مشاكل قطاع السكن في الجزائر

يُعتبر قطاع السكن من أهم القطاعات الحسّاسة التي من المفروض أن تولي لها الدولة الأهمية القصوى، لأن السكن يُعتبر من أساسيات الحياة التي لا غنى عنها، فبغيابه لا يستطيع المواطن أن يتزوّج أو أن يكوِّن أسرة، أو أن يحقّق الاستقرار النفسي أو المعنوي أو حتى المادي.

الحكومة الجزائرية تحتاج إلى الكثير من سنواتٍ طويلة، ولميزانية ضخمة، واستراتيجية وطنية دقيقة للتخفيف من حدَّة الأزمة التي لا يمكن القضاء عليها بوتيرة الإنجاز الحالية

الدولة الجزائرية التي أقرَّت الكثير من صيغ الإسكان ما بين صيغ السكنات الترقوية أو العقارية، والتي تكون في العادة مدعومة بنسب معينة من طرف وزارة السكن والعمران، أو تلك السكنات المجانية، وذلك عن طريق صيغ السكنات الاجتماعية الموجّهة للفئات الهشّة والضعيفة أو المعدومة الدخل، والتي يعتبرها الكثيرون أحد المكتسبات الاجتماعية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

فهذا القطاع الذي قدّمت السلطة السياسية المتمثّلة في رئيس البلاد السيِّد عبد العزيز بوتفليقة، الكثير من الوعود البرّاقة للمواطنين في إطار مخطّطاتها  التنموية الخماسية، بأنها ستقوم بالقضاء على مشكل أزمة السكن نهائياً وذلك في ظرف سنوات قليلة فقط، وكانت في كل عهدة تقدّم معلومات مغلوطة وغير دقيقة عن العدد الكلّي للسكنات الجاهزة التي تم تسليمها لأصحابها، والتي تجاوزت بحسب الأرقام الرسمية المقدَّمة من طرف الجهات المختصّة حوالي 2.8 مليون وحدة سكنية حتى سنة 2015م، بميزانية ناهزت 60 مليار دولار.

ولكن وضعية القطاع والمشاكل الكبيرة التي يعيشها حالياً، وما يعرفه من بيروقراطية وسوء تسيير ومحسوبية في توزيع السكنات، وعجز الدولة عن احتواء كل هذه المشاكل، وخاصة على المستوى المحلّي، حيث تندلع أعمال شغب وعنف مباشرة بعد الإعلان عن قوائم السكن  بصيغتها الاجتماعية في العادة كما حدث مؤخّراً في بلدية خميس مليانة، التابعة لولاية عين الدفلى، والتي تعدّ من أكبر البلديات في إفريقيا والجزائر، بعد قيام رئيس البلدية ورئيس الدائرة بتوزيع أكثر من 1300 وحدة سكنية، لأناس لا يقطنون في تلك البلدية، ولأصحاب النفوذ والمصالح وحرمان المئات من المواطنين المُتضرّرين من حقهم المكفول لهم قانوناً في استفادتهم من السكن، ووقوف السلطات الولائية والمركزية متفرّجة عاجزة عن محاسبتهم أو التحقيق معهم على خلفيّة قيامهم بالتلاعُب بتوزيع السَّكنات الاجتماعية، وهذه ليست إلا عيّنة صغيرة جداً مما يُعانيه المواطنون جرّاء عجز السلطات في أعلى هرم السّلطة عن معالجة مشاكل هذا القطاع الذي أصبح حيوياً لأمن البلاد الاجتماعي على الأقل. فالبطاقة الوطنية للسكن التي  تحصي أكثر من 4.6 مليون مستفيد، والذين لا يحق لهم الاستفادة مرة أخرى من مختلف الصيغ السكنية، ولكن للأسف الشديد، في كل مرة يتم تسجيل عشرات الخروقات والشكاوى التي تؤكّد بأن هناك أشخاصاً قد استفادوا من سكنات جاهزة وفي عدّة ولايات.

وبالرغم من تأكيد السلطات المُختصّة بأن أزمة السكن سيتم القضاء عليها نهائياً سنة 2018م، ولكن كل المؤشّرات تؤكّد بأن هذه الأزمة تتفاقم مع مرور الوقت، إذ أن عدد سكان المدن ارتفع إلى أكثر من 65% في العشرية الأخيرة، مقارنة بما كان عليه الوضع منذ الاستقلال، وخاصة في المدن السَّاحلية والكبرى، وهذا ما يضع السلطة السٍّياسية أمام تحديات كبرى، وذلك في ظلِّ عدم توافر الأوعية العقارية الكافية لبناء مزيد من السكنات، أو نقص السيولة المالية جرّاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد حالياً، وعدم توافر شركات مقاولة وطنية كبرى قادرة على الإيفاء بوعود الحكومة في ما يخصّ هذا القطاع، وبالتالي فإن الحكومة الجزائرية تحتاج إلى الكثير من سنواتٍ طويلة، ولميزانية ضخمة، واستراتيجية وطنية دقيقة ومحكمة للتخفيف من حدَّة هذه الأزمة والتي لا يمكن القضاء عليها بسهولة بوتيرة الإنجاز الحالية بكل تأكيد.