شرعت هذه الشركة الناتجة من اندماج أربع شركات تستغل ملاّحات هي: خنيس، سيدى سالم، صفاقس (طينة) ومقرين، بموجب مرسوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1949. لم تكن تلك المشكلة الوحيدة لعقد استغلال الملاّحات في تونس من قِبَل شركة "كوتوزال"، إذ إن المادّة 11 من اتفاقيّة 1949 تُعدّ أكبر نقطة استفهام تُحيط بنشاط الشركة في تونس. تنصّ المادة على "سداد حقوق استغلال الأملاك العامة بقيمة 1 فرنك  (الفرنك هو العملة الفرنسية قبل تأسيس الاتحاد الأوروبي) للهكتار الواحد سنوياً لجميع المناطق التي تشملها رسوم الامتياز للمجال العام".

إلى جانب ذلك تُعتَبر فضيحة حقل مسكار (جنوب شرق العاصمة تونس) من أكثر الفضائح التي تتكتّم عليها الدولة التونسية إلى اليوم، يصل إحتياطي الغاز في حقل مسكار إلى1.5 تريليون قدم كعب و بطاقة إنتاج يومية تقدّر ب200 مليون قدم مكعب .بدأت أشغال التنقيب في الحقل سنة 1989 تحت إشراف بريتش غاز البريطانية ، و في سنة 1996 بدأ إنتاج الغاز من الحقل و في السنة التي بدأ فيها الإنتاج تخلّت الدولة التونسية في إطار صفقة مشبوهة عن الحقل و أصبح مملوكاً بنسبة 100 بالمائة إلى الشركة البريطانية. وبإمتلاكها للحقل أصبحت برتش غاز تبيع الغاز لشركة إنتاج الكهرباء في تونس مقابل 700 مليون دولار سنوياً، تونس تشتري غازها منذ 19سنة.

بالتوازي مع هذا تبقى فضيحة فرنسا في إفريقيا هي الأكبر والأشد كارثية، فقبل أن تمنح فرنسا الدول الأفريقية استقلالها، سعت إلى ضمان عدم خسارة ثروات القارة من خلال فرض توقيع اتفاقيات، ما زالت سارية إلى اليوم. بموجب إحدى هذه الاتفاقيات، على عدد من البلدان الأفريقية أن تودِع مدخّراتها المالية لدى البنك الفرنسي، وبذلك “تحفظ” فرنسا المدخّرات المالية لأربعة عشر بلداً أفريقياً منذ سنة 1961. ومؤخراً، ضمّت الصين صوتها إلى الأصوات الأفريقية الرافِضة لهذه الاتفاقية نظراً إلى أنها تعيق مشاريعها الاستثمارية وتفرض على الصين المرور عبر البنك المركزي الفرنسي قبل أن تدخل رؤوس أموال والأصول إلى الدول المعنية.

عمليات النهب و الاحتيال التي تتم تحت رعاية الدول الغربية دفعت أيضًا برئيس المجلس الإيطالي لويجي دي مايو إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ جملة من العقوبات ضد الدول الأوروبية التي تستغل البلدان الأفريقية الفقيرة، وعلى رأسها فرنسا، قائلاً "على الاتحاد الأوروبي أن يعاقب فرنسا، وكل البلدان التي هي مثل فرنسا، حيث يستغلّون البلدان الأفريقية، وفي المقابل يرحّلون المهاجرين الأفارقة، لأن مكان الأفارقة هو أفريقيا حسبهم وليس أوروبا". دي مايو قال أيضاً إنه لو لم تنهب فرنسا خيرات أفريقيا لما تجاوز اقتصادها المرتبة 15 عالمياً .