مخاطر تهدّد أردوغان

انتهت الانتخابات المحلية التركية بفوز حزب العدالة بنحو 51.6% من الأصوات في الانتخابات البلدية ، إلا أنه كان فوزاً مصحوباً بضربتين موجعتين للرئيس رجب طيب أردوغان، وحزبه "العدالة والتنمية" الذي يرأسه أيضاً، بعد أن خسر العاصمة أنقرة وإسطنبول، في تغيير كبير طرأ على الخارطة السياسية في البلاد بالرغم من إعلان اللجنة العليا للانتخابات التركية أنها ستعيد فرز الأصوات في عدد من الدوائر الانتخابية في مدينة إسطنبول، بعد قبول الاعتراضات

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يخطىء إطلاقاً عندما وصف الانتخابات البلدية أنها "مسألة حياة أو موت بالنسبة للبلاد" ، ولا أعتقد أن أحداً في تركيا يقدّر أهمية الانتخابات البلدية أفضل من الرئيس التركي أردوغان وهو مَن وصل إلى سدّة الحكم في تركيا من بوابة رئاسة مجلس إسطنبول البلدي عام 1994

خسارة المدن الكبري في الانتخابات الأخيرة تمثل صدمة كبرى للرئيس التركي الذي لم يعرف طعم الهزيمة منذ أن تولّى رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994 ، وقد تدفعه الخسارة إلى إعادة تقييم بعض الأجندات الاقتصادية والسياسية الداخلية في تركيا ، إلى جانب إعادة ترتيب بعض الملفات الخارجية التي تتعلّق بالعلاقة مع البلدان الأخرى وإن كان من واقع السنوات الأخيرة في تركيا أن الأتراك لا يعنيهم كيف تُدير الحكومة الملفات بقدر الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

لكن السؤال يبقى لماذا خسر أردوغان: هل هو رغبة في التجديد من قِبَل الأتراك؟ أم بسبب الأزمات الاقتصادية الأخيرة التي تسبّبت فيها سياسات حكومة أردوغان؟ وهل للكرد دور؟

تراجُع الوضع الاقتصادي كان سبباً رئيساً لخسارة أردوغان المدن الكبرى في الانتخابات البلدية بعدما اعتمد طويلاً منذ العام 2002 على ارتفاع مضطرد لنسبة النمو في البلاد ، ما أتاح له تحقيق انتصارات انتخابية مُتتالية ، فالعدالة والتنمية دخل هذه الانتخابات وهو يواجه انكماشاً للمرة الأولى منذ عشر سنوات فيما سجّلت نسبة تضخّم قياسية والبطالة إلى ارتفاع مضطرد.

فتركيا التي كانت نموذجاً اقتصادياً يُحتذى به للدول النامية سجّل اقتصادها أسوأ أداء له منذ 9 سنوات بسبب أزمة الليرة ، حيث فاقت وتيرة انكماش الاقتصاد في الربع الرابع على أساس سنوي متوسّط التوقّعات في استطلاع لرويترز الذي بلغ 2.7 بالمئة، وهو أسوأ أداء منذ 2009. وتراجعت الليرة قليلاً في البداية بعد نشر البيانات الرسمية للناتج المحلي الإجمالي، قبل أن تتعافى إلى 5.4260 ليرة للدولار، وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي أن الاقتصاد نما 2.6 بالمئة في عام 2018 بأكمله، وهو أيضاً أضعف أداء منذ 2009. وكان الاستطلاع قد توقّع نمواً نسبته 2.55 بالمئة.

وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع بعد التعديل في ضوء العوامل الموسمية والتقويم 2.4 بالمئة مقارنة مع الربع السابق. وأظهرت البيانات أيضاً أن الاقتصاد نما 1.8 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثالث، متجاوزاً التقدير الأوّلي البالغ 1.6 بالمئة وتباطأ الاقتصاد بشكل مُفاجئ في النصف الثاني من العام الماضي بسبب أزمة الليرة التي اندلعت جرّاء خلاف مع الولايات المتحدة دفع واشنطن لفرض رسوم وعقوبات ومخاوف تتعلق باستقلالية البنك المركزي في ظل ضغوط من الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض.

وبلغ التضخّم أعلى مستوياته في 15 عاماً ليتجاوز 25 بالمئة في أكتوبر تشرين الأول، ورفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي إلى 24 بالمئة في سبتمبر أيلول.

الكرد: كان للكرد أيضاً دور بارز في الانتخابات الأخيرة التي كان الهدف الكردي الوحيد فيها إسقاط أردوغان والعدالة والتنمية ، فقد قرّر حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد تقديم مرشّحين في جنوب شرق البلاد حيث غالبية السكان من الكرد، ولم يقدّم مرشّحين في المناطق الأخرى لتجنّب تشتيت الأصوات المناهضة لأردوغان.
.