في برلين حملة صهيونية على أسيرتين فلسطينيتين سابقتين
لطالما شهدت ساحات النضال الفلسطيني والعربي في أوروبا مثل هذه الهجمات الصهيونية على منظميها وعلى ضيوف النشاطات. ففي خضم المواجهة المفتوحة مع الصهاينة في وعلى كل جبهات الصراع يجب علينا أن نكون حذرين ويقظين وعلى يقين بأن أيّ شيء يؤلمهم ويزعجهم هو شيء يسعدنا ويفرحنا ويعزّز مسيرة نضالنا.
شهدت وتشهد برلين نشاطات فلسطينية مختلفة في شهر آذار الجاري وكما في كل أشهر السنة. لكن لنشاطات آذار هذا العام نكهة أخرى لأنها تأتي في ظل حملات صهيونية معادية لها. ومع أنها ليست المرة الأولى التي تشن فيها منظمات يهودية صهيونية في ألمانيا وبرلين بالذات حملات ضد الفلسطينيين وجميعياتهم ومؤسساتهم واتحاداتهم، إلا أنها تأتي ضد مناضلة فلسطينية عريقة وتاريخية وكبيرة ألا وهي الأسيرة المحرّرة، رسمية عودة، التي تمّ نزع الجنسية الأميركية عنها وترحيلها خارج الولايات المتحدة الأميركية سنة 2017. بحجّة عدم تقديمها معلومات صحيحة عند حصولها على الفيزا الأميركية.
لكن السبب الحقيقي في كل ذلك هو قيامها سنة 1969 بتنفيذ عملية فدائية في قلب القدس المحتلة. أدّت إلى مصرع وجرح عدد من الصهاينة. اعتقلت على إثرها وأمضت عشر سنوات في الاعتقال الصهيوني حيث تعرّضت خلاله لكل أصناف التعذيب الجسدي والنفسي. وتحرّرت سنة 1979 في عملية تبادل للأسرى بين الفلسطينيين والصهاينة.
النشاط الذي أثار الصهاينة وأتباعهم في برلين هو مهرجان آذار الفلسطيني لتكريم المرأة والأسرى. تقيمه مؤسّسات فلسطينية عديدة ويشارك فيه أبناء وبنات الجاليتين العربية والفلسطينية في عاصمة الرايخ. هذه العاصمة العريقة التي تأوي عشرات آلاف الفلسطينيين اللاجئين، وكذلك عشرات آلاف العرب المهاجرين واللاجئين أيضاً.
أمّا الوجود الجماهيري الفلسطيني في برلين فهو الأكبر بين كل الفلسطينيين القاطنين في أوروبا. كما أنه الأكثر حراكاً ونشاطاً على كل المستويات الجماهيرية وفي الشوارع والساحات والميادين العامة، إذ لا يمر أسبوع من دون حدوث نشاط أو أكثر في برلين. وتعزّز الحضور الفلسطيني الضخم في ألمانيا وبرلين بالذات بعد اللجوء الكبير لفلسطينيي سوريا إلى هناك هرباً من مجازر داعش والعصابات التكفيرية والحرب السورية، حيث دمّرت مخيماتهم واستُبيحت على غرار الذي حصل في مخيم اليرموك. ويُقدّر اليوم العدد الإجمالي لكل اللاحئين في ألمانيا بحوالى المائتي ألف لاجئ فلسطيني، يتمركزون بالذات في برلين وغرب ألمانيا.
مواجهات الفلسطينيين والعرب في برلين مع الصهاينة اليهود المُتنفّذين في كل ألمانيا وفي كل مؤسّساتها ووسائل إعلامها مواجهة مستمرة منذ ما قبل عملية ميونيخ الشهيرة سنة 1972. وتتصاعد مع كل حدث هام تشارك فيه شخصيات تعتبر بالنسبة إلى صهاينة ألمانيا مثيرة للجدل، أو إرهابية حسب تصنيفها للمناضلين وللمناضلات كما حصل سابقاً مع المناضلة الفلسطينية الكبيرة ليلى خالد، أو كما يحصل اليوم مع الأسيرتين المُحرّرتين رسمية عودة والشاعرة دارين طاطور.
هذا العام أطلق الحراك الشبابي الفلسطيني ومعه شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى أعمال مهرجان آذار الفلسطيني، الذي يحتفي بنضال المرأة الفلسطينية وبالأسرى الفلسطينيين والأسيرات المُحرّرات. والذي يسعى لإبراز وتسليط الضوء على دور الحركة الأسيرة والمرأة الفلسطينية في النضال والمقاومة لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين.
