مابين وثيقة كامبل ووثيقة حوران... لا يكمن إلا الشيطان

واشنطن تهدف باستراتيجيتها الحالية من خلال التحضير لعدوان على سوريا من الجنوب لاستثماره ميدانياً، محاولة منها الضغط على الدولة السورية في مفاوضات جنيف القادمة وعدم إمكانية استثمار واستخدام انتصارات محور المقاومة الميداني، لقوة مضافة نتاج حرب السنوات السبع، وذلك لتنفيذ ما يحلمون به في إغلاق الخط الواصل ما بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق.

واشنطن تهدف باستراتيجيتها الحالية من خلال التحضير لعدوان على سوريا من الجنوب لاستثماره ميدانياً
المؤتمر الامبراطوري 1907 أو مؤتمر كامبل بنرمان، هو مؤتمر انعقد في لندن في 15 أبريل 1907 واستمرت جلساته حتى 14 مايو 1907، بدعوة سرّية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفّوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن، وقدّم فكرة المشروع لحزب الأحرار الحاكم في ذلك الوقت، حيث ضمت  الدول الاستعمارية حينها كل من: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرّية أسموها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل-بانرمان. كان أهم ما ورد في الوثيقة:

 

( إن خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان) ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدّم العلمي والفني والثقافي. ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخراً، وعلى إيجاد التفكّك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها، ولذا أكّدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة الدولة العازلة Buffer State، عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية، وهكذا قام الكيان الصهيوني في هذا السياق.

اليوم يأتي وصف مركز أبحاث مقرّب من دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني لما سُمّي بـ"وثيقة حوران" التي وقّعت عليها شخصيات مأجورة تحمل الجنسية السورية مُقيمة في تركيا بأنها "تطوّر يصبّ في مصلحة إسرائيل" بصورة غير مباشرة. ونوّه تقرير أصدره "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يرأسه وكيل وزارة خارجية العدو الصهيوني السابق دوري غولد إلى أن "إقامة إقليم يضم درعا وجبل الدروز (السويداء) والقنيطرة يعدّ من أفضل الخيارات التي يمكن أن تسفر عنها التسوية الشاملة للصراع في سوريا". وذكر التقرير الصهيوني أنه لو تم تطبيق ما جاء في "وثيقة حوران" فإن "فرَص تحوّل منطقة جنوب سوريا إلى مناطق تهديد لإسرائيل سواء من خلال تواجد إيران وحزب الله، أو من خلال تمركز الجهاديين تتقلّص إلى حد كبير".

وكما كان  الأردن بنظامه العميل،  دائماً خادماً وفياً  للمشاريع الإستعمارية ذات الأبعاد الصهيونية ، و بالتنسيق مع بريطانيا و ”الكيان الصهيوني” ينفّذ عمليات عسكرية سرّية داخل الأراضي السورية لدعم الإرهابيين  التكفيرين بما يُسمّى “المعتدلين” المدعومين من قبل بني سعود، ليتسلموا مفاتيح  البادية السورية من “داعش” كما حصل في سنجار العراقية حين سلمها تنظيم “داعش” للأكراد من دون قتال يُذكر بإشراف أميركي مباشر، هذا في الوقت الذي كانت أميركا وماتزال تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” المشكّلة من العشائر العربية والأكراد في الشمال، وتلتقي و تتصل بالجماعات الإرهابية التي تشرف عليها أجهزة المخابرات الأردنية و بني سعود في مناطق شرق سوريا (تدمر و دير الزور و الرقة)، و بالتالي يفرض أمراً واقعاً على الأرض لتحقيق أحلامهم بتقسيم سوريا.

واشنطن تهدف باستراتيجيتها الحالية من خلال التحضير لعدوان على سوريا من الجنوب لاستثماره ميدانياً، محاولة منها الضغط على الدولة السورية في مفاوضات جنيف القادمة وعدم إمكانية استثمار واستخدام انتصارات محور المقاومة الميداني، لقوة مضافة نتاج حرب السنوات السبع، وذلك  لتنفيذ ما يحلمون به في إغلاق الخط الواصل ما بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق، من هنا جاءت الحشود الأميركية والبريطانية لتنفّذ مناورات تحت مُسمّى الأسد المتأهّب داخل الأراضي الأردنية، وحيث عين محور المقاومة لا تغفو عن الرصد و المتابعة لتلك الحشود عبر الصوَر الجوية، فكانت الرسالة للحلف المعادي بأننا نرصد ونراقب ونحن بأتمّ الجاهزية للرّد، وهذا ما لخّصه تصريح وزير الخارجية وليد المعلم بقوله  إن تصريح الناطق باسم الحكومة الأردنية، بخصوص الدفاع عن حدودهم من العمق السوري بعيد عن الواقع وإذا فعلوا فسيجدون الجواب المناسب، وأضاف المعلم: "إننا لسنا في وارد مواجهة مع الأردن لكن إذا دخلت قواتهامن دون تنسيق مع دمشق سنعتبرها معادية".

 وفي السياق ذاته تأتي تصريحات واشنطن في إطار تعزيز التوتّرات الدولية مع إيران وكوريا الديموقراطية بهدف تضليل المجتمع الدولي لإمكانية تحقيق استراتيجيه عسكرية بعينها في سوريا، عبر أدوات محلية وجيوش بالإنابة بعد فشل هذه العصابات الوهّابية بشكل مباشر، ومن خلال ورقة الأكراد في الشمال والنظام الأردني في الجنوب، للسطو المسلّح على سوريا وسرقة ثرواتها الباطنية وضخّها عبر فلسطين المحتلة، وتأمين مرور خط الغاز القطري شرارة الحرب الأولى لتهميش الدور الروسي وحصارها اقتصادياً.
 

تبرز أهمية الجنوب السوري إضافة إلى تأمين حزام أمني للكيان الصهيوني أهمية اقتصادية كبيرة، وحسب تقرير مارتن أرمسترونغ (الجنوب مهم لإسرائيل حيث التقديرات الاقتصادية الحالية تشير إلى مخزن ضخم من النفط الخام في هضبة الجولان يفوق حجم مخزن السعودية)، وأيضاً يأتي ما يحدث في الجنوب استجابة  لما أكّده معهد بروكينغز عام 2015 مطالبته أصحاب القرار في واشنطن عن العدول عن القتال عبر المجموعات الإرهابية  والتدخّل المباشر بقوات عسكرية أميركية.

ومن الأسباب المباشرة لتعديل الخطة الأميركية وتنفيذ مقترح معهد بروكينغز باستكمال العدوان على الدولة والشعب السوري، حيث تبدأ من الجنوب السوري متّجهة إلى الشرق  والشمال الشرقي لسوريا اتصالاً مع مناطق النفوذ التي يسيطر عليها الأكراد بدعم أميركي، كل ذلك سببه الرئيس انتصارات الجيش العربي السوري  والقوات الصديقة والرديفة وعلى كامل الجغرافية السورية، في هذا الإطار يتجسّد الدور المشبوه للنظام الأردني ومخابراته في تحقيق وتنفيذ الأجندة والمصلحة الأميركية بالجنوب السوري، أما في الشمال فيتم عبر ورقة الأكراد واستبدالهم عوضاً عن  الأتراك، إذ تقول  هدية يوسف، الرئيسة المشتركة للمجلس التأسيسي للفيدرالية الديمقراطية شمالي سوريا ( التي توسَّعت من منطقة الإدارة الكردية في شمالي سوريا "روج آفا" لتضم أراضٍ عربية كبيرة)، تقول لصحيفة "الأوبزرفر" البريطانية: "إنَّ الوصول إلى البحر المتوسّط هو ضمن مشروعنا في شمالي سوريا، وهو حقٌّ مشروع لنا"، حسب قولها.وعند سؤال هدية عمَّا إذا كان ذلك يعني مطالبة الولايات المتحدة بتقديم دعمها السياسي لهم من أجل الحصول على طريقٍ تجاري يصل إلى البحر، بمجرّد أن يساعدوها على استئصال داعش من شمالي سوريا، قالت: "بالطبع".

وهذا كله يصبّ حقيقة الأمر خدمة للمشروع الصهيوني ولجهة ترحيل القضية الفلسطينية بل تصفية للقضية المركزية في الصراع العربي الصهيوني،  عبر إيجاد  كانتونات ودويلات طائفية وعرقية  والدخول في صراعات بينهم بعيداً عن الصراع الرئيسي العربي_الصهيوني. إن سياسة الإدارة الأميركية والغرب الأطلسي تتميّز بالنفاق وازدواجية المعايير ولا بدّ من القول إن قرار الإدارة الأميركية ليس محصورا بيد الرئيس، فهناك المخابرات CIA وزارة الدفاع الأميركية وتأثير اللوبي الصهيوني المباشر على صنّاع القرار في أميركا، لذلك نشهد تراجعاً وعدم التزام لتصريحات المسؤولين الأميركيين فها هو ترامب لم يلتزم بأي تصريح أطلقه قبل وأثناء الانتخابات تحت هذه الضغوط.

واستراتيجية واشنطن لانتزاع شمال و شرق سوريا و جنوبها معاً هي استراتيجية تفاوض من موقع القوة لفرض شروط الحل، أو تقسيم البلاد في حال لم يتم التوافق على الحل الذي لا يناسبها، لكن هذا الخيار لم يحسب حساب الجيش العربي السوري والمقاومة  الوطنية الشعببية وحلفائهم القادرين على إعادة جنودهم محمّلين بصناديق إلى بلادهم.