حركة حماس وحكومة أشتية

المتوقّع من حكومة أشتيه أن تجعل من تطوير وتدعيم الخدمات الأساسية، الأساسل نجاحها وذلك لإقناع الرأي العام بعمل الحكومة وإنتاجيّتها، وما اللقاءات المُكثّفة والمشاورات التي يجريها أشتيه مع مؤسّسات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة والفصائل الأخرى، وتأكيده على أن الحكومة الجديدة هي حكومة الكل الفلسطيني إلا في سبيل طرح الثقة المجتمعية فيها.

لم يأت تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس للدكتور محمّد أشتية بتشكيل الحكومة الثامنة عشر عبثاً، إذ أن أشتية يُعتَبر من ألمع القيادات الفتحاوية، وأكثرها كفاءة وخبرة، ويحمل الدكتوراه في الدراسات التنموية، وعمل وزيراً للأشغال ورئيساً للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)؛ بمعنى أنه الأقدر لتولّي هذه المهمّة في ظلّ الهجمة الاقتصادية الأميركية والإسرائيلية على منظمة التحرير الفلسطينية. حيث أن المهمة التنموية والإقتصادية باتت الآن تشكّل التحدّي الأساسي بعد جريمة القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصّة، من أجل ابتزاز القيادة الفلسطينية للرضوخ للمطالب الأميركية والإسرائيلية، وأشتية بحكم علمه وخبرته الاقتصادية، قد يكون الأقدر على وضع الحلول الاقتصادية والتخفيف من الآثار الاجتماعية.
المتوقّع من حكومة أشتيه أن تجعل من تطوير وتدعيم الخدمات الأساسية، الأساسل نجاحها وذلك لإقناع الرأي العام بعمل الحكومة وإنتاجيّتها، وما اللقاءات المُكثّفة والمشاورات التي يجريها أشتيه مع مؤسّسات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة والفصائل الأخرى، وتأكيده على أن الحكومة الجديدة هي حكومة الكل الفلسطيني إلا في سبيل طرح الثقة المجتمعية فيها.
تمثل قضية الانتخابات التشريعية أبرز التحديات أمام حكومة أشتية في ظل مواصلة حماس رفضها لها وتعذّر المصالحة، وقد أظهرت نتائج استفتاء كانت قد أجرتها "دنيا الوطن" في كانون الثاني / يناير 2019، وشارك فيه أكثر من (431) ألف شخص من مختلف دول العالم، أن (65.7%) يعتقدون أنه لن تُجرى انتخابات تشريعية في فلسطين، في حين يعتقد (75.9%) أن الانتخابات لن تجرى في قطاع غزّة، فيما أكّد (75.9%) من المصوّتين بأنهم سيشاركون في الانتخابات المقبلة في حال أُجريت.
من خلال هذه النتائج، يمكن أن نستشفّ مدى حماس المواطن الفلسطيني للمشاركة في العملية الانتخابية، ومدى إحباطه في نفس الوقت من إمكانية إجرائها في ظلّ تعنّت حكومة الأمر الواقع في قطاع غزّة. وفي مواجهة هذا التحدّي، يبدو أن أشتيه يتّكىء على قاعدة "الحزب الحاكم في خدمة الشعب" كمفتاح لنجاح هذه الحكومة؛ التي ستستمد مناعتها من رأس المال الاجتماعي ومن ثقافة الثقة التي ستعكسها على برنامج عملها. ولا تقتصر هذه السياسة على مواجهة التحدّي المفروض من قِبَل حركة حماس في غزّة، وإنما تفيد كقوّة حربة استعداداً لمواجهة أية هجمة إسرائيلية وأميركية جديدة.
مع تكليف أشتية برئاسة الحكومة الفلسطينية الجديدة وتأكيده بأن غزّة ستكون حاضرة بقوّة في برنامج الحكومة الجديدة؛ الذي يقوم على احتضان كل الفلسطينيين من دون استثناء، بما يتضمّنه من إجراء تسوية تاريخية تنهي تشتّتهم، وتوحّد مؤسّساتهم، وتحلّ منطق المشروع الوطني مكان صراعاتهم، وتطوي صفحة الانقسام الأسود الذي فرّقهم، وتوقِف التدخّلات الخارجية في وطنهم، جاء رد حركة حماس الفوري بخروج ميليشياتها إلى شوارع غزّة لتضرب وتنكّل وتقمع وتطلق الرصاص صوب أبناء القطاع الذين رفعوا شعار "بدنا نعيش" احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردّية ، مؤكّدةً رفضها لمنطق المشروع الوطني الذي تحمله منظمة التحرير الفلسطينية، وما الاعتداء الهمَجي على عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية عاطف أبو سيف والذي سبقه التشكيك في شرعية منظمة التحرير كممثل للفلسطينيين، إلا شواهد حيّة على مدى تساوق حركة حماس مع المشروع الأميركي والإسرائيلي الرامي إلى ضرب مرتكزات الهوية الفلسطينية وتدمير المنظمة كونها مأسست هذه الهوية وعملت على تعزيزها في الوجدان الفلسطيني وفرضها في الوجدان الأممي، حيث أن التشكيك في شرعية تمثيل المنظمة للفلسطينيين لا يقلّ خطورة عما قامت وتقوم به الإدارة الأميركية وربيبتها "إسرائيل".
استندت حركة حماس منذ صيف 2007، إلى ثقافة القوّة في فرض سيطرتها وهيمنتها على القطاع، مراهنةً على بقاء الأغلبية الصامتة كما هي، إلا أنها لم تعِ أن الأغلبية الصامتة ليست دوماً صامتة، حتى وإن لم تعبّرعن مشاعرها عبر الطُرق المُسماة ديمقراطية طيلة إثني عشر عاماً.
في ضوء تواصل احتجاجات حراك "بدنا نعيش" منذ 14 آذار/ مارس 2019، يمكن القول بأن هذا الحراك هو بمثابة أزمة ستبقى ملازمة لحركة حماس طالما لم تُنجز عملية علاجية في المنطلق التفكيري للحركة . وإن استمرت الأزمة إلى فترة ليست بالقصيرة، ستتحوّل لتكون سيرورة، بمعنى أنها ستكون في امتداد وتطوّر وحركة متتالية، ما يعني وجوباً أن حماس ستُدخل نفسها في دائرة الانتحار السياسي والأخلاقي والوطني، ولن تنجو إلا بالقضاء على التطرّف الذي يحكم عقليتها.
إن ثقافة القوّة بمفهومها السطحي لا يمكنها أن تضاهي ثقافة الثقة ورأس المال الاجتماعي، وعليه فإن هذه المشاهد المؤلمة التي تشهدها شوارع قطاع غزّة، تستدعي من الكل الفلسطيني العمل بإصرار إلى جانب الحكومة الجديدة إسناداً لأهدافها الوطنية والوقوف بحزم لقطع يد كل مَن يريد السيطرة على التاريخ الفلسطيني وإنهاء خطر يقضّ مضجع الفلسطينيين.