الإسلام العقلاني للشيخ الشعراوي

لا أعتقد أن أحداً من رجال الدين قد يحظى يوماً ما بتلك المكانة من التقدير والمحبة لدى العامة من المصريين غير المُختصين بالطبع في الشأن الديني للشيخ الشعراوي ، وليس هذا للمواضيع والإشكاليات الدينية التي كان يتناولها الشعراوي ، فهي لاتختلف كثيراً عن تلك التي باتت الهم الشاغِل لرجال الدين هذه الأيام ، كهل يجوز صيام الست من شوال بنية قضاء رمضان ، ولكن لاعتماده على الأسلوب البسيط لتقديم المواضيع الدينية للعامة والمزاوجة بين العمق والبساطة وذلك من خلال اللهجة المصرية الدارجة.

ويحظى الشعراوي بنفس القدر من الجدل ، فبينما يراه البعض مُجدِّداً للخطاب الديني وتنويرياً إسلامياً ، يراه البعض الآخر خصوصاً من المثقفين وروّاد التنوير يُعتَبر الشعراوي ويمثل نموذجاً للفكر المتطرّف الذي يقدّم الأفكار الرجعية غير التقدمية للعامة بما يخدم الحركات أو بالأحرى الأفكار المتطرّفة ، ويسمح لها بالتغلغل داخل المجتمع خاصة أن الشعراوي كما وصفه إبراهيم عيسى شيخ جماهير واسع النفوذ والتأثير، فمن ثم فإن أياً من آرائه أو الفتاوي أو سلوكياته تصبح ذات أهمية كبيرة لأنها ذات تأثير أكبر.

لا أقدّس الشعراوي كما يفعل البعض ، فلا يقبل توجيه لوم أو نقد لآراء الشيخ وكأنه بلغ منزلة الأنبياء ، ولكن أيضاً لا أقبل الانتقاص من الرجل مثلما يفعل البعض ، فيصبح الانتقاد مجرّد "عداء غير مُبرَّر" فهو بالنسبة لي ليس إلا من صنعية الإعلام المصري الذي قدَّمه للعامة في مصر عندما كان الإعلام يمتلك تأثيراً حقيقياً على المواطن وتشكيل وعيه، وقد كان الضيف الأبرز للبرامج الدينية في الإذاعة والمحطات الرسمية قبل أن يصبح في ما بعد الضيف الوحيد تقريباً.

الإمام الشعراوي " وأنا أحرص دائماً على مشاهدة الحلقات التلفزيونية المسجّلة التي كان يلقيها بشكل منتظم في المساجد ، والتي تغزو الفضائيات المصرية والعربية في المناسبات الدينية"، لم يقدّم أي جديد يخدم الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية سوى أنه عمل على إعادة ترسيخ المفاهيم والآراء الدينية التي كانت لدى العامة على عكس آخرين من معاصريه الذين قدَّموا منهجاً جديداً في الفكر الإسلامي ، وحاولوا تجديد الخطاب الديني بما يتلاءم مع هذا العصر، ولم ينالوا تلك المكانة التي بلغها الشعراوي كالإمام محمّد الغزالي وآخرين أعتقد أنهم كانوا أولى.

والآن يتجدَّد الجدل بين فترةٍ وأخرى حول بعض آراء الإمام كإن المرأة لا تخرج للعمل إلا لأمرين، أولهما أن تكون ليس لها عائل، وفي هذه الحال "تبقى معذورة"، والثانية أن تخرج على قدر الضرورة ، وأن أكل لحوم الخيل ليس مُحرَّماً ، أو أن المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منها.

ولا أعتقد صراحة إننا بحاجة إلى هذا الجدل أو الخلافات التي تعود بين لحظة وأخرى عن تلك الآراء التي باتت محسومة على الأغلب ولا تخدم لا الفكر الإسلامي ولا الثقافة الإسلامية.

يقول الإمام محمّد الغزالي عن تلك الخلافات: إن السلطات المُستبِدّة قديماً وحديثاً تسُرها الخلافات العلمية التي لا تمسّها! هل الشك ينقض الوضوء أَم لا؟ هل رؤية الله في الآخرة مُمكنة أَمْ مُمتنعة؟هل قراءة الإمام تكفي عن المصلين أمْ لا تكفي؟.إن حكّام الجور يتمنّون لو غرق الجمهور في هذه القضايا فلم يخرج! لكنه يشعر بضُر بَالغ عندما يُقال: هل الدولة لخدمة فرد أمْ مبدأ؟ فماذا يكون المال دولة بين بعض الناس؟هل يعيش الناس ـ كما وُلِدوا ـ أحراراً أَمْ تستعبدهم سياط الفراعنة حيناً ولُقمَة الخبز حيناً؟.

وفي كتابه الرائع "الإسلام العقلانى - الفكر التجديدى عند أمين الخولى" يرى الدكتور أحمد سالم إن اهتمام المثقفين العرب مع بداية نصف القرن العشرين وبداية عهد التحرّر من الاستعمار وسيطرة الأنظمة الاستبداية، انتقل من الهمّ الوطني، وتحرير الأرض، والبحث عن أسباب النهضة، إلى الخلافات الفكرية بين كافة تيارات الثقافة العربية، وبدلاً من استمرار خط النهضة في الحوار بدأت جذور الشقاق بين هذه التيارات إلى أن وصلنا إلى حالٍ عدائية بين الإسلاميين والعلمانيين ، فكل اتجاة يعيش داخل إطار مطلق أنه يمتلك الحقيقة المُطلقة ، فالإسلاميون يتّهمون الطرف الآخر بالتغريب والعمالة والخيانة ، في المقابل يردّ الطرف الآخر الاتهام بالرجعية والتخلّف والتطرّف ، بينما تستفيد الأنظمة الاستبداية من تلك الخلافات والتي توظّف هؤلاء ضد هؤلاء .