مقتل خاشقجي والتطبيع الخليجي مع الصهاينة

أعتقد بأن حادثة اغتيال الصحافي السعودي الشهير جمال خاشقجي رحمه الله، قد أدّت إلى زيادة وتيرة التطبيع الخليجي مع الصهاينة الذين استغلّوا هذه الفرصة الذهبية من أجل تخويف حكّام هذه الدول النفطية الغنية، التي ارتعبت لما جرى لخاشقجي والضغوط السِّياسية والإعلامية الكبيرة جداً التي مورِست ضدَّ نظام الحُكم في السعودية، والتي لم تحمها علاقاتها الوطيدة مع واشنطن في وقف تلك الحملة الشرِسة، التي ستُطيح كما يرى متابعون بوليّ العهد محمّد بن سلمان والإتيان بعمّه أحمد بن عبد العزيز السدري ليحلّ محلّه في ولاية العهد. فالأزمة الكبيرة التي أحدثتها هذه الجريمة النكراء في العلاقات السعودية مع العديد من الدول الغربية التي أصبحت تُطالب السعودية عَلناً بأن تكشف عن مصير جثّة خاشقجي، بالإضافة إلى إسم المسؤول الذي أمر بارتكاب هذه الجريمة، والذي بات يعرف الجميع بأنه ليس سوى وليّ العهد محمّد بن سلمان شخصياً.

ولأن الكيان الصهيوني له علاقات واسعة جداً مع الكثير من وسائل الإعلام الغربية الكبرى، التي دعمت جرائمه في قطاع غزّة وحربه ضدَّ لبنان سنة 2006م، ولا زالت تسوِّق لصورته ككيانٍ ديمقراطي يقع ضمن غابة من الديكتاتورية والتخلّف والرجعية والإرهاب،  يحاول ملوك وأمراء قطر والإمارات وسلطنة عُمان الذين ارتكبوا بالتأكيد الكثير من الجرائم ضدَّ شعوبهم والتي لم تُشر إليها وسائل الإعلام الدولية لأنها لم تفضح بعد الاستفادة منها لتلميع صورتهم أمام الرأي العام الدولي، ولكن ممارسة هذه الأنظمة  العربية الرجعية للتعذيب والاعتقال والقمْع  المُمنهَج وانعدام الحريات الفردية، وعدم وجود دساتير مكتوبة لمُعظمها، يجعلها أمام موقف دولي حَرِج جداً، وخاصة أن دولاً خليجية كالبحرين والإمارات ساندت الموقف السعودي في قضيّة مصرع خاشقجي ، وهي تعلم يقيناً بأن محمّد بن سلمان هو مَن أعطى الأوامر للفريق الأمني والإستخباراتي الذي ذهب إلى تركيا في مهمّة مُحدَّدة له سلفاً.

أما الخطر الإيراني الذي أصبح كالبُعبُع الذي يخوِّف به ترامب دول الخليج والذي يريد نتنياهو أن يستعمله كوسيلةٍ للضغط عليها من أجل ابتزازها مالياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، لأن تل أبيب تريد قبل كل شيء أن تكون لها الشرعية القانونية والتاريخية في قلب الأمّة العربية، وعند الدول الخليجية التي بالرغم من صغر حجمها ولكن حالياً وعلى رأسها السعودية والإمارات هي مَن تدير السِّياسة الخارجية العربية وتوجّه دفّتها، في ظلّ غياب الدور التاريخي لدولٍ كبرى كالجزائر والعراق وسوريا ومصر التي أصبحت في عهد السيسي مُجرّد دولة ضعيفة تابعة للمحور الصهيو خليجي الذي بدأت معالمه تتشكّل تدريجاً الآن.

فالوضع العربي الراهِن والذي أصبح في وضعِ ميئوس منه للأسف، تستغلّه إسرائيل التي خطّطت منذ سنوات عديدة لتدمير الدول العربية المحورية وإضعاف الأخرى ، من أجل إيصالها في تحقيق استراتيجيها الكبرى للسيطرة على الوطن العربي، وتشكيل ما يُعرَف بدول الناتو الشرق أوسطي الذي ظاهره سيكون من أجل مُحاربة إيران الفارسية الصفوية كما يُطلِق عليها الإعلام الصهيوني والوهّابي، ولكن باطنه سيكون  تشكيل تحالف سياسي وعسكري واقتصادي وإعلامي، يهدف إلى ضرب حركات التحرّر العربية، و إجهاض أيّ مشروع نهضوي يستهدف ضرب النفوذ الأميركي والصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، وإضعاف الدورين الروسي والتركي، وخاصة بعد أن أصبحت جيوش هذه الدول متواجدة في سوريا، وهي التي لها حدود تماس جيواستراتيجي مع فلسطين المحتلة وهذا ما تخشاه تل أبيب وواشنطن.

فالحرب الدائِرة رُحاها منذ سنواتٍ بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والتي ازدادت حدّتها بعد أن أصبحت الجيوش الروسية على مُقربةٍ من النفوذ الأميركي في أكثر منطقة غنيّة بالثروات الطبيعية والنفطية في العالم، والتي انخرطت فيها دول إقليمية كبرى وخوف دول الخليج من أن تطالها، دفع أنظمة هذه الدول إلى الهرولة إلى التحالف مع كيانٍ استيطاني مُجرِم، بالرغم من عِلمهم بأن الشعوب العربية رافِضة لهذه الخطوة جُملة وتفصيلاً، ووظّفت تل أبيب قضية مقتل خاشقجي رحمه الله ببراعةٍ هذه المرّة، لكي توهِم أنظمة هذه الدول بأن إسرائيل وحدها مَن تستطيع حمايتها في حال ارتكبت جرائم مماثلة، كما حمَت مسؤوليها الكبار الذين تورّطوا في جرائم إبادة للفلسطينيين ولم تطلهم يد القضاء الدولي، وسكت عنهم الإعلام الغربي، والذي تستعمل إسرائيل قضية المحرقة اليهودية الهولوكست كحجّةٍ وذريعةٍ من أجل اتّهام كل مَن يفضحها باللاسامية، وأعتقد بأن الأدوار قد تم توزيعها  ببراعةٍ هذه المرة بين واشنطن وتل أبيب للضغط على هذه الدول الخليجية لتُمعن في التودّد إلى الصهاينة، الذين كانوا ولا يزالون هم السَّرطان الذي فرَّق أمّتنا وزرع الفِتَن والطائفية بين شعوبها ودولها من المحيط إلى الخليج.