ماذا بعد فشل مؤتمر باريس وتنصيب ترامب؟

لم تأتِ دعوة فرنسا إلى هذا المؤتمر سوى في إطار أن يكون لها دور إقليمي أكثر قوة في الشرق الأوسط إلى جانب أفريقيا . ورأى العديد من المُراقبين والمُحلّلين أن فرنسا تعرّضت لضغوطات وابتزازات كبيرة من الطرفين الأمريكي والإسرائيلي. إلا أنني وفي قراءة أخرى أرى أن فرنسا وسياساتها ومصالحها تأتي متوافقة مع السياسة الترامبية تحديداً في ما يتعلّق باعتبار الصين العدو الأول.

صورة من مؤتمر باريس للسلام
بدايةً وبمرارة أقول: يبدو أن نتنياهو صدَق جزئياً حينما وصف مؤتمر باريس بالعبَثي، فحتى لو كانت هناك ناحية إيجابية لهذا المؤتمر تمثّلت في تفعيل القضية الفلسطينية في الأروقة الدولية خصوصاً في ظل انشغال العالم بقضايا سوريا واليمن وداعش وغيرها. إلا أن المؤتمر أُفرغ من محتواه ولم ينصّ على أية آلية متابعة أو آلية دولية فاعلة لإنهاء الاحتلال أو لتحديد سقف زمني لإنجاز هذا الهدف.

فشل باريس

كان المؤتمر مُخيّباً للآمال الكبيرة التي عقدتها القيادة الفلسطينية التي كانت ترى في هذا المؤتمر الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين. ولم يكن البيان الختامي سوى تأكيد وهمي على ورق لمبدأ حل الدولتين وإعادة نشر لمبادئ كيري الستة والتي تقضم الحق الفلسطيني  في نقاط عدّة كالآتي:

· ينسف كيري حق العودة ويطرح تعويضات للاجئين كبديل للعودة .

· يُساوي قوة الاحتلال الإسرائيلي بالمُحتل الفلسطيني (الضحية) .

·هناك تلاعُب بالكلمات في ما يخصّ حدود ال 67 وطرح مسألة تبادُل أراضٍ كحلٍ بديل.

·فكرة كيري لحل الدولتين تتمثّل في أن تكون هناك دولة إسرائيلية توفّر لها كافة الإمكانات والموارد في سبيل تمكينها من الحفاظ على أمنها واستقرارها في مقابل دولة فلسطينية لا تكون مُعسكرَة، وأية دولة تستطيع الحفاظ على حدودها من دون أن تكون مُعسكرَة!.

·يسوقنا هذا المؤتمر إلى مفاوضات ثنائية، لن تلتزم فيها حكومة الاحتلال بأية شروط سواء وقف النشاط الاستيطاني أو النشاط التهويدي في القدس، وفي المقابل وإذا ما التزمنا بما جاء في مؤتمر باريس لن نستطيع التوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية أو متابعة هيئة الأمم المتحدة في ما يتعلق بالجدار والاستيطان وغيرها من القضايا، لأنها حينها ستُعدّ خطوة أحادية الجانب!.

نمو اليمين الأوروبي

لم تأتِ دعوة فرنسا إلى هذا المؤتمر سوى في إطار أن يكون لها دور إقليمي أكثر قوة في الشرق الأوسط إلى جانب أفريقيا . ورأى العديد من المُراقبين والمُحلّلين أن فرنسا تعرّضت لضغوطات وابتزازات كبيرة من الطرفين الأمريكي والإسرائيلي. إلا أنني وفي قراءة أخرى أرى أن فرنسا وسياساتها ومصالحها تأتي متوافقة مع السياسة الترامبية تحديداً في ما يتعلّق باعتبار الصين العدو الأول.

فرنسا دولة استعمارية وهذا مرض لا يمكنها الشفاء منه، وخير شاهد على ذلك أن أكثر من 13 دولة أفريقية ما زالت تدفع ديون فترة الاستعمار الفرنسي لفرنسا حتى يومنا هذا. وما رَفع شعارات السلام ومكافحة الإرهاب في أفريقيا إلا حجّة لتبرير دخولها في أفريقيا. ومع تزايد نفوذ الصين في أفريقيا عام 2010م وحصولها على حق تعدين اليورانيوم في مالي. سرعان ما أعادت فرنسا تنظيم قواتها في الصحراء والشمال الأفريقي وأيضاً طلبت عبر الاتحاد الأوروبي رفع الضرائب على الصادرات الصينية في محاولة لتقويض النفوذ الصيني ومحاصرتها اقتصادياً .

وزير الخارجية الألماني كان قد صرّح بأن البناء الاستيطاني يجب ألا يقوّض عملية السلام، وأنه أمر واقع على الفلسطينيين أن يتجاوزوه!. من جانب آخر فهناك تحرّكات لأحزاب اليمين في أوروبا حيث يجري حالياً إعداد لجبهة موحدة لخوض الانتخابات في ثلاث دول أوروبية ( فرنسا وألمانيا وهولندا )، وإذا ما نجحت هذه الجبهة فإن هذا يُنذر بأن الاتحاد الأوروبي سيصبح ترامبياً.

 

 

المسارات الفلسطينية البديلة

إن تصميم ترامب على نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس و دعوته رؤساء كبار المستوطنات الإسرائيلية إلى مراسم تنصيبه، وعدم الاكتراث برسائل الرئيس الفلسطيني عباس التي تُحذّر من نقل السفارة، كلها مؤشّرات بأن الاستيطان آخذٌ في التوسّع أكثر فأكثر وأن عمليات التهويد في القدس ستتصاعد في الفترة المقبلة.

فلسطينياً علينا البحث عن مسارات بديلة غير المفاوضات خصوصاً في ظلّ نمو اليمين المُتشدّد في البيت الإسرائيلي  واليمين الأوروبي ووصول ترامب إلى سدّة الحُكم في أمريكا.

فشلنا في باريس وعلينا مراجعة النفس ومراجعة السياسات العقيمة بوضوح من دون تعالٍ وادّعاء انتصارات لا وجود لها. مشكلتنا أننا نعوّل على الآخرين أكثر مما نعوّل على أنفسنا لذلك نفكّر أن الآخرين سيفعلون لنا ما لا نستطيع أن نفعله وهذا مستحيل في ظلّ الانقسام والنظام السياسي المترهّل، وعليه فإن لا جدوى من أي مسار سيتم اتخاذه مستقبلاً مهما كان من دون أن تكون هناك إرادة سياسية لدى الجميع لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني.

جملة من الخطوات والآليات تستطيع القيادة الفلسطينية تبنّيها كبديل للمفاوضات الثنائية و يكون لها تأثير سياسي يُترجَم على أرض الواقع، والتي يمكن أن نُجملها على شكل نقاط كما يلي:

·تكثيف الاتصالات مع  موسكو واستغلال التفاهم الروسي الترامبي إن صح التعبير في سبيل استجلاب موقف عادل من روسيا، والحصول على دعم موسكو كقوة عُظمى تستعيد أمجادها وسيكون لها دور مهم في المستقبل وموقع متميّز في النظام العالمي الجديد.

·التوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية بأسرع وقت ممكن، ومتابعة فتوى جدار الفصل العُنصري والاستيطان.

·إبقاء التواصل الدائم مع الدول الصديقة مثل (السنغال ونيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا) و تشكيل لجنة مشتركة ما بين تلك الدول وفلسطين تكون مهمتها إيجاد الخطوات السياسية الملائمة على المستوى الدولي. بما أن تلك الدول هي الأصدق في دعمها ونصرها للقضية الفلسطينية.

·وضع آلية يكون الغرض منها المتابعة والتواصل الدائم مع الأحزاب الأوروبية بكافة أطيافها، في سبيل محاصرة التشدّد الأوروبي وآثاره.

·استغلال المعارضة الأمريكية التي بدأت مع لحظة تنصيب ترامب وإيجاد آليات تساند هذه المعارضة في سبيل الضغط على الإدارة الترامبية .

·التواصل مع الأحزاب العربية الصديقة ومؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية وحشدها في سبيل الضغط على الحكومات العربية لتتحمّل مسؤولياتها إزاء ما يجري في القدس فهي ليست قدس الفلسطينيين وحدهم.

·تفعيل المقاومة الشعبية بشكلٍ جدّي في كافة مناطق الاشتباك وإيجاد آليات هدفها تعزيز صمود أهلنا في كافة الجغرافيات الفلسطينية ( الشتات، القدس، الضفة، غزّة، المناطق المحتلة عام 1948).

· تبني المؤسسة الفلسطينية الرسمية المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية التي أثبتت إنها أكثر ما يُخسر الاحتلال على مدى سنين الصراع الطويلة.

 

علينا الآن قبل أيّ وقت مضى أن نسارع إلى البحث عن المسارات البديلة، فالعالم من حولنا يتغيّر، وعلينا أن نجاري هذا التغيّر، ولكن الأهم من هذا كله أن نسارع إلى ترتيب بيتنا الداخلي، وإلا فإن القادم لن يكون أجمل بالنسبة إلى الفلسطينيين.