الحنين إلى الثورة
كل الحكومات ، ما بعد الثورة فشلت في تحقيق النجاح لتونس وتحقيق الأفضل لشعبها حيث تراجع الاستثمار وتفاقمت البطالة لتصل إلى أعلى نسب قاربة 6 بالمائة سنة 2016 وهذا بدوره زاد في مُعاناة الشعب الذي ما انفكّ يطالب الدولة بالتنمية ولكنه لم يجنِ سوى الوعود والتمنّي.
- 16 كانون الثاني 2017 14:33
صورة أرشيفية من ثورة تونس
بعد ستّ
سنوات مرّت على الثّورة في تونس ،هزّت أركان العالم العربي والإسلامي والغربي
،ماذا تحقّق منها للشعب التونسي؟ الذي حقّق حلماً ما فتئ أن تبخّر على أيدي ساسة
تعهّدوا بتقديم الأفضل لأفضل شعب تمرّد على نظام وقرّر الإطاحة به بسبب انعدام العدالة
الاجتماعية وانعدام تكافؤ الفُرص وغياب الديمقراطية في التنمية ،حيث تركّز
الاهتمام في المناطق الساحلية على حساب بقية الجهات في الجمهورية. ورغم أن مؤشرات
التنمية في سنة 2010 حقّقت نسبة نمو ب 3 بالمائة ،فإن المواطن التونسي كان يطالب بأكثر حرية
وعدالة في توزيع الثروة الوطنية التي تم احتكارها في العهد السابق بيد الرئيس وأصهاره
والمقرّبين من رجال الأعمال والإعلام، مستغلّين التداخل الكبير بين أجهزة الدولة
والحزب الحاكم الذي كان يُمسك بكل مفاصل الدولة بأيادٍ من حديد
كل
الحكومات ، ما بعد الثورة فشلت في تحقيق النجاح لتونس وتحقيق الأفضل لشعبها حيث
تراجع الاستثمار وتفاقمت البطالة لتصل إلى أعلى نسب قاربة 6 بالمائة سنة 2016 وهذا
بدوره زاد في مُعاناة الشعب الذي ما انفكّ يطالب الدولة بالتنمية ولكنه لم يجنِ
سوى الوعود والتمنّي.
إن
الوضع المتأزّم في تونس لأكثر من 6 سنوات دفع المواطن إلى المقارنة مع وضع ما قبل
الثورة، فبالإضافة إلى الفقر والحاجة والبطالة المنتشرة في صفوف الشباب من حاملي
الشهادات العلمية وغيرهم يأتي الملف الأمني ليطفو في كل مناسبة ، فتونس التي كانت
تحظى باستقرار أمني على امتداد سنوات أصبحت بؤرة توتّر وإرهاب يُعيق راحة المواطن وأصبح
السلاح يخترق الحدود التونسية على أيدي مجموعات امتهنت التهريب لتخريب البلاد
.
التحرّكات الاحتجاجية الجماعية والفردية سجّلت زيادة
كبيرة سنة 2016 وكلما اقترب تاريخ إحياء ذكرى الثورة 14 جانفي إلا وتعالت الأصوات
للتنديد بالسياسات المتّبعة في تونس ومطالبين الحكومة بأداء أفضل ، خاصة بعد أن تأكّدت مغادرة عديد الشركات الصناعية الكبرى تونس
نتيجة تأزّم الوضع الأمني والاجتماعي وكان آخرها شركة بيتروفاك للمحروقات المنتصبة
في جزيرة قرقنة حيث عطّل المحتجّون الشركة لعدة أشهر عن العمل الشي دفع أصحابها إلى
مغادرة البلاد والأمثلة متعدّدة حول عدم قدرة الدولة المحافظة على المستثمرين أو
تطوير الاستثمار في الداخل والخارج .
التونسي
غير نادم على قراره الإطاحة بالرئيس السابق ونظامه ولكنه يشعر بالغُبن ، وصدمته
كبيرة من القيادات التي تقدّمت لقيادة تونس ما بعد الثورة ويغمره إحساس بالمرارة بأن وقع استغفاله
والتلاعب به .كل التونسيين أصبحوا يعلمون أن ما حصل أيام الثورة إنما هو حماسة
جماعية وهو حركة هستيرية أجّجها الخطاب الإسلامي الكاذب عبر قنوات فضائية محرّضة
ومدمّرة وهي لن تنتج شيئاً .لقد مرّت السنة تلو الأخرى و تناطحت الأحزاب من أجل
الفوز بالحُكم وهم يعلمون كل العلم أن ما يحدث من تغيير في الحكومات ما هو إلا
مسايرة لرغاباتهم واحتجاجاتهم لا غير .
المواطن التونسي اليوم بات مقتنعاً أن ما حدث
هو سيناريو مدبّر ، تغيّرت به سلطة بسلطة ونظام بنظام ولكن المحتوى حافظ على
كينونته ، فالذين كانوا أيام ثورة 14جانفي 2011 ينادون بالحرية والكرامة والعدالة
هم أنفسهم مَن يشتغل اليوم في مراكز الدولة ، والشعب الذي خرج أيام الثورة لم يكن
مستورداً من خارج تونس ، فهو الموظّف التونسي ورجل الأمن التونسي وهو العامل
التونسي وهو المحامي والطبيب والوزير والمثقّف والإمام والمجرم والمنحرف التونسي فلو
كانوا صادقين في مطالبهم لما تواصل الحال كما هو ونحن غادرنا الثورة لستة أعوام
.اكتشف التونسي خداع السياسة . إن ما حدث كان بمثابة ضرب من الخيال قد يتكرّر ،لأن
التونسي اليوم اقتنع أن خروجه في ذلك اليوم كان منقوصاً فهو خروج لم يكن مشبعاً
بالقِيَم الوطنية والحسّ المدني ولم يكن واعياً بما يمكن أن يُصيب البلاد من فشل
على كل الأصعدة . المواطن التونسي لم يكن يتمتّع بأبسط الدوافع الوطنية ليحمي وطنه
أيام الثورة الشيء الذي جعله دمّر كل مكوّناتها وسلّمها سائغة لقوى قادمة من وراء
البحار لا يربطها بتونس أيّ رابط .ولذلك فإن
تردّد الاحتجاجات في كامل البلاد وفي كل الأوقات وتزداد حرارتها كلما اقتربت ذكرى
يوم 14 جانفي لم يكن الغاية منه الاحتفال بهذه الذكرى بل هو حنين لتكرار ثورة سُرِقت
من أهلها بأهلها فهي ثورة لم تكتمل وبقي
فقط الحنين لتكرارها علّنا نفلح هذه المرة .