أزمة البرلمان في الجزائر والتحريض السياسي الواضح ضدّ رئيسه

تعيش الجزائر حالياً أزمة برلمانية تُعتَبر الأكثر تأزّماً وتعقيداً في التاريخ السياسي في بلاد الشهداء، حيث شنّت عدّة كتل برلمانية محسوبة على الموالاة، وبالأخصّ الكتل البرلمانية التابعة لأحزاب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمّع الوطني الديمقراطية وغيرهما من الأحزاب، حملة إعلامية  غير مسبوقة على رئيس البرلمان.

الجزائر في الوقت الراهِن تدخل مُنعَرجاً سياسياً خطيراً جداً في ظلّ حروب بين عَصَب السلطة على الحُكم

احتجّت ظاهرياً على عدّة إجراءات دستورية قام بها السيِّد السعيد بوحجّة، ومنها قيامه بإقالة الأمين العام للمجلس الشعبي الوطني السيِّد بشير سليماني، وتكليف السيِّد هاشمي عدالة رئيس ديوانه بمهام الأمانة العامة بالنيابة، لأن الأمين العام المُقال وبحسب بوحجّة قام بعدّة أخطاء قاتِلة استدعت إقالته، واعتبر أن هذا الأمر الذي قام به هو من صلاحياته  الدستورية التي لا دخل لأحد فيها، ولكن ولأن رئيس البرلمان الجزائري، والذي ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني المعروف بأنه حزب السلطة الأول، وصاحب أكبر كتلة برلمانية داخل أروقة المجلس الشعبي الوطني في الجزائر والذي يبلغ عدد أعضائه حوالي 389 عضواً، ويعتبر أهم غُرَف البرلمان الجزائري الذي يتكوّن من غرفتي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمّة.

في خلاف شديد مع جمال وِلْد عباس الأمين العام غير الشرعي للأفالان بنظر الكثيرين يحاول هؤلاء النواب استغلال هذا الخلاف للإطاحة به. فالسعيد بوحجّة الذي انقلب عليه نواب المجلس الشعبي الوطني في معظمهم لأنه قام بإجراء سلسلة من الإصلاحات داخل أروقته أزعجتهم وقضّت مضاجعهم، حيث حرمهم من الاستفادة من الكثير من الامتيازات التي رآها بأنها غير ضرورية وغير قانونية، ومنها حقّهم في التنقّل في السيارات الدبلوماسية التابعة لسفارات الجزائر في الخارج، وأرسل برقية عاجِلة إلى وزارة الخارجية بهذا الخصوص، وشدَّد على أن أيَّ نائب تحصَّل على قرض بنكي عليه أن يسدّده من ماله الخاص، أو عليه تحمّل تبعاته أمام القضاء، والعديد من الإجراءات التي لم ترق لهم، فشنّوا عليه حملة شعواء، دعمهم فيها جمال وِلْد عباس، الذي هدّد باستعمال القوّة لإجباره على الاستقالة من منصبه، وقام بتجميد عضويّته في الحزب بالرغم من أن الأخير مجاهد ويُعتَبر من القيادات التاريخية لحزب الأفالان.

ولكن كل ذلك لم يشفع له لأنه تحدّى قرارات جمال وِلْد عباس التي تصبّ في خدمة نواب كتلته البرلمانية، حتى وإن كانت ضدَّ مصلحة الشعب والدولة، وما زاد الطين بلّة أن اللجنة القانونية  للبرلمان خرقت القوانين الداخلية وبنود الدستور، واتفق أعضاؤها بعد إجراء تصويت باطل وغير قانوني بإيعاز من جمال وِلْد عباس والسيِّد أحمد أويحيى رئيس الحكومة الحالية، على مَنْح السعيد بوحجّة مدة 15 يوماً، لتقديم استقالته، وإلا فأنهم سيقيلونه بالقوّة، ويعيّنون شخصاً آخر مكانه يحفظ لهم مصالحهم وامتيازاتهم التي كانت تُعتَبر من مكاسبهم الشخصية التي يعتبرونها حقاً مُقدّساً لهم رغم غير قانونيّتها.

فالجزائر في الوقت الراهِن تدخل مُنعَرجاً سياسياً خطيراً جداً في ظلّ حروب بين عَصَب السلطة على الحُكم، والتي ظهرت في شكل أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متواصلة، وأزمة البرلمان الحالية ليست إلا إحداها بالتأكيد.