إسرائيل وتنامي القوة العسكرية الجزائرية

ظهر تقرير في السنوات الأربع الماضية وأعيد مثله مؤخراً، وهو تقرير إسرائيلي بالأساس يحاول تفكيك مسار التطوّر العسكري في الجزائر، من حيث الآلة الحربية والتكنولوجيا والكمية، وربما من حيث العدد البشري العامل في هذا القطاع . في هذا التقرير حاولت إسرائيل من خلاله فتح مسار لمعرفة ماذا يجري من تحضير ضدّها من الجزائر، رغم أن الجزائر لا علاقة لها جغرافياً بإسرائيل وليست هي من دول الطوق أو الجوار إلا موقفها الصريح والثابت (مع فلسطين ظالمة أو مظلومة).

الجزائر أمّة وشعباً، حكومة وأحزاباً، تقدّر المواقف المشرّفة لأجهزة المخابرات الوطنية في هذه المحنة الأليمة التي تعرفها ليبيا وسوريا واليمن
ظهر تقرير في السنوات الأربع الماضية وأعيد مثله مؤخراً، وهو تقرير إسرائيلي بالأساس يحاول تفكيك مسار التطوّر العسكري في الجزائر، من حيث الآلة الحربية والتكنولوجيا والكمية، وربما  من حيث العدد البشري العامل في هذا القطاع . في هذا التقرير حاولت إسرائيل من خلاله فتح مسار لمعرفة ماذا يجري من تحضير ضدّها من الجزائر، رغم أن الجزائر لا علاقة لها جغرافياً  بإسرائيل وليست هي من دول الطوق أو الجوار إلا موقفها الصريح والثابت (مع فلسطين ظالمة أو مظلومة). 


صحيح أن الجزائر لا تهمّها المسافات في الظروف التي تتطلّب الموقف الشجاع والتضامن العربي والدفاع عن الموقف والمبدأ التي ألزمت  بهما نفسها، وصحيح أيضاً أنها ترفض وبقوة التطبيع مع إسرائيل حتى ولو طبّع العرب كلهم معها. وصحيح ثالثاً أنها لاقت العداوة ذات مرة من مصر بسبب موقفها من حرب غزّة ومؤازرتها للمقاومة إن في لبنان أو في فلسطين، لكن هذا موقف ثابت منذ ما قبل الاستقلال، بدليل أن لفيفاً من الجزائريين المتطوّعين وصل إلى فلسطين دفاعاً عن الأقصى، هذا الإيجابي التاريخي يجعل الجزائر متحرّرة من الأسر التاريخي و من الفوضى التي تزاحم المواقف الصانعة للحدث .. إسرائيل من خلال الإشارة بما ورد في التقرير، هي إشارة  ليست بنيّة القفز على حقائق الواقع ومهاجمة الجزائر لأنها تعرف جيداً أن ذلك ليس أمراً مستحيلاً  وإنما لأن تبعاته لن توقفها لا وحشية إيديولوجية " نتنياهو " ولا صبيانية "ساركوزي و"هولاند" إان الرّد سيكون حاداً ودامياً .. 


نعم إسرائيل حاولت الضغط على روسيا من أجل إلغاء صفقات الأسلحة التي تمّت في السنوات الماضية بينها وبين الجزائر، لكنها فشلت وإن صنعت بعض الخروق التي لا تضرّ، غير أنها فعلت أشياء مع الولايات المتحدة الأمريكية . بالتأكيد فالجزائر ظلّت منذ بداية الثمانينات محل حسابات عدّة وعلى رأسها حسابات الولايات المتحدة الأمريكية لكونها تُمثّل الحيّز المهم في جغرافية المغرب العربي، فضلاً عن كونها غير مرتبطة بأي تجاه سياسي خارجي يخوّلها التبعية، مثل حال مصر في عهد مبارك والأردن ودول "مجلس التعاون الخليجي" ، ثم إن موقفها من قضية الصحراء الغربية قضية مفصلية في سياستها لا لكونها تمثل العمق الاستراتيجي لها المُطلّ على المغرب وموريتانيا كما تدّعي إطراف استعمارية عدّة ، ولا لكونها متداولة محورياً في الواجهة التاريخية للمنطقة .. 


هذا التمركز للوعي السياسي في وعاء الرفض الكلّي لسياسة الاستقطاب من جهة ولسياسة المحاور من جهة ثانية أكسب الجزائر منظوراً سياسياً لا تستقطبه الأزمات ، ولا تتعدّاه باتجاه الانشطار، فقد صمدت بهذا المنظور طيلة سنوات المحنة وطيلة سنوات الثورة ، ولم تمدّ يدها لأحد ، بل أغلب دول العالم وفيها دول عربية كانت تعمل من أجل ألا تخرج الجزائر من الأزمة وهناك دول وإن لم يعرفها الشعب الجزائري بعد ، وقفت إلى جانب قوى التطرّف  وساهمت في تغذية النزعة الاستئصالية، والتوجّه الانفصالي لبعض مؤسّسي الفكر الوثني ، وسياسة تمجيد الاستعمار من خَلف الأسوار . إن إسرائيل إذن، حين تهتم بالقوة العسكرية المتنامية في الجزائر و بالتطوّر النوعي لها براً و بحراً و جواً  ليس أمراً جديداً، ولا يؤشر إلا إلى أهمية الجزائر في الاستراتيجية الدولية، فجيرانها يعيشون مربّع القمع السياسي الدموي للإرهاب وهي تأخذ من قلب الأحداث الدموية التي مرّت بها قوتها وربما اقتصادها،  فالمغرب دخل الوعاء السياسي الأمريكي منذ فترة، وتحوّل القصر إلى ظاهرة لجمع ما أمكن من الأسماء والمسمّيات لديمومته، وتونس دخلت التعدّدية من باب التعدّدية بخطاب لم يتّضح بعد والجزائر تساعدها وإلى جانبها ، وسياسة هذا التواري المستمر للأحداث من دون تقصّيها من أطراف عدّة في منطقة شمال إفريقيا فتحت الباب للتأويلات حتى لدى صانعي القرار السياسي في البيت الأبيض، ولعل ما أشار إليه "ساركوزي" في الآونة الأخيرة من أنه يحارب الإرهاب في شمال إفريقيا  ويقصد ليبيا، هو ثمار هذا الشعور بالغباء من طرف بعض الأنظمة في إفريقيا هو بالتأكيد ما أرادت إسرائيل أن تنبش فيه وبالتحديد في ملف التسليح العسكري الجزائري ، لكنه يبقى مجرّد وهم تتداوله المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لأنها تدرك إن ثقافة التاريخ في الجزائر هي أهم رصيد تحتمي به الجزائر في الظروف المتآكلة وفي المناسبات التي تطل فيها عقارب الساعة على دقّات صمت الرجال .              

     

إن الجزائر أمّة وشعباً، حكومة وأحزاباً،  تقدّر المواقف المشرّفة لأجهزة المخابرات الوطنية في هذه المحنة الأليمة التي تعرفها ليبيا وسوريا واليمن، وقد عرف العالم الآن بالتأكيد بأن الجزائر ليست ممن يؤيّدون المرتزقة وليست دولة تلعب بها الرياح أو أمّة يسكنها الطغيان بل أمّة حرّرت المفاهيم من كل شياطين التبعية ومن السياسة المتعدّدة الوجوه التي ينتهجا أشرار العالم "إسرائيل، وأمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، ودعاة الوهابية " لكن بعض المتشبعين بالفكر الوثني وثقافة الاستعمار وهم قلّة قليلة وتكاد لا تذكر أراود صنع واقع للجزائر مغاير للواقع العام فإذا هم منبوذون حتى من أهاليهم مثل دُعاة الوثنية البربرية وهم أصلاً مرتبطون بالفكر "الكولونيالي"..


إن الواقع يلغي كل دعوة لا تقوم على منطق التاريخ وحقائقه.. ودُعاة البربرية تشبه دعواتهم تعاويذ قارئة الفنجان..؟ ولعلّ حظهم  من هذه القراءة هي قراءة بلا جدل " لا تقبل الجدل " ولا تقبل أيّ توصيف بشري لمحتوياتها ..ومن هنا تتبدّد دعوى "دُعاتها " لتأسيس "أحزاب عرقية" بالاستناد إلى بريق الرمال تحت وهج الشمس،إنها دعوة يأس.. وربما نهاية البداية لتضاريس المحنة التي تفترض توازن القوى تحت قرع الأجراس ؟؟ولا شك، وبالتأكيد، إن من يعجز عن مواجهة الواقع لأخطاء يدور في فلكها يتحوّل إلى فارس بالادّعاء القاتل... وعندنا بعض من " أدعياء " السياسة ذات التوجّه" الكولونيالي" ممن ينطبق عليهم هذا الوصف.... ومن دون اللجوء إلى المبرّرات التاريخية يمكننا وبأمانة تطبيق هذا الوصف على مَن  تسيّرهم المخابرات الفرنسية لأسباب تاريخية وإن كانوا يظنّون أنهم زعماء الفكر الثني أو أنصار التجزيئية للتاريخ ،فإنهم يحاولون فقط ترديد الدعوات الارتدادية ويتحمّلون الكثير من التوصيف المأساوي لأزمة الضمير لديهم ولدى أتباعهم.


إن ثقافة التجارب (وللجزائر الكثير منها) هي إحدى الأسوار التي تُحصّن بها الذاكرة، وأحد المراجع الكبرى للعقل البشري، ذلك أن منطق الارتباط بالتراث المكوّن للهوية الوطنية والشخصية الثقافية هو بالأساس منطق التواجد الإنساني في الحدث، وفي الظاهرة الاجتماعية  وأيضا في الموقف الإنساني ، يكون هذا المنطق حاضراً رغم وجود بعض العوارض التي تمنع تفكيك الحدث، أو الظاهرة حاضراً لحظات الحسم، وأهم هذه العوارض، المحدود الثقافي لا العقلي، بدليل أن الثقافة الشفوية التي وصلت إلينا عبر القرون هي إحدى المميّزات الحضارية التي نفتخر بها، ولولا هذا الانتقال لما كانت للأمم اليوم ما تستفيد منه من ماضيها، وربما تصبح أمماً بلا ماض..إن الثقافة التي لا تصنع الإنسان ولا توجّه مستقبله هي ثقافة إهمالية ، وأن السياسة التي لا تنتج إطارات تحتكم في وظائفها إلى الضمير المهني  هي سياسة ارتدادية.. إن لم نقل انشطارية.. إن المستوى الأخلاقي للأمم لا يُقاس في الأصل بما هي عليه من ترفٍ مادي أو صناعي وإنما بالمواقف التي تنتجها عند الضرورة وأثناء الأزمات الكبرى... 

إن البُعد الإنساني الذي أشرت إليه في قراءة سابقة للأحداث الماضية بالنسبة إلى الجزائر، هو بُعد صنعته الأخلاق وصقلته القِيَم، لذلك كان الناس آنذاك لا يفكّرون بمستوانا الحالي ذلك أنهم طبقوا قواعد الانتماء وصنعوا منها أهدافاً لمواجهة الحاضر  وبناء المستقبل، هذا هو المبدأ الذي تشير إليه وتؤكّده في الواقع القواعد الأخلاقية منذ العصور، بل إنني متأكد من أن مسيرة الإنسان تحت أيّ ظرف أو ضغط خارج حاصل الواقع لن تكون سوى مسيرة مبنية على الأمل، لكن الأمل وحده لا يبني الأمم والشعوب بل سيظل مجرّد أمل يتأرجح بين مبدأ التطبيق ومبدأ الحلم.


إن الذين يحكمون بأوهام التاريخ ويتصرّفون بجنون الصمت إزاء المواقف الحادّة والدامية وغلق الأبواب في وجه المستضعفين هم إن لم يكونوا من بقايا العصر الجليدي فهم من بقايا عصر الانتصار للفوضى و"الشوفينية".. المفروض في زمن الحروب الظالمة تنمو المشاعر الكبرى ويتداخل الجامد بالمتحرّك أملاً في إيجاد خط متواصل بين الإنسان والإنسان ، ولو كانا من قِبَل أعداء ..والمفروض أيضاً في زمن الدم تختفي الأحقاد بين الأشقاء وتفتح مساحة الوفاق لمواجهة القادم أياً كان نوعه، لكن ما يجري الآن على أرض سوريا وكأنه خيال داهم يعيش في الذهن لحظات ثم ينقضي ، لكن كل شيء زائل ولكل شيء بداية ونهاية ، قد تنتهي الحرب قريباً ولا يهم لمن وقف ضدّها بل المهم من وقف معها، فالانتصار فيها حاصل و قد بدأت فعلاً أفول المجرمين تختفي إن لم تكن هي الآن قيد التواري المطلق.. ذلك أن الممانعة أدّت واجبها وتواري في الظلمات من كانوا يؤمنون بأنهم لا يُقهرون ولا تدوم حروبهم إلا ستة أيام أو أسابيع وينتصرون أو يصلّون صلاة النصر في الجامع الأموي كما أكّد  " أردوغان "، وأقامت الحجّة عليهم على أنهم لا يشبهون البشر، ولا يؤمنون إلا بالخراب والدمار، وقد يكون الحساب الحقيقي بعدها، خاصة وأن روسيا أقسمت على أن سوريا خط أحمر بالنسبة لها ولو أدى الأمر إلى استعمال حق النقض في مجلس الأمن الدولي عشرين مرة، وقد بدأ يستفيق الضمير العالمي وسوف يستيقظ مثل جمرة رماد و يقول بالأسماء مَن كانوا مع الواجب الإنساني والتاريخي ومَن كانوا متواطئين ومجرمين إجرام إسرائيل...