حلب: إعلام الميدان المشتعل

صاغت المعركة الأخيرة لجيش الفتح مشهداً إعلامياً جديداً. تخدم الصورة الجديدة التي جنّد لأجلها عشرات العدسات والأفراد أهدافا غير بسيطة بعد إعلان أبو محمد الجولاني في 28 تموز الماضي فكّ ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة معلناً عن جبهة فتح الشام، بعد يومين فقط أطلق جيش الفتح وعماده الأساسي جبهة فتح الشام وقوات نورالدين زنكي وفيلق الشام بالإضافة الى تنظيمات أخرى معركة فكّ الطوق عن حلب ولم يكمل شهر الأول.

جيش الفتح في مواجهة الجيش السوري في حلب.

ستّ موجات من الهجوم على مدى سبعة أيام تمكّن خلالها المهاجمون من إختراق تحصينات الجيش السوري وحلفائه والحفر عميقاً في خريطة جنوب غرب حلب بالتوازي مع حرب إعلامية كبيرة.

من إسم المعركة بدأت الحرب: "غزوة ابراهيم اليوسف"، هو الضابط السوري الذي ارتبط بتنظيم الطليعة ونفّذ عمليات قتلت عشرات الجنود السوريين عامي 79 و80 من القرن الماضي قبل أن يقتل. 

التمهيد بالنار وبالاعلام

واكب الحرب في حلب مقدرات لإيصال الصورة وجعلها جزءاً مشاركاً بتحقيق الهدف، اختار جيش الفتح بعناية إطلاق مشاهد التحضير للعمليات، فبثّ مشاهد تستفز مشاعر المتلقين . 
ترى صور ومشاهد لمسلحيه يتلون القرآن وبعدها يصلون بإمامة واحد منهم ويعلنون بعدها العزم على فكّ حصار احياء حلب الشرقية . هي الكاميرا الحية التي ترافق المسلح ، لا الكاميرا الجامدة التي تعرض ضربات نارية وكثافة تدميرية ومشاهد جوية مختلفة. هي مشهدية تكتنز العنصر البشري وتحرص على اظهاره محادثا الجمهور المتلقي. هم مسلحون بسيطون لكنهم خبروا ميدان القتال والكثير منهم يتوجه باللغة الفصيحة ويعبر عن حاله وحال رفاقه بطلاقة بمعظم الاحيان مدعما أقواله بالشواهد الدينية. 
بالمقابل فان المقاتل من الطرف المقابل في الجيش السوري أو في حزب الله يغيب عن صور الاعلام الحربي بشكل كبير. فالمتحدث باسم القوات المسلحة السورية يظهر بلوحة معهودة كلما كان من ضرورة. وهو يظهر بلغته المباشرة الآمرة الناهية الحازمة وبعد ساعات من أي حدث. هو شخص يطل باسم القوات السورية بدون أن يعلن اسمه حتى. 
أما الإعلام الحربي فلم ينتدب إلى اليوم أي ضابط في صفوفه للحديث وإمداد الصحافة والمواقع المختلفة بالتصريحات الواضحة ولم يسمح أيضا لأي من الأفراد بالإدلاء بالتصريحات في وقت يجول سعوديون وشيشانيون وتركستانيون في كل سوريا ويصرحون ويجندون للقتال. لا بد من القول إن القوة الاعلامية تنحاز في النهاية إلى الصورة الحية من الميدان تحدث المتلقين وتخاطبهم.  

جيش الفتح يدخل المدنيين في معركته

جيش الفتح يدخل المدنيين في معركته.
مع إطلاق العمليات العسكرية واكب جيش الفتح حركته العسكرية بتنسيق إعلامي حرفي. فحشد حوله دعما شعبيا كما أراد. هو نقل صورا لاطفال حلب وهم يشعلون الاطارات في الاحياء الشرقية لحجب الرؤية عن الطائرات السورية والروسية. 
ومن خلال هذا المشهد استطاع أن يقول أموراً عدة. منها أن رأياً عاماً يؤيده ، وها هم الأطفال دليل على ذلك. 
بهذا المشهد هم يشحذون همة من انتدبوا لفكّ حصارهم وكل من يرغب بالانضمام للمعركة. استطاع المشهد ايضا وبشكل تلقائيا أن يعطي الرسالة بوجود أطفال داخل مناطق الحصار فيما كان يجهد الاعلام المقابل بالحديث عن حصار لمواقع المسلحين. 
اذاً بعد إطلاق مشاهد الاستعداد الديني للمعركة ومسوغات القتال بالايات القرآنية، أدخل جيش الفتح العامل المدني على الخط ليضيف الى رصيده ، بالتزامن مع إطلاق آلته العسكرية على الارض.

دبابات ومشاة

القيادي في جيش الفتح عبد الله المحيسني.
كما غالب المعارك بثت مشاهد للقيادي في جيش الفتح عبد الله المحيسني وهو في مجلس له مستخدما كل أنواع التحريض المذهبي لاعبا على وتر "التعرض للنساء". ويختم مؤكدا فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية خلال وقت قصير. دبابات تتقدم بمواكبة عشرات المشاة تظهرها مشاهد بثها فيلق الشام اثناء المعارك. 

طائرات تصوير تتابع كل حركات الميدان وتظهر المزيد من القوات التي لم تنخرط بعد في القتال وتنتظر دورها في مواقعها. لواء صقور الجبل التابع للجيش الحر أبرز مشاركته في معارك اقتحام العامرية بمشاهد مماثلة. وتوالت المشاهد تظهر السيطرة على مدرسة الحكمة جنوب غرب حلب وبعدها تلال مؤتة وأحد والمحروقات. 

واكب مصورون العمليات الانتحارية التي مهدت للسيطرة على مدرسة الحكمة. بثت الصور على فايسبوك وتويتر، واكبتها مشهديات منفردة من أرض المعركة. وداع بين المقاتلين بحرارة ، "جريح يأبى إلا متابعة القتال بعد اصابته". وصور لخسائر الطرف المقابل ومشاهد لل"استشهادي" وهو يعلن تقديم نفسه على طريق فك حصار حلب.

كليات المدفعية والتسليح والجوية

الإعلام الحربي.
شكلت معارك الكليات الثلاث جنوب حلب فيصلا في فتح الطريق الى حلب الشرقية. كان الهجوم واضحا باتجاهها ومرتقباً قبل ساعات. تمهيد ناري كبير ظهّرته صور جوية بثها جيش الفتح. 

هي أكوام من النيران تنصب على المنشآت داخل الكلية . في وقت جهد الاعلام الحربي بالحديث عن معارك واشتباكات تدور داخل الكليات وعدم صحة السيطرة عليها وبث مشاهد للكلية الجوية (الاخيرة من جهة الشمال). 
كذلك كان الحال في الراموسة حين ظهر الصحافيون بالفعل ليعلنوا عبر الشاشات لدقائق عدم سقوط دوار الراموسة بيد المسلحين. لم يدم الوضع على هذا الحال طويلا،  دخلت قوات الاقتحام من جيش الفتح كليات المدفعية والتسليح والجوية الفنية وسيطرت على مواقع في الراموسة وتمكنت مجموعاتها من الالتقاء بمسلحي الاحياء الشرقية لحلب. لاكثر من عشرين دقيقة عرضت فضائيات مشاهد اللقاء بين المسلحين. 

هذا المشهد الذي يغيب عن فيديوهات الاعلام الحربي في معارك سوريا أم العراق أم اليمن. مشاهد المعركة الى المدافع والرشاشات هي الافراد والعناصر واللحظات الحية للقتال وللمقاتلين.  

إعلام ما بعد المعركة

خرق المسلحون في جنوب حلب لكنهم يسعون الى تكريس خطوتهم . حاول جيش الفتح التعمية على الخرق كمرحلة ويستخدم الأمر كإنجاز . 
هو يريد ان يبقى الخرق لا ان يزول فيحول الانظار الى  مرحلة جديدة اعلنها لتحرير كل المدينة. هو اعلان قد يكون صوريا لكن النية منه حرف البوصلة وجعل ما حصل في حكم الامر المنتهي لا في حكم الدَين الذي ينتظر المقاصة.بالمقابل فان الاعلام الحربي كان واضحا بأن العمل جار ومستمر يوميا لسد الثغرة بالنار وبعدها على الأرض. 
في الأثناء بدأ جيش الفتح باستغلال كل ما جرى تصويره وكل الاحداث في المعركة. فها هو يبث صور معارك ال 1070 مركزا على انسحاب المدافعين عند الاقتحام، كذلك نشرت تسجيلات لمقاتلين في الحزب وهم يتحدثون عن المعارك. وإن تأخر المحيسني يوما عن موعده فقد بثت مشاهدُ لموكبه متوجها إلى حلب الشرقية والمسلحون يتلقفونه في محطات يقبلونه كالفاتح.

إسدال الستارة

لعل أحد أبرز المشاهد التي كشف عنها هي كيفية تعاطي مسلحي جيش الفتح مع أربعة أسرى من الجيش السوري في كلية المدفعية. مذيلة بالاية القرآنية "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" كان مسلحُ جبهة فتح الشام يعطي الجندي السوري على الارض الماءَ. ربما هي الصورة التي تراد للنسخة الاحدث من جبهة النصرة. 
هي صورة الجيش الذي يقاتل بالمدرعات والمشاة ويواكب بغرف العمليات من لحظة الهجوم إلى لحظة الإنجاز. هي صورة الجيش الذي يستطيع التنسيق بين مختلف مكوناته.
هو الجيش الذي يتقدم وينشر الاخبار ليمحي مشهد ذبح الطفل عبد الله عيسى في حندرات من قبل كتبية نورالدين زنكي المشاركة معه في حلب. 

هذا المشهد قد يضيء على مستقبل جهز لجيش الفتح وعموده "جبهة فتح الشام" بصيغتها المعدلة شكلاً في وقت لم يرقب الاطراف الداعمون كيف بدأت المعركة بالعمليات الانتحارية والتحريض المذهبي.