في بيان لها ناشدت ودعت الجهات المعنية الجاليات العربية وبالذات الفلسطينية وطالبتها بأوسع مشاركة في استقبال الأسيرتين المُحرّرتين رسمية عودة والشاعرة دارين طاطور، وذلك يوم الجمعة 15 آذار / مارس 2019 .
وجاء في نصّ رسالة الجهات الداعية للمهرجان والموجّهة للجاليات العربية وللفلسطينيين ولأصدقاء شعب فلسطين في برلين:
"إنّ الأصوات العنصرية والصهيونية المُعادية لشعبنا في برلين بدأت تعوي وتنبح ضد وجود كل من المناضلة والأسيرة الفلسطينية المُحرّرة رسمية عودة والأسيرة السابقة الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور في برلين حيث تشاركان في "مهرجان آذار الفلسطيني"، حيث نشرت بعض الصحف الصهيونية ومواقع التواصل الاجتماعي ومنظمات صهيونية هجوماً حاداً على وجود الأسيرتين المُحرذرتين في برلين".
لطالما شهدت ساحات النضال الفلسطيني والعربي في أوروبا مثل هذه الهجمات الصهيونية على منظميها وعلى ضيوف النشاطات. ففي خضم المواجهة المفتوحة مع الصهاينة في وعلى كل جبهات الصراع يجب علينا أن نكون حذرين ويقظين وعلى يقين بأن أيّ شيء يؤلمهم ويزعجهم هو شيء يسعدنا ويفرحنا ويعزّز مسيرة نضالنا. فصراعنا مع الكيان الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود كما قال عنه الزعيم السوري القومي الراحل أنطون سعاده. وهو صراع مستمر وطويل وحرب شعب طويلة المدى النصر فيها بالنهاية للفلسطينيين وللعرب المدافعين عن شرف وكرامة وأرض الأمّة العربية. فهو صراع الحق مع الباطل و صراع نكون أو لا نكون.
شهادة المقاوم العربي الفلسطيني أو المرأة العربية الفلسطينية المقاومة تأتي من خلال النضال والالتزام والتضحية والتفاني والانتماء والعمل لأجل القضية. وتأتي أيضاً من خلال مُعاداة الصهاينة وأعوانهم للمقاومين وللمقاومات وهذا ما حصل ويحصل الآن مع المناضلتين الفلسطينيتين.
مَن هما رسمية عودة ودارين طاطور؟
رسمية عودة مولودة في قضاء رام الله سنة 1944، نفّذت عمليات فدائية عديدة قتل وجرح فيها صهاينة في القدس المحتلة. اعتقلت سنة 1969 وأطلق سراحها في عملية تبادل سنة 1979 . انضمّت منذ البدايات لحركة القوميين العرب ثم لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. التقيت بها في الجنوب اللبناني بعد التحرّر من الأسر حيث قامت برفقة الأسرى المحرّرين ومنهم الرفيق والصديق الأسير المحرّر سكران سكران، بزيارة قواعد الفدائيين في القطاع الأوسط جنوبي لبنان.
الشاعرة دارين طاطور التي تقوم بجولة أوروبية لفضح ممارسات الاحتلال الصهيوني كانت قد عقدت عدّة محاضرات في العاصمة النرويجية أوسلو الأسبوع الفائت، بدعوة من لجان التضامن والمناصرين لفلسطين في النرويج. دراين شاعرة وإعلامية فلسطينية تتحدر من قرية قرب الناصرة في فلسطين المحتلة 1948. تمّ سجنها ومحاكمتها على خلفية قصيدة نشرتها في مقطع فيديو ومجّدت ودعت فيه للمقاومة في أعقاب جريمة إحراق منزل عائلة دوابشة من قِبَل المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة سنة 2015. وممّا جاء في مطلع قصيدتها:
قاوم يا شعبي قاومهم
في القدس
في القدس ضمّدت جراحي
ونفثت همومي لله
وحملت الروح على كفّي
من أجل فلسطين العرب
لن أرضى بالحل السلمي
لن أُنزل أبداً عَلَم بلادي
حتى أُنزلهم من وطني
أركعهم لزماني الآتي
قاوم يا شعبي قاومهم
قاوم سطو المستوطن
واتبع قافلة الشهداء