ترامب والإعلام الأميركي .. الجبهة مفتوحة

تبدّل المشهد سريعاً في العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإعلام في الولايات المتحدة، وتبدو الجبهة المفتوحة بين الطرفين منذ كانون الثاني/ يناير الماضي في حالة تطوّر مستمر لا يظهر أنها ستتراجع في المدى المنظور.

ترامب: أظهرُ على إحدى تلك البرامج فتزيد نسبة المشاهدين إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف .. وهذا يمنحك القوّة

تغيّر واقع العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإعلام الأميركي بشكل ملحوظ بين ما قبل دخول البيت الأبيض وما بعده.

لفت اسم ترامب انتباه الوكالات الأميركية منذ البداية، خاصة بعد تصريحاته النارية التي حملت كلاماً عدائياً للإسلام، ووعوداً بالقيام بإجراءات أمنية صارمة من طراز تشييد جدار على الحدود مع المكسيك. ومع تقدّمه في السباق، كان من الطبيعي أن يحصد ترامب المزيد من التغطية الإعلامية.

شبكة "سي أن أن" تُعطى كنموذج على ذلك، حيث قيل إن الشبكة انحازت لصالح ترامب من أجل رفع عدد المشاهدين، من خلال التركيز على التصريحات المدهشة للأخير.

لاري كينغ، مذيع سابق في "سي أن أن"، أشار إلى تركيز هذه الوكالة على كل خطاب كان يلقيه ترامب في التصفيات الأولى، قائلاً "بدا الأمر وكأن المرشحين الآخرين غير موجودين".

تود هاريس (مستشار مراسل الواشنطن بوست ماركو روبيو) اتهم جيف زوكر (رئيس شبكة "سي أن أن") بأنه "منح الهواء ساعات وساعات لمساعدي ترامب من أجل قول الأكاذيب.

المرشح الجمهوري لم يكن أقلّ حضوراً على شبكة "فوكس نيوز"، والتي يظهر أنها بقيت الأحب إلى قلبه بعد دخوله البيت الأبيض، فقد زادت نسبة المشاهدين لهذه الشبكة نحو 40% مع بدء تركيزها على نشاط ترامب، وهو ما حصل ولو بنسبة أقل مع شبكة "أم أس أن بي سي".

ولا شكّ أن ترامب كان يعي جيّداً تأثير حضوره هذا، فصرّح في إحدى تصريحاته قائلاً "أظهرُ على إحدى تلك البرامج فتزيد نسبة المشاهدين إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف.. وهذا يمنحك القوّة".

من ناحية أخرى، وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أنفق ترامب 10 ملايين دولار على الإعلانات التلفزيونية، وهو رقم متواضع مقارنة بما أنفقته السيدة كلينتون (27.9 مليون دولار)، أو المرشح جيب بوش الذي أنفق 82 مليون دولار في هذا المجال.

هذا بالنسبة للفضائيات، أما بالنسبة للصحف، فإن نحو 20 صحيفة فقط دعمت ترامب خلال التصفيات الرئاسية، بينما حصلت كلينتون على دعم أكثر من 200 صحيفة.

جامعة هارفرد الأميركية بدورها أشارت في دراسة لها، إلى أن 56% من التغطية الإعلامية التي ركّزت على النقاط السلبية للمرشح الجمهوري قبل يوم الانتخابات.

لكن خلال هذه المرحلة، و بالاعتماد على التصريحات النارية الملفتة، تفوّق ترامب على كلينتون بالقدرة على جذب الإعلام، بنسبة تصل إلى 15%.

بعد دخول البيت الأبيض

بدأت مشاكل ترامب الرئيس مع "سي أن أن"، التي اتهمها ترامب بالانحياز بنسبة 100% لصالح منافسته هيلاري كلينتون.

لم يقف الأمر بين ترامب و"سي أن أن" عند هذا الحد. اختار الرئيس الأميركي أن يعبّر عن سخطه تجاه الشبكة بشكل غير مسبوق، فنشر على "تويتر" تسجيلاً يظهر فيه خلال مشاركته في إحدى مباريات المصارعة الحرّة سابقاً، وهو يلكم رأس أحد الموجودين، لكنّه استبدل رأس ذاك الشخص بشعار "سي أن أن"!

القصة لا تنتهي هنا. فنادراً ما سلمت وكالة إخبارية كبرى في الولايات المتحدة من اتهام سيّد البيت الأبيض لها بفبركة الأخبار بحقه.

"أن بي سي"، "سي أن أن"، "نيويورك تايمز"، "الواشنطن بوست"، "إي بي سي"، "سي بي أس"، "أم أس أن بي سي"، كلّها وسائل إعلام ألحقها ترامب بعبارته الشهيرة "Fake news"، أو "أخبار زائفة".

أما شبكة "فوكس نيوز"، فهي المحببة إلى قلب ترامب، حيث أكد في إحدى تغريداته أنها أهم من "سي أن أن" داخل الولايات المتحدة.

ردت تلك المنابر الإعلامية على اتهامات ترامب، من خلال تقارير تبحث عن كل الزوايا التي يمكن عبرها توجيه الانتقادات اللاذعة له.

بعض الشبكات، كـ"سي بي أس"، "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي"، قرّرت عدم تغطية الحملة الانتخابية لترامب في انختابات عام 2020، لكن مجلّة "نيوزويك" تفوّقت على منافسيها على الجبهة مع ترامب.

"نيوزويك"أفردت غلاف صفحة لترامب يظهر فيه جالساً على أريكة يشاهد التلفاز، حوله أكياس رقائق البطاطا، ثيابه متّسخة، مع عنوان للغلاف "صبي كسول"!.

تروي المجلّة خلال تقرير لها كيف يقضي الرئيس الأميركي وقته بحسب مصادرها، فتقول إنه يمضي أكثر من 5 ساعات وهو يشاهد التلفاز، مضيفةً أنه زار خلال أشهر عدة بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة نادي غولف أكثر من 40 مرّة!.

لم تكتفِ المجلّة بذلك، بل طلبت في إحدى مقالاتها من الجمهور عدم إخبار ترامب عن ميزة "تويتر" الجديدة، التي زادت عدد الأحرف المسموح به لكل تغريدة، وذلك خوفاً من الأضرار التي ستلحق بالولايات المتحدة إذا ما استخدم ترامب هذه الميزة الجديدة في تغريداته، على حد تعبير المجلّة.

وبحسب ترامب، فإن الهجوم الذي يتعرّض له من وسائل الإعلام هو سبب أساسي يدفعه إلى التغريد بكثرة على "تويتر"، حيث يقول في إحدى تغريداته "لو كانت الصحافة تمنحني تغطية دقيقة وشريفة، لامتلكتُ سبباً أضعف بكثير لكي أغرّد. للأسف، أنا لا أعرف إذا ما كان هذا سيحدث يوماً ما".

على ما يظهر فإن الجبهة بين ترامب والإعلام الأميركي لا تبدو ستهدأ في المدى المنظور. فهل يدفع ترامب في الانتخابات المقبلة ثمن هذا الصراع العنيف؟؟