في وداع 2017

ندفع اليوم ثمن عدم تحرير فلسطين والأجزاء السليبة ألأخرى جميعها وبالتفاصيل المملّة ، لأن ذلك ألغى حدوث المجتمع إلى أجل غير أو لن يُسمّى، لم نستطع تحرير فلسطين هذه حقيقة واضحة فاضحة نتجاهلها بكل وقاحة مستعرضين بطولاتنا و إنجازات المواطنة ! قبل أن يحدث الوطن نفسه!، والوطن ليس أرضاً وشعباً فقط إنه مجتمع واضح ومُعلن ومُنتج ومُنافس ، وخارج المجتمع توجد مجموعات سكانية تتلطّى منتظرة فُرَص الغزو،غزو بعضها البعض .

2016 كانت تشبه 1916 مع فارق التكنولوجيات ، و2017 سوف تشبه 1917 ، وكذلك 2048 سوف تشبه 1948 زمن النكبة الجرح المفتوح الدائم
مع مرور الزمن ..، هل تكبر النوائب والمصائب التي تواجه سكان هذه المنطقة  أم تصغر ؟ سؤال خبرته هذه السكانيات المتحدة على طريقة ( قربت تنحل ، شعارك مدى الحياة )، حيث يستخدمون الأمل ( على أنواعه) في تبخير الجروح المفتوحة لجعلها أقل إيلاماً أو عاراً أو فشلاً ، ولكنها تبقى جروحاً ومفتوحة تتراكم باطّراد طالما بقي الزمن جارياً وهي عائشة فيه تعرض جروحها المقدّسة في استجداء وحنق على متسبّبيه المجهولين/المعروفين علّهم يشفقون أو يخفّفون من غلواء استعماريتهم حباً بالحضارة وحقوق الإنسان.

2016 كانت تشبه 1916 مع فارق التكنولوجيات ، و2017 سوف تشبه 1917 ، وكذلك 2048 سوف تشبه 1948 زمن النكبة الجرح المفتوح الدائم  الذي تسبّب على الرغم من تبخيره المستمر بتعفّن شديد  لجميع الجسد الذي ينتمي ، لدرجة أن الجروح الأخرى لم تعد تؤلم. فمن يهن يسهل الهوان عليه ، والهوان لم يعد بفارق التكنولوجيات على الأقل ، بل بفارق الإنسانيات والثقافات والمجتمعات والمعارف ، فهو ليس هزيمة عابرة في غزوة يمكن تدارك تبعاتها بالثأر أو بكم قصيدة محكمة الوزن وخلاّبة الألفاظ ، بل انهيار وجودي إذا لم تسارع في علاج أسبابه فلسوف تكمل الطريق الطويلة نحو الانحطاط والفناء وربما الاندثار.

بلا مواربة أو تجميل ، ندفع اليوم  ثمن عدم تحرير فلسطين والأجزاء السليبة ألأخرى جميعها وبالتفاصيل المملّة ، لأن ذلك ألغى حدوث المجتمع إلى أجل غير أو لن يُسمّى، لم نستطع تحرير فلسطين هذه حقيقة واضحة فاضحة نتجاهلها بكل وقاحة مستعرضين  بطولاتنا و إنجازات المواطنة ! قبل أن يحدث الوطن نفسه!، والوطن ليس أرضاً وشعباً فقط إنه مجتمع واضح ومُعلن ومُنتج ومُنافس ، وخارج المجتمع توجد مجموعات سكانية تتلطّى منتظرة فُرَص الغزو،غزو بعضها البعض .

والمجتمع فرصة إذا لم يؤخذ بها ضاعت البلاد والعباد ، في انزلاق لا يمكن وقفه إلى الهاوية . وهذا ما يذكّرنا بلحظة تأسيس التجمّعات السكنية التي سُمّيت لغواً "بالدولة" الوطنية بعد الخلاص من العثماني ومجيء الأوروبي ومن ثم الأميركاني بعد يالطا تعرضت خلالها هذه الدولة الوطنية للتنكيل والإهانة المستدامة في شتى تفاصيل وجودها ، لدرجة أنه يمكن إعادتها إلى العصر الحجري في أيّة لحظة.

في مُستهل القرن الماضي لم تكن ما سُمّيت لاحقاً مؤامرات بخفية ، بل كانت مُعلنة تماماً وتنفّذ عملياً على رؤوس الأشهاد ، فلم يخفِ أحد وعد بلفور على الرغم من هزاله وعدم فاعليته ، ولم تخفِ سايكس بيكو تقسيم المنطقة وتقاسمها ، ولم تخفِ الصهيونية مخطّطها ، كما أنه وفي ما بعد لم تكن مقرّرات يالطا بخافية على أحد، كما لم تخفِ الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب مصر في العدوان الثلاثي عليها ، كما أنها لم تخف الجسر الجوّي لدعم الصهاينة في حرب1973، وفي ما بعد لم يخفِ أحد " الفوضى الخلاّقة " ولا " الشرق الأوسط الجديد" ، فعلى ماذا اعتمدت كل هذه "المؤامرات " الناجحة ؟!!.

لوقت طويل يزيد عن القرن ونحن نودّع أعواماً ونستقبل أخرى ، وكل عام أسوأ من الذي يسبقه قياساً على المُنجز البشري العالمي ، فهدر الفُرص عند الشعوب ليس مجرّد فرصة لاستعادة الأمل الثوري ، بل هو مصيبة كاملة الأركان تقتضي الاعتراف بالخطيئة  والاعتذار عنها وبذل الغالي والنفيس في سبيل استعادتها ، فالاستقلال كفرصة إذا لم يكن لحظة رُشد فهو ليس استقلالاً ، لحظة رُشد بمعنى على تأسيس أسباب القوة التي لا يمكن أن تكون خارج التأسيس للإنسان المتساوي ذي الكرامة غير الملتبسة المعلنة والتي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل ، لقد سقطت المنطقة في قبضة الاستعمار من جديد بعد سنوات قليلة  بعد التحرّر من العثماني ، ليس لأنه لم تكن هناك معلومات كافية عن المجتمعات والدول ، بل لأنه لم تكن هناك معرفة مُرضي عنها فالمعرفة بمعانيها الأنوارية ، لم تكن مُخبّأة أو ممنوعة عن أحد والنُخب الثقافية التي صرخت منادية بتأسيس المجتمعات المنتجة تم إسكاتها غيلة لتحل محلها الشركات الثقافية /السياسية ،التي نابت عن السكان في ترويج التقسيم والاقتسام ، لا بل زادت عليه بإهداء بلدان بكاملها إلى من هبّ ودبّ مفرطة بالمعرفة الأنوارية لصالح الأمل الثوري الذي سوف يحلم بغزوات تبدأ بطرد الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي ، ومن ثم التفرّغ لخطة (قربت تنحل شعارك مدى الحياة ) كعمل وحيد لإدارة أزمة عدم تأسيس المجتمع على الأسس الأنوارية، لذلك لن يختلف 2017 عن 2048 ، لأننا لمّا نزل عملياً بين عامي 1916/1917 ، وتغيير الروزنامات والسيارات والملابس لا يعني أننا غادرنا واقعنا إلى مكان آخر ، اللّهم إلا بغير أنواع الاستعمار الخارجي ، ولكن التخلّف هو هو لم يتغيّر قيد أنملة.

منذ بداية القرن الماضي لم تعد السكانيات الاجتماعية هي تجمعات بشرية تتسالم بالفضيلة والشهامة وإغاثة الملهوف ، بل أصبحت بنى معرفية مبنية على ثقافة تنتج السلوك المجتمعي المتضامن على وحدة المصالح، والسكان كأفراد أعضاء ملحوظين (كمصالح) في هذه البنية التي تُسمّى تقنياً ( وليس لغوياً وحسب) مجتمعاً، وهؤلاء الأعضاء مجبورون على الدفاع عن مصالحهم الفردية المتوحّدة مع مصلحة مواطنيهم ( وليس أخوتهم أو أبناء عمومتهم أو أبناء طائفتهم أو مذهبهم أو لون بشرتهم أو جنسهم )، وكذلك نراهم مجبورين على بناء القوة التنافسية الإنتاجية وإنتاج المكانة، هذه المكانة التي فوّتنا فرصتها نكاية بمنتجي المعرفة الأنوارية تحوّلت إرهاباً من خلال إدارة مديري الأزمات ليصبح الغضب من الهوان غضباً غزووياً دموياً ، بدلاً من أن يكون إنتاجياً تنافسياً (والسياسة مثالاً)، والإرهاب هو بنية ثقافية سلوكية متوالدة ، ليس في شأن ترويع "الغرب" ثأرياً فقط بل هو ممارسة سلوكية يومية ناتجة من ثقافة لا تعترف بالمنظومة الحقوقية لتأسيس المجتمع التي تقوم على المساواة والعلانية ( التي أسماها غورباتشيف شفافية اعتذاراً عن تقويض الحزب الشيوعي السوفياتي للشيوعية) ، فالرشوة مثالاً هي عنف (غزو) وقح وليس استبدالاً سياسوياً يعبّر عن مهارة حضارية ، وكذلك الفساد والطائفية وعدم التنوير إنها أداءات عنفوية تحت شعارات الحمائية والتمييز الإيجابي وتكييف الدساتير حتى تناسب المحلي ، ترويض العنف ( حتى في حال احتكاره) هو تحويل طاقته إلى طاقة إنتاجية تنافسية  وهو ما فشلت به سكانيات منطقتنا، فبدلاً من أن ينخفض مؤشره الداخلي متناهياً إلى الصفر  نراه يرتفع حتى يداني مقاسات همجية  لتنخرط السكانيات المحلية في استقطابات واصطفافات لا مجتمعية معلنة المكبوت فيها من ( حق وخير وجمال!!!!!)

لن يُقرأ تاريخ المستقبل إلا من حيث ما نحن عليه الآن، لن تشفع لنا مهارتنا بالفيسبوك ولا براعتنا في استخدام مُكبّرات الصوت ، ولا شهرة سياسيينا ومطربينا وكميات اللايكات التي يجمعون ، ولا الأبناء الذين أبدعوا في أصقاع الدنيا لن يشفع لنا شيء ، كما لم يشفع لنا شيء خلال قرن ونيف من إسكات أصوات التنوير، سوف ندور في نفس الدوامة مكرّرين كذباتنا البيضاء البريئة ، فنقول عن التجمّع السكاني مجتمعاً وعن الأجهزة التي تحتكر العنف دولة وعن التجمعات العصابية طائفياً أو قبلياً أو اثنياً أحزاباً وعن العلم معرفةً الخ الخ ، مطمئنين إلى قولنا هذا من دون أن نعرف (مع أننا نعلم ) المقصود منها ، ولا يبقى لدينا إلا صراعان علينا الاستمرار في التصدي لهما ، الأول هو الانتقام والثأر عقوبة مسلكية لمن أساء إلينا ، والثاني هو التصدّي للمؤامرات المعلنة وتمريغها في تراب مزابل التاريخ ، وهما أمران بسيطان علينا كمدارء بارعين في إدارة أزماتنا وما علينا سوى انتظار إعلان العالم التوبة والتراجع عن التنوير وأفكاره الهدّامة والإنتاج وأفخاخه القاتلة .

بهذه البنية الثقافية /المعرفية ندخل الى أيّ عام قادم علينا إن كان 2017 أو 2048، وليس هناك أيّ اجتراح لمعرفة غيبية على طريقة نجوم قرّاء الطالع التلفزيونيين ، فالعيش الإنساني الجماعي يعني فقط العيش في مجتمعات بالمعنى الحداثي والعيش الفردي البشري هو مواطنة بالمعنى الكامل والحداثي ، وخارج هذين الشكلين المتناسلين عن بعضهما ،لا يمكن لكيان  ذي كرامة مهما كان نوعها ( فردية أم جماعية أم بلدانية ) أن ينوجد، ليس لبناء أن يقوم ويستمر في هذا العالم من دون أساسات مدروسة اعتماداً على المنجز العقلي للبشرية .