القمّة العربية الأميركية: انحدار بكل المقاييس التاريخية

خلص مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي "STRATFOR" في تحليل له في شباط الماضي إلى أنه رغم الدعم الكبير الذي تبديه إدارة الرئيس الأميركي ترامب لإسرائيل، إلا أنها لا تستطيع الاعتماد عليه وحده في ضمان أمنها، وأنها لذلك تبقي الباب مفتوحاً مع جيرانها في الشرق الأوسط، وبينها السعودية ومصر وتركيا.

ترامب أوكل للسعودية مهمة تحجيم النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله في لبنان
لخّص ترامب في خطابه الأخير في القمّة العربية الإسلامية الأميركية في جملة واحدة وبكل وضوح سياسة إدارته في المنطقة العربية، وتفاصيل مهام "حلف الناتو العربي" عندما قال "أن داعش والقاعدة وحزب الله وحماس يمثّلون تهديداً إرهابياً للمنطقة،  وأن على قادة الدول العربية والإسلامية طرد المُتطرّفين من بلادهم".

وزّع ترامب في جملته هذه المهام على الدول العربية، فالسعودية مهمتها تحجيم النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله في لبنان، واستكمال حربها على اليمن ومصر تضبط الحدود مع سيناء المضطربة، مرتع تنظيم ولاية سيناء الموالي لداعش، إلى جانب تحجيم حركة حماس في غزّة. أما سوريا (الملف الأعقد) فالمهام موزّعة بين أكثر من دولة عربية وشرق أوسطية، كالسعودية والأردن وتركيا وغيرها.

خلص مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي "STRATFOR" في تحليل له في  شباط الماضي إلى أنه رغم الدعم الكبير الذي تبديه إدارة الرئيس الأميركي ترامب لإسرائيل، إلا أنها لا تستطيع الاعتماد عليه وحده في ضمان أمنها، وأنها لذلك تبقي الباب مفتوحاً مع جيرانها في الشرق الأوسط، وبينها السعودية ومصر وتركيا.

يبدو هذا التحليل اليوم صائباً ومتناسباً مع مخطّط ترامب، حيث ذكر مسؤول أميركي مع اختتام أعمال القمّة العربية الأميركية أن خطة ترامب للسلام الفلسطيني الإسرائيلي تستوجب التطبيع العربي مع اسرائيل أولاً. وفي نهاية المطاف فإن هذه المهام التي أوضحها ترامب في خطابه كلها تصبّ في خانة واحدة، وهي ضمان أمن "إسرائيل".

على الرغم مما قيل عن ترامب بأنه كثير الأخطاء، إلا أنه أصاب في فهم سلوك النظام العربي الإسلامي، حيث أن الخطاب الترامبي المُبطّن بالترهيب والإهانات يتم التجاوب معه عربياً بفعالية، فالرئيس المصري، العاهل السعودي، والعاهل الأردني بايعوا الرئيس الأميركي في كلماتهم الملقية بالقمّة العربية الأميركية وأبدوا تعاوناً كاملاً مع السياسة الأميركية الترامبية.

في ما يخصّ القضية الفلسطينية، فإن مطالبة ترامب السابقة للرئيس عباس بوقف مخصّصات عائلات الشهداء والأسرى، ومطالبته قادة الدول في القمّة العربية الأميركية بطرد"المتطرّفين" من بلادهم، يعني أن الأمر لن يتوقّف على وصم حركة حماس بالإرهاب، وإنما كل من يمسّ أمن "إسرائيل"، وبأية طريقة كانت، وقد يوصم الرئيس عباس شخصياً بالإرهاب إذا لم يتجاوب مع الخطاب الأميركي مستقبلاً.

 من جانب آخر كشفت مصادر دبلوماسية غربية أن الرئيس دونالد ترامب سيُعلن قريباً مبادرة سياسية تُعيد إطلاق المفاوضات المباشرة الفلسطينية- الإسرائيلية لفترة زمنية محدودة تراوح بين 12- 16 شهراً على أبعد تقدير، من دون وقف الاستيطان. وإن صدقت هذه المصادر وأطلقت المفاوضات، وإذا ما أردنا القياس بالمقارنة مع وتيرة الاستيطان التي شهدها العام الماضي، فإن فترة المفاوضات ستشهد ارتفاعاً في الاستيطان بنسبة لا تقلّ عن 40% في الضفة وحدها، ويكون حينها ترامب حقّق أمنية "إسرائيل" بتطبيق المثل العربي الذي يقول "أحسن ما في الزمان طوله".

 

بلا أدنى شك إن هذه القمّة العربية الأميركية تشكّل انطلاقة جديدة في العلاقات الأميركية العربية الإسلامية، انطلاقة أقل ما يمكن وصفها بأنها انحدار بكل المقاييس التاريخية، وخروج عن الفكر والسلوك العربي الإسلامي، ينذر بكتابة فصل جديد في كتاب جديد حول الانحدار العربي الإسلامي.

بدأ عصر زرع الخراب والحصاد المر، عصر باتت الدول العربية فيه تنافس أميركا في ضمان أمن إسرائيل، في مقابل تنافس الدول الأوروبية الغربية في السخرية من الرئيس الأميركي ترامب.

يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه، فسياسة الفوضى الخلاّقة التي اعتمدها جورج بوش بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر في المنطقة العربية، تعود إلى الطاولة الأميركية من جديد، كسياسة مفضّلة لدى الجمهوريين. والدليل الحيّ على ذلك ما سُمّي بالقمّة العربية الأميركية، التي خرج بيانها الختامي بتلقّي الضوء الأخضر من ترامب لبدء عملية ضبط إيقاع المنطقة العربية وإعادة هيكلة الأجهزة الضامنة لأمن إسرائيل، لاستكمال تقسيم ما تبقّى من أجزاء أوطان، ورسم الخارطة النهائية للشرق الأوسط الجديد